عرض مشاركة واحدة
قديم 10-27-2008   رقم المشاركة : ( 5 )
عثمان الثمالي
ثمالي نشيط

الصورة الرمزية عثمان الثمالي

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 30
تـاريخ التسجيـل : 13-08-2005
الـــــدولـــــــــــة : الطائف
المشاركـــــــات : 35,164
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 30
قوة التـرشيــــح : عثمان الثمالي محترف الابداع


عثمان الثمالي غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الأخبار الإقتصادية ليوم الاثنين 27 شوال 1429 هـ الموافق27/10/ 2008

اخرجوا من سوق الأسهم
المدينة السعودية الاثنين 27 أكتوبر 2008 6:50 ص




د. وائل مرزا

لتبقَ في سوق الأسهم تلك الشريحة التي يناسبها ثقافياً ومالياً العملُ فيها. ولكن بعد أن تعود سوقاً كما كان يُفترض بها أن تكون، بعيدةً عن روح المقامرة وعقلية المضاربات وممارسات التلاعب والخبطات السريعة

إلى متى يستمر هذا المسلسل الهزلي الطويل في بلاد العرب؟

صحيحٌ أن العرب يحبون المسلسلات الطويلة في كل مجال. فالمسلسلات التركية التي جاوزت حلقاتها المئات لقيت الاستحسان والقبول لديهم. وأثار هذا غيرة الفنانين العرب فقرروا إصدار جزءٍ رابع من مسلسل باب الحارة، كما أصدروا أجزاء ثالثة ورابعة وخامسة من مسلسلات أخرى.

لكن مسلسل انهيارات سوق الأسهم العربية ومايترتب عليها من آثار سلبية في كل مجال أصبح كئيباً ومملاً ومثيراً للاشمئزاز، بحيث بات من المطلوب وقفهُ بشكلٍ أو بآخر. لم يعد يجدي في هذا المجال ابتكار مصطلحات جديدة كل مرة لـ (تفسير) أسباب الانهيار بعد الآخر. فلا (عمليات جني أرباح) ولا (العامل النفسي) ولا (التصحيح) ولا غيرها من التبريرات التي تأتي بين آونة وأخرى تنفع في التخفيف من وقع المصيبة. لأن خلاصة الأمر تتمثل في أن مئات المليارات تتبخرُ في الهواء بطريقة أو بأخرى. وتتبخر معها أحلام الملايين من البسطاء في الثروة والحياة الرغيدة.

لاندعو هنا إلى إغلاق أسواق الأسهم في المدن والعواصم العربية الكبرى. فوجودها هو دليل (المعاصرة) الاقتصادية لدى الكثيرين. إلى درجة أن مثل هذا التصرف الأرعن قد يكون (عيباً) في نظر بعض هؤلاء، و (تخلفاً) و(رجعيةً) لدى بعضهم الآخر.. كما أن (العولمة) التي أصبح العرب جزءاً منها شاؤوا أم أبوا لاتسمح بحصول مثل هذا الأمر. لأنه صار أشبه بالقدَر المقدور الذي لامفرّ منه ولا فكاك.

كل مافي الأمر أننا ندعو الملايين من الناس العاديين من مشرق العالم العربي إلى مغربه إلى لملمة أوراقهم، وإغلاق هذا الملف، والخروج من باب سوق الأسهم مرةً واحدة وإلى الأبد دون الالتفات إلى الوراء.

انتهى الأمر بالنسبة لهؤلاء. ولم يعد بإمكانهم النظر إلى مستقبلٍ أفضل من منظار السوق. وإنما عليهم البحث عن مناظير ومداخل أخرى، الآن، وقبل أن يصبح الأمر أشدّ سوءاً على كل صعيد.

لقد آن الأوان ليعيش هؤلاء حياةً عادية مثل باقي البشر. آن الأوان لأن يعود إلى بيوتهم رجالٌ تبحث عنهم زوجاتهم وآباءٌ يسأل عنهم أبناؤهم فلا يجدونهم إلا في عالم سوق الأسهم. سواء كان تواجدهم في ذلك العالم عملياً، أو نفسياً من خلال الهوس بمتابعة الأسعار والمؤشرات والأخبار على صفحات الجرائد وعلى شاشات الكمبيوتر ومحطات التلفزة.

