من الذكريات ج4 متجدد من الذكريات ج4 متجدد من الذكريات ج4 متجدد من الذكريات ج4 متجدد من الذكريات ج4 متجدد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد والشكر لله , والصلاة والسلام على رسول الله , وآله وصحبه ومن والاه , ومن تبعهم بأحسان الى يوم نلقاه , وبعد :
تصوروا معي قبل مائة عام ونيف , وتخيلوا لو أن سينا من الناس من أولئك الذين عاشو بتلك الفترة نقل له مشهد حي ونابض بالحركة والصوت والصورة لما استجد بفضائكم في أيامكم هذه .
ما ظنكم بعدم التصديق وحجم الصدمة وعظم الدهشة وكبر الحيرة التي ستعتريه مما سيشاهد حتى لو كان المشاهد أمبراطورا على رأس أحدى الأمبراطوريات العظام فضلا عن أن يكون واحدا من عامة الناس الذين عاشوا في بيئة أسلافكم ؟ .
يقيني أنه لو كشفت له الحجب وشاهد وسمع ما يتحرك في فضائنا من مخترعات لهاله الأمر ولتملكته الحيرة والجمته الدهشة , ولكذب ما رآه بصره ولم تستوعبه بصيرته , ولربما أقسم وأغلظ في القسم بأن ما رآه أنما كان ضربا من السحر أو مسا من الجان وليس شيئا ذا صلة بعالم الحقيقة وواقع الحال .
ولا غرابة , فهل كان لعاقل من أهل ذلك الجيل والذين من قبلهم أن يخطر لهم على بال فيتصورون أجساما تحلق في الفضاء سوى الطير ؟, وهل الفوا غيرها شيئا في حجمها أو أكبر منها يحاكيها في السباحة بالهواء ؟.
وهل كان سيجمح بأحدهم خياله حتى وأن كان في غياهب المنام وأسر الأحلام ليتصور أجساما عملاقة تمخر عباب الأجواء بأصوات تزمجر كالرعود وسرعة تسابق الصوت , وعلى بعضها عشرات ألأطنان من الخيرات أو من أصناف المضرات التي تقذف بها من الأعالي على رؤوس المخلوقات من تحتها فتهلك بها الحرث والنسل, أو تقل مئآت من البشر لتنقلهم دفعة واحده بأمتعتهم الشخصية من مكان الى آخر على بعد آلاف من الأميال في سويعات معدودة ومحدوده ؟ .
أم هل سيبلغ الجنون بأحدهم مبلغه فتحدثه نفسه بأن القمر الساري في علوه وجماله واستواء كماله عندما يصبح بدرا, والذي طالما تغنى به المتغنون أزمانا تلو أزمان واصفين بحسنه كل محبوب قد أصبح جيلهم ذاك على مرمى حجر من جيل سيستقل أجساما طائرة تحط بهم على سطحه (القمر) ليجدونه على عكس ما تصوره ألأقدمون في خيالاتهم النرجسيه , وأنما على حال من انعدام الحياة ومظهر من مظاهر القبح التي لم تخطر لهم على بال ؟.
إذا كان هذا شيئا من التصورات لمشاعر من عاشوا قبل مائة عام فيما لو فتح لأحدهم نافذة ليشاهد منها ما يطير بفضائكم في هذا الزمان, إذا كان ذلك كذلك , فما الواقع الحي لعالم الطير بفضاء أسلافكم (منذ قرن) قبل أن تتوارى عن الأنظار كثير من الكائنات والأحياء البرية بسبب التلوث والجفاف وانفصام عرى السلسلة الغذائية وظهور السموم والمبيدات والأسلحة الناريه ؟ .
إجابة على هذا التساؤل سوف أحاول إعطاءكم تصورا لبيئة الطير بتلك الفترة من زمن أسلافكم في محيط دياركم وما جاورها من ديار , معتمدا في تصوري على الخبرة والخبر من ما أدركