د. فهد السلطان لـ "الاقتصادية": أقترح إنشاء جهاز وطني للإنذار المبكر للتبنوء بالأزمات الاقتصادية وإدارتها
أمين مجلس الغرف السعودية: المملكة لديها إمكانات تحصين اقتصادها ضد عدوى الأزمة المالية العالمية
حبيب الشمري من الرياض - -
15/10/1429هـ
أكد الدكتور فهد السلطان الأمين العام لمجلس الغرف السعودية أن مسار الاقتصاد السعودي ما زال يسير بثبات وبثقة كبيرة وسط تداعيات الأزمة المالية العالمية، وفي ظل الظروف الاقتصادية غير المواتية التي يشهدها العالم، حيث ما زالت المملكة تحقق إنجازات اقتصادية في مختلف القطاعات.
واعتبر السلطان في حديث خاص لـ "
الاقتصادية" أن تأثر الاقتصاد الوطني بالأزمة الراهنة هو تأثر محدود ولن يستمر طويلاً، وأن مشروعات التنمية الاقتصادية الضخمة التي بدأتها المملكة وخططت لتنفيذها ستتواصل، وهو ما يجسده بوضوح المشروعات التنموية الضخمة التي افتتحها خادم الحرمين الشريفين خلال الأيام القليلة الماضية.
وقال السلطان إن الواقع يفرض على المعنيين في القطاعين الحكومي والخاص اليقظة في متابعة ودراسة هذه الأزمة وتداعياتها، والتعرف على كيفية الاستفادة من الدروس التي أفرزتها وستفرزها هذه الأزمة، خاصة في مجال القروض العقارية، وعملية توريق الديون العقارية، والرقابة على الجهاز المصرفي. والأهم من ذلك هو معرفة كيفية الاستفادة من آليات تعامل البلدان المختلفة في العالم مع هذه الأزمة لوضع آلية وطنية دائمة للإنذار المبكر، تشارك فيها كافة الجهات المعنية للتنبؤ بالأزمات الاقتصادية وإدارتها، خاصة أن هذه الأزمات أصبحت متكررة في السنوات الأخيرة.
الاقتصاد الأمريكي
وأشار السطان إلى أن الأزمة المالية التي يشهدها الاقتصاد العالمي منذ آب (أغسطس) 2007م التي بلغت ذروتها خلال تشرين الأول (أكتوبر) تعد من أسوأ الأزمات التي مر بها الاقتصاد العالمي منذ عقد الثلاثينيات، خاصة بعدما ثبت عجز النظام الاقتصادي العالمي عن احتوائها والتخفيف من آثارها بشكل سريع وفاعل. وتأتي أهمية مراقبة هذه الأزمة من كون انطلاقها كان من اقتصاد الولايات المتحدة الذي يشكل قاطرة النمو في الاقتصاد العالمي، فاقتصادها هو الأكبر في العالم بحجم يبلغ نحو14 تريليون دولار، وتشكل التجارة الخارجية لها أكثر من 10 في المائة من إجمالي التجارة العالمية، بجانب أن السوق المالية الأمريكية تحتل موقع القيادة للأسواق المالية العالمية، مما جعل أية مخاطر تتعرض لها هذه السوق تنتشر آثارها إلى باقي الأسواق المالية الأخرى بسرعة كبيرة.
أسعار الفائدة
وعلل السلطان تأخر تجاوب هذه الأزمة مع الجهود الدولية التي بذلت للتغلب عليها بأنها ليست أزمة ناجمة عن ارتفاع سعر الفائدة وإنما ناجمة عن تراجع الطلب خاصة على قطاع العقارات، وانتشار الديون المعدومة التي أدت إلى انهيار عدد كبير من المؤسسات المالية والعقارية حول العالم. كما أنها أزمة مركبة لأنها مصحوبة بارتفاع غير مسبوق في أسعار النفط ، وارتفاع في معدلات التضخم وأسعار الغذاء العالمية.