آن الأوان للخروج من نفقٍ مظلمٍ طويل لم تعد توجد فيه سوى الديون والهموم والمشاكل النفسية والأزمات الشخصية والعائلية. ولم يعد يلوح ثمة شعاعٌ من ضوء في نهايته مهما كان خافتاً.

آن الأوان للاعتراف بأن الثقافة العربية والواقع العربي ليسا مهيئين للتعامل مع هذا (الاقتصاد الجديد) وأن على الجميع التعاون للعودة إلى (الاقتصاد القديم). إلى العمل في الوظائف والمهن والمصانع والشركات والأسواق، رغم جميع الشكاوى المعروفة عن العمل فيها، ورغم كل التطوير المطلوب في مجالاتها. لأنها تبقى على الأقل شكلاً من أشكال الاقتصاد الحقيقي يحفظ حداً أدنى من الاستقرار في الواقع العربي. في حين باتت الحركة في أسواق الأسهم أشبه بالعمل في اقتصادٍ وهمي ليس له لونٌ ولاطعمٌ ولارائحة. اللهم إلا لون الأسعار والمؤشرات الحمراء، وطعم المرارة التي تسكن في الحلوق، ورائحة الحريق التي تنتشر في القلوب والأجواء.

نعرف أن الأمر ليس سهلاً. وقد يقول الكثيرون أن الوقت قد فات لمثل هذه الانعطافة في التفكير والحياة. لكن الواقع يفرض نفسه حيث لايبدو في الأفق خيارٌ آخر.

هذه لحظةٌ من لحظات الحقيقة في العالم العربي. ولم يعد الإصرارُ على السير في ذلك الطريق منطقياً بأي مقياسٍ من المقاييس. بل ربما يكون في الأمر خيرٌ إذا دفعت الأزمةُ شرائحَ أكبر من العرب لاستعادة نظرةٍ إلى الحياة أكثر واقعيةً. ولتحفيز شعورهم بأن النجاح فيها يتطلب أموراً تتجاوز الشطارة والفهلوة. ولتشكيل قناعةٍ لديهم بأن الحديث عن معاني الجهد والبناء والمثابرة والعمل والصبر ليس حديثاً في المثاليات أو تنظيراً في الأبراج العاجية.

لكن هذا يقتضي شعوراً بالمسؤولية من مختلف الأطراف. فالخروج من ضغط ثقافة الثراء السريع التي طغت في بلاد العرب بشكلٍ لافت لن يكون سهلاً في معزل عن دورٍ مهم يقوم به المثقفون والمربّون والعلماء والإعلاميون. فعلى هؤلاء تقع مسؤوليةُ وضع التصورات الفكرية والثقافية المتعلقة بحياة الإنسان على هذه الأرض في نصابها الصحيح. أما الحكومات والأجهزة الرسمية فقد بات مطلوباً منها فتحُ الآفاق والمجالات عملياً أمام (العائدين) من الاقتصاد الوهمي إلى الاقتصاد الحقيقي، وهي أدرى بما يجب عليها وبما يمكن لها القيام به في هذا المجال. لأنها يجب أن تكون أدرى أيضاً بأن استمرار الوضع على هذا الحال قد يؤدي إلى كوارث وطنية شاملة لاتقف عند شريحةٍ معينة ولاتصيب البعض دون غيرهم من الناس.

لتكن تلك تجربةً يتعلم منها العرب في أكثر من مجال.

ولتبقَ في سوق الأسهم تلك الشريحة التي يناسبها ثقافياً ومالياً العملُ فيها. ولكن بعد أن تعود سوقاً كما كان يُفترض بها أن تكون، بعيدةً عن روح المقامرة وعقلية المضاربات وممارسات التلاعب والخبطات السريعة. أي أن تعود مجالاً للاستثمار الهادئ والمنظّم على المدى البعيد، يكون مبنياً قبل كل شيء آخر على قياسٍ نزيهٍ وعلميٍ وشفاف لأداء مؤسساتٍ اقتصادية حقيقية تساهم في عمليات التنمية.

قد يغضب من مثل هذه الدعوة المئات من الإعلاميين والخبراء (الاقتصاديين) الذين أصبح عالم الأسهم وأسواقه مصدر رزقهم. ومن هؤلاء نرجو السماح ونقول: ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء..
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس