أحسن الله إليك ’ وجزاك خير الجزاء .
و حفظ الله الشيخ وبارك في علمه , ونفع به .
_____________________
قرأت رسالة تربوية رائعة عنوانها " لفتة الكبد إلى نصيحة الولد" ، كتبها الشيخ الإمام أبو الفرج ابن الجوزي لولده يحثه فيها على طلب العلم وامتثال أوامر الله والانتهاء عن نواهيه , وودت لو قرأها وانتفع بها كل المربين والناشئة .
وإليكم فصلا من تلك الرسالة القيمة :
فصل في فضل العقل ومسؤولية التكليف والحث على طلب الفضائل
اعلم يا بني وفقك الله أنه لم يميَّزِ الآدميُ بالعقلِ إلا ليعمل بمقتضاه ، فاستحضر عقلك وأعمِلْ فِكرَك ، واخلُ بنفسك ، تعلمْ بالدليل أنك مخلوق مكلف وأن عليك فرائض أنت مطالب بها ، وأن الملكين عليهما السلام يحصيان ألفاظك ونظراتك ، وأن أنفاسَ الحي خطوات إلى أجله ، ومقدارَ اللبث في الدنيا قليل ، والحبسَ في القبور طويل ، والعذابَ على موافقة الهوى وبيل ، فأين لذة أمس ؟ قد رحلَتْ وأبقَت ندمـًا ، وأين شهوة النفس ؟ نكّسَت رأسًا وأزلّت قدمـًا .
وما سعِد مَن سعِد إلا بمخالفة هواه ، ولا شقِي مَن شقي إلا بإيثار دنياه ، فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد ، أين لذةُ هؤلاء وأين تعبُ أولئك ؟ بقي الثواب الجزيل والذكرُ الجميلُ للصالحين ، والمقالةُ القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين ، وكأنه ما شبع مَن شبِع ، ولا جاع مَن جاع .
والكسلُ عن الفضائل بئس الرفيق ، وحبُ الراحة يورث مِن الندم ما يربو على كل لذة ، فانتبه وأتعِبْ نفسَك ، واعلم أن أداء الفرائض واجتنابَ المحارم لازم ، فمتى تعدّى الإنسانُ فالنار النار .
ثم اعلم أن طلبَ الفضائل نهايةُ مرادِ المجتهدين ، ثم الفضائلُ تتفاوت ، فمن الناس مَن يرى الفضائلَ الزهدَ في الدنيا ، ومنهم مَن يراها التشاغلَ بالتعبد ، وعلى الحقيقة فليست الفضائلُ الكاملةُ إلا الجمعُ بين العلم والعمل ، فإذا حُصِّلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى ، وحرّكاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه ، فتلك الغاية القصوى ، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم ، وليس كلُ مريدٍ مرادًا ، ولا كلُ طالبٍ واجدًا ، ولكن على العبد الاجتهاد ، وكلٌ ميسَّرٌ لما خـُلق له ، والله المستعان .
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=901372