الأزمة المالية تدفع بالاقتصاد الإسلامي للواجهة
عدنان حسين السقاف
يواجه الاقتصاد العالمي في هذه الأيام أزمة لم يشهدها منذ عقود وقد امتد تأثير هذه الأزمة لتشمل العالم بأسره وتفاوت تأثيرها على اقتصاد الكثير من دول العالم ولعل المتأمل في هذه الأزمة يدرك بأن هناك خللا في النظام المصرفي أدى إلى هذه الكارثة وأن على المؤسسات المالية والبنوك المركزية أن تعيد النظر في العديد من العمليات المالية وأدوات الرقابة على البنوك بل إن الكثير من أدوات الاستثمار التي تتداول بين المؤسسات المالية يجب أن يعاد النظر فيها.
من المعروف أن بداية هذه الأزمة كانت مع الرهن العقاري حيث أدى دخول أصحاب الدخول المنخفضة في شراء مساكن إلى قيام بعض شركات العقار بإغراء هذه الفئة بشراء مساكن بدون دفعة أولى وبأقساط قصيرة وشهرية تخضع مبالغ الأقساط إلى تكاليف الإقراض في أسواق المال في نيويورك وإذا تردد المشتري يقال له إن قيمة المنزل سترتفع وبالتالي يمكن إعادة وسائل تمويله في وقت كان سعر الفائدة فيه منخفضا (زادت أسعار المساكن نتيجة لانخفاض سعر الفائدة في عام 2003م حيث وصلت ا% وبقيت لمدة 31 شهرا).
كما أن الشركات المتخصصة في تمويل العقار تبيع سندات الرهن أو القروض إلى منشآت أخرى تخصصت في شراء وبيع سندات التمويل كما زاد من التعقيد دخول محافظ تفادى الأخطار "هيدج فند" hedge funds التي تشري أو تبيع (مشتقات السندات) وهذا يعني دفع جزء أو قبض جزء صغير من مبلغ آنيا أو مستقبلا.
ارتفع سعر الفائدة مجددا فاكتشف المقترضون أنهم لا يستطيعون السداد وقد أنفقوا ما اقترضوه على شراء سلع أجنبية (بلغ العجز التجاري الأمريكي بين عام 2000 - 2006م 4 ترليونات دولار).
ومما تناقلته الأنباء أن مجموعة فاني ماى وفريدى ماك (من المؤسسات ذات الصلة بالرهن العقاري) بلغت تكاليف تقليص مديونيتها 200 مليار دولار كما قامت الحكومة الأمريكية بتقديم 85 مليار لدعم شركة التأمين العملاقة (AIG).
هناك مسببات جوهرية لهذه الأزمة الاقتصادية وهي النظام الاقتصادي القائم على الفائدة والمتمثل في السندات وما ينشأ عنها من مشقات مالية وأن المؤسسات المالية المقدمة للقروض المسوقة للسندات تعتبر مسؤولة مع شركات التوريق (المشتقات المالية) عن متابعة تحصيل الأقساط والفوائد وتسليمها لحملة السندات وبتوقف المقترضين عن السداد تركوا المنازل للمؤسسات المالية التي أصبحت بعد انتشار ظاهرة التخلف عن السداد قيمتها أقل بكثير من قيمة القروض فضلا عن عدم إمكانية بيعها للركود الذي طرأ في سوق العقارات.
الرهن العقاري هو الخيط الذي أشعل فتيل الأزمة لأن البنوك أهملت في التحقق من الجدارة الائتمانية للمقـترضين وأغرتهم بفائدة بسيطة ولم تراع قدرة هؤلاء على السداد مستقبلا خصوصا إذا ارتفعت نسبة الفائدة.
الرهن العقاري بصورته التقليدية مكون من ثلاثة أطراف مشتر للعقار ومالك بائع للعقار وممول للعملية (بنك أو شركة تمويل عقاري) حيث يتم التعاقد بين الأطراف الثلاثة فيقوم المالك ببيع العقار للمشتري بمبلغ ويدفع المشتري جزءا من الثمن (15%) مثلا ويقوم الممول بدفع الباقي للبائع مباشرة واعتباره قرضا على المشتري مقابل رهن العقار للممول ويسدد القرض على أقساط طويلة الأجل (ما بين 15-30 سنة) بفائدة تبدأ بسيطة عادة في أول سنتين ثم تزايد بعد ذلك ويسجل العقار باسم المشتري ويصبح مالكه له حق التصرف بالبيع أو الرهن أما البديل الإسلامي فهو ما تتعامل به المؤسسات المالية الإسلامية حيث تقوم مؤسسة التمويل بشراء العقار وبيعه مرابحة وأيضا إبرام عقد استصناع (مقاولة) مع العمل لبناء المبنى وكذلك صورة المشاركة التأجيرية.
إن ما حدث في أزمة الرهن العقاري هو عمليه إعادة البيع أو رهن العقار مقابل قروض جديدة بفائدة وبالتالي يتحمل العقار بحقوق رهن متعددة فعند توقف المقترض عن السداد لم تكف قيمة العقار لسداد المقرضين والرهن في الشريعة حق على عين ولا يجتمع حقان على عين واحدة.
وقد قرر مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في مؤتمره السادس في عام 1990م على (أن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان وينبغي أن يوفر بالطرق الشرعية بالمال الحلال وأن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها من الإقراض بفائدة هي طريقة محرمة شرعا لما فيها من التعامل بالربا).
allbenhadi@yahoo.com