وأفاد السلطان أن المملكة لديها الإمكانات لتعقيم اقتصادها ضد عدوى الأزمة المالية العالمية من خلال التعامل مع مداخل وآثار انتقال هذه العدوى للاقتصاد السعودي، فالاقتصاد السعودي كاقتصاد منفتح ضمن منظومة الاقتصاد العالمي يتأثر بالتقلبات والأزمات الاقتصادية الدولية ، وذلك نتيجة لوجود مجموعة من الروابط بين الاقتصاد السعودي والاقتصاد العالمي التي يتمثل أهمها في التجارة الخارجية، حيث تمثل التجارة الخارجية أهم روابط المملكة مع العالم الخارجي، وخاصة فيما يتعلق بالصادرات، حيث تلعب الصادرات دوراً أساسياً في النمو الاقتصادي في المملكة وخاصة صادرات النفط، وذلك باعتبار النفط سلعة استراتيجية للمملكة كمصدر رئيسي للدخل القومي، كما تلعب الواردات دوراً أساسياً في النمو أيضاً، من خلال توفير مستلزمات الإنتاج، ناهيك عن توفير المستلزمات الاستهلاكية من السلع.
كما أن الاستثمارات السعودية في الخارج والاستثمارات الأجنبية في المملكة تمثل واحدا من أهم هذه الروابط، حيث تتنوع الاستثمارات السعودية في الخارج بين استثمارات خاصة واستثمارات رسمية، وهي استثمارات إما في أصول كالعقارات وغيرها من الموجودات العينية، وإما استثمارات في أسواق المال العالمية، وهذه الاستثمارات تحقق فوائد للمملكة متمثلة في تحقيق عوائد تؤثر بدورها في معدلات النمو في الاقتصاد الوطني. كما تعد المملكة في مقدمة دول المنطقة من حيث جذب الاستثمارات الأجنبية، سواءً كانت استثمارات أجنبية مباشرة أو استثمارات أجنبية في سوق الأوراق المالية، وتشير الأرقام إلى تطور حجم هذه الاستثمارات بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة، حيث تساهم هذه الاستثمارات في زيادة الإنتاج، ورفع معدلات النمو، وخلق فرص عمل للمواطنين، ناهيك عن الفوائد الأخرى لهذه الاستثمارات الأجنبية مثل استقدام التكنولوجيا المتقدم للمملكة، والمساهمة في زيادة الصادرات غير البترولية.
4 مداخل للأزمة
وأوضح السلطان أنه في ضوء الروابط السابقة بين الاقتصاد الوطني والاقتصاد العالمي يمكن القول إن مداخل تأثر اقتصاد المملكة بالأزمة المالية العالمية معروفة وهي مدخل سوق الأسهم (البورصة) ومدخل الجهاز المصرفي، ومدخل علاقة الريال بالدولار الأمريكي، ومدخل النمو الاقتصادي، وهي المداخل التي يجب أن تركز سياسات المملكة عليها لتعقيم الاقتصاد السعودي ضد عدوى هذه الأزمة العالمية.
فبالنسبة لسوق الأسهم ذكر السلطان أنه من المعروف في الأزمات المالية العالمية أن الأزمة تشتعل في بدايتها وبسرعة في سوق الأسهم، ثم تنتقل بعد فترة (تراوح بين شهرين إلى ثلاثة أشهر) لسوق السلع، ثم تنتقل بعد فترة أطول ( من ثلاثة إلى أربعة أشهر ) إلى سوق العمل. ورغم ارتباط هبوط سوق الأسهم الوطني بالأزمة العالمية، فإن أداء الأسهم السعودية المتعثر منذ ثلاثة أعوام لا يعكس واقع الاقتصاد السعودي.
المصارف والأزمة
أما بالنسبة لمدخل الجهاز المصرفي فيرى السلطان أنه من الطبيعي أن تكون المصارف أحد المداخل التي يمكن أن يتأثر بها الاقتصاد السعودي من الأزمة المالية العالمية، وذلك بسبب ارتباطاتها مع المصارف العالمية، والملاحظ حتى الآن أن المصارف السعودية ما زالت في مأمن من هذه الأزمة، وهناك العديد من العوامل التي أدت إلى صمود المصارف السعودية أمام هذه الأزمة، ومن أهمها ما يلي:
* المميزات التي يتمتع بها القطاع المصرفي السعودي وخاصة ما يتعلق بتطبيق مقررات لجنة بازل.
* بعد البنوك السعودية عن ثقافة توريق القروض المنتشرة في بنوك أمريكا والدول الغربية.
* توافر السيولة في البنوك السعودية، وعدم وجود أي شح في تقديم الائتمان المصرفي، حيث إن النمو في السيولة خلال الأشهر الثمانية الماضية ارتفع لنحو 21 في المائة مقارنة بنحو 18 في المائة في العام الماضي، كما سجلت الودائع نمواً كبيراً يتجاوز 22 في المائة من المعدل السنوي للنمو في الأشهر الثمانية الأولى أكثر مما شهده العام الماضي.
الريال والدولار
وعن مدخل علاقة الريال بالدولار الأمريكي أوضح السلطان أن العلاقة بين الريال والدولار وضع سابق للأزمة المالية الراهنة، وتتفاوت الآراء حول هذه العلاقة بين ضرورة فك عراها والإبقاء عليها دون تغيير، إلا أن المملكة ما زالت تؤكد استمرارية هذه العلاقة بين الريال والدولار، من أجل الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي ومنع المضاربة على العملة الوطنية. وقد اتخذت الدولة من السياسات المالية والنقدية ما تتطلبه هذه العلاقة، وقد ظهر ذلك بوضوح فيما يتعلق بإجراء تخفيضات على معدلات الفائدة. ورغم ذلك فإن لدى مؤسسة النقد العربي السعودي مساحة للتحرك واستخدام أدوات أخرى مساعدة للحد من التضخم بعيداً عن سعر الفائدة، ممثلة في قرار رفع الاحتياطي القانوني للبنوك الوطنية أكثر من مرة، ولكن هذا الوضع وهذا التوجه في السياسة المالية والنقدية تأثر بتطورات الأزمة في الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، وتأثيرها في قيمة الدولار، وعودة البنك المركزي الأمريكي لخفض سعر الفائدة لمستوى 1.5 في المائة، حيث قامت مؤسسة النقد العربي السعودي بتخفيض الاحتياطي القانوني لدى البنوك إلى 10 في المائة، وخفض فائدة إعادة الشراء" الريبو" نصف نقطة مئوية من 5.5 في المائة إلى 5 في المائة في 12 تشرين الأول (أكتوبر) 2008م، وذلك لتعزيز وضع السيولة في الجهاز المصرفي.
النمو الاقتصادي
أما عن مدخل النمو الاقتصادي في المملكة فيرى السلطان أنه مرتبط بشكل كبير بالعلاقات والروابط الخارجية للاقتصاد السعودي وخاصة ما يتعلق بالصادرات. ورغم تأثير الأزمة على معدل النمو الاقتصادي العالمي، ومن ثم وجود احتمالات لتأثيرها في حجم الطلب على النفط وعلى أسعاره ومن ثم تأثيرها في نمو الاقتصاد السعودي من الناحية النظرية، إلا أن الواقع يؤكد أن هذا الأثر لم يظهر بعد، فما زالت أسعار النفط مرتفعة على المستوى الذي يشكل خطورة على الموازنة العامة رغم انخفاضها أخيرا، ومن ثم فتأثير الأزمة على نمو الاقتصاد السعودي من مدخل صادرات النفط يعد ضعيفاً جداً على الأقل في الأجل القصير.
تلافي الأثر
وختم السلطان تصريحه بأن تأثر معدل النمو الاقتصادي في المملكة نتيجة للأزمة المالية العالمية لا يكاد يذكر، ويمكن تلافيه في الأجل الطويل، وذلك لأن السياسات التي تم اتخاذها من قبل الجهات المعنية للتعامل مع هذه الأزمة بثت روح الطمأنينة لدى قطاع الأعمال الوطني، وعملت بقوة على تحصين الاقتصاد الوطني من التأثر بتداعيات هذه الأزمة. وإضافة إلى ذلك فإن الزيادة في الاستثمارات نتيجة العوائد النفطية المتراكمة ستلغي أي آثار سلبية للأزمة في الاقتصاد الوطني، مما يتيح استمرارية تحقيق القطاعات الاقتصادية المختلفة لمعدلات نمو مناسبةً لسنوات مقبلة، ويعزز من ذلك ما يتمتع به الاقتصاد الوطني من إمكانات وطاقات إنتاجية كبيرة، وما تراكم لدى القطاعين الحكومي والخاص من فوائض مالية خلال الفترة الماضية.