تريليون دولار خسائر أزمة الرهن العقاري .. الشيخ:
العوامل الداخلية خلف اضطراب سوق الأسهم .. والأزمة الدولية محدودة التأثير
"الاقتصادية" من جدة - -
20/09/1429هـ
قدر الدكتور سعيد الشيخ كبير اقتصاديي البنك الأهلي، حجم خسائر القطاع المالي الدولي جرّاء أزمة الرهن العقاري وما نجم عنها من تلاشي وإفلاس العديد من المؤسسات المالية كان آخرها بنك ليمان براذرز في الولايات المتحدة الأمريكية، بأنها قد تتجاوز 600 مليار دولار وصولاً إلى تريليون دولار، وأشار إلى أن "الأزمة الأخيرة بإعلان بنك ليمان براذرز عن إفلاسه سيئة جداً ولكن لا يمكن القطع بأنها الأسوأ، خصوصاً أن تجربة الفصول الثلاثة الماضية بدءً من الربع الرابع 2007 والأول والثاني من العام الحالي تجعلنا غير متيقنين عما هو آت". وأشار إلى بعض أهم المؤسسات المالية التي أعلنت عن خسائر كبيرة بسبب الأزمة ومنها "سيتي بنك" و"مورجن ستانلي" و"ميريل لينش" و"فاني مي" و"تريدي ماك". وأضاف أن بنك ليمان براذرز، وهو من أعرق البنوك الأمريكية حيث يرجع تأسيسه إلى 158 عاماً ويُصنَّف على أنه البنك الرابع على مستوى البنوك الاستثمارية عالمياً ويأتي الآن آخر ضحايا أزمة الرهن العقاري.
هز الثقة في الأسواق الدولية
واستطرد قائلاً إن من اللافت أن هذا البنك تُرك ليُعلن إفلاسه رغم محاولات جهات عديدة لإعادة رسملته وربما منها الخزانة الأمريكية، كما كانت هناك محاولة لقيام بنك التنمية الكوري بشراء البنك لكن لم تتكلل المحاولة بالنجاح، وبالتالي اضطر البنك لإعلان الإفلاس، الأمر الذي هز الثقة بأسواق المال ليس داخل الولايات المتحدة الأمريكية وحسب، بل على الصعيد العالمي أيضاً. فأمريكياً أدى انهيار "ليمان براذرز" إلى تراجع أسواق المال الأمريكية يوم الإثنين الماضي 15/9/2008م وأيضاً على مستوى الأسواق العالمية وجدنا أن هناك تراجعاً كبيراً وتحديداً في سوق المال السعودي الذي فقد ما نسبته 6.5 في المائة في اليوم نفسه أيضاً مما يعكس أبعاد اهتزاز الثقة في سوق المال الأمريكية وبالتالي الأسواق العالمية.
وحول تأثير ذلك على قطاع البنوك في المملكة ودول الخليج، أكّد الدكتور سعيد الشيخ أن "هناك تأثيرات غير مباشره وقد تكون أكثر خطراً إذ يرجع سببها إلى فقدان الثقة بالقطاع المالي الدولي، فالواضح أن القطاعات المالية لدينا تأثرت بهذا الأمر، إذ وجدنا هناك تراجعاً في أسواق المال الخليجية. وهناك تأثيرات مباشرة لهذه الأزمة على بنوكنا الخليجية إما من خلال التعاملات وإما ما لديها من منتجات مصدرها هذه المؤسسات المتعثرة لكنها تبقى محدودة حتى الآن. ولا شك أن هناك تأثيرات في بعض المؤسسات أو الأفراد في المنطقة الذين يتعاملون مع تلك الجهات التي أعلنت خسائر وبالتحديد مع بنك ليمان براذرز.
وفيما يتعلق بتأثير ذلك على المستثمرين في أسواق المال الأمريكية فقد أشار الشيخ إلى أن هناك مستثمرين خليجيين في أسواق الولايات المتحدة يمتلكون أسهما في المؤسسات المالية المُنهارة أو التي تراجعت قيم أسهمها، حيث سيكون لذلك انعكاساته بالتأكيد على أولئك المستثمرين. وتزايد قلق بعض المستثمرين من هذا الانهيار يأتي في الوقت ذاته الذي يشهد فيه الاقتصاد العالمي تراجعاً ملحوظاً ومن ثم قد ينعكس ذلك سلبياً على أسعار النفط ومن ثم على أداء أسواق الأسهم الخليجية.
الأزمة وأسعار النفط
وحول العلاقة بين ما يحدث بسبب تنامي أزمة الرهن العقاري وبين أسعار البترول، أبان كبير اقتصاديي البنك الأهلي أن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي ساهم في تباطؤ الاقتصادات العالمية ومن ضمنها الاقتصاد الأوروبي والاقتصاد الآسيوي، فعندما تتباطأ اقتصادات العالم يتراجع الطلب على النفط وهو ما حدث على الأقل على مستوى الولايات المتحدة وكذلك اقتصادات دول الاتحاد الأوروبي التي شهدت تراجع النمو في الطلب على النفط.
وأضاف أنه في خلال النصف الأول من العام الحالي أسهم ارتفاع الطلب على النفط في دول مُستهلكة رئيسية مثل الصين، البرازيل، ومنطقة الشرق الأوسط في تعويض جزء من الانخفاض في الطلب على النفط في الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي فإن عام 2008 سوف يشهد نمواً متواضعاً في زيادة الطلب على النفط عالمياً مقارنة بالأعوام السابقة. وحول مستقبل أسعار النفط في ظل الأوضاع غير المستقرة في أسواق المال الأمريكية أوضح الدكتور الشيخ أن هناك تراجعاً حيث تدنت أسعار برميل النفط الإثنين الماضي 15/09/2008 إلى 91 دولارا لخام برنت بينما كانت قبل أسبوعين تراوح بين 110 و120 دولارا للبرميل.
ولابد أيضاً الإشارة إلى أن من أسباب انخفاض أسعار النفط خلال الأسابيع الماضية زيادة إنتاج دول أوبك وارتفاع المخزون وكذلك ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل اليورو والعديد من العملات الأخرى.
السعر العادل للنفط:
وفيما يتعلّق بمداخيل الدول النفطية وتأثير تلك الأزمة في أسعار النفط قال الدكتور سعيد الشيخ: " قررت دول أوبك في اجتماعها الأخير خفض الإنتاج بنحو 520 ألف برميل يومياً وهو أحد المؤشرات التي تدل على استعداد منظمة أوبك لمواجهة هذه الأزمة بخفض الإنتاج، وتوضيحاً لذلك أشار إلى أن دول أوبك بعدما لاحظت تراجع الطلب العالمي على النفط، إضافة إلى زيادة المخزون في بعض الدول، بادرت إلى خفض إنتاجها والإعلان أيضاً عن الالتزام بنظام الحصص الذي تم إقراره في أيلول (سبتمبر) 2007، فدول أوبك تعطي إشارة لأسواق النفط أنها على استعداد لحماية الأسعار عند مستوى 90 إلى 100 دولار للبرميل بما يعطي مؤشراً ربما غير مباشر أن دول أوبك ترى أن السعر المناسب والعادل الذي سوف تدافع عنه يراوح بين 90 و100 دولار للبرميل".
الأسهم السعودية والأزمة
وحول مدى تأثير الأزمة الدولية الراهنة في سوق الأسهم السعودية، ذكر الدكتور الشيخ أن التراجع الذي شهده السوق منذ الشهر الماضي مرتبط بعدّة عوامل، وقال: "لا يمكن ربط هذا التراجع بالأزمة الدولية الحالية وإن كان لهذه الأزمة تأثير غير مباشر، حيث إن مُتغيرات سوق الأسهم السعودية ارتبطت بالإجراءات التنظيمية التي اتخذت محلياً وأيضاً بسلوك المستثمرين في سوق الأسهم، حيث إن أحد أهم العوامل المؤثرة في سوق الأسهم السعودية هو سيطرة الأفراد المستثمرين على السوق وغياب الجهات الاستثمارية المؤسساتية منه. وأضاف أن هذه السيطرة تجعل سوقنا عرضة للتقلبات الكثيرة المدفوعة بالشائعات وأحيانا بعقلية القطيع. ومع استمرار غياب مستثمرين مؤسساتيين سوف تبقى أوضاع السوق على هذا النمط سواءً في الصعود أو في الهبوط، أما العوامل الأخرى التي أدَّت إلى عدم استقرار السوق السعودية فتعود إلى مجموعة الإجراءات التي تم اتخاذها خلال الفترة الماضية التي جاءت متعاقبة وسريعة حيث لم تعطِ في تصوري فترة للسوق لاستيعابها وللمستثمرين ليستوعبوا تأثيرها قبل الدخول في إجراءات جديدة. أيضاً فإن مستوى الوضوح بالنسبة لبعض القرارات ليست على المستوى المطلوب، فعلى سبيل المثال اتسم قرار السماح للمستثمرين الأجانب بعدم الوضوح لدرجة أن كثيرا من المستثمرين لم يدركوا أهدافه أو طريقة تطبيقه في حين أن القرار استهدف السماح للمستثمر الأجنبي بالدخول في سوق الأسهم السعودية على أساس صفقه تبادلية مع مؤسسة محلية تعود ملكية الأسهم للمؤسسة المحلية ويستفيد المستثمر الأجنبي من العوائد، قد يفهمها شخص يعمل في مؤسسه مالية ولكن غالبية المستثمرين لا يفهمون أبعاد هذا القرار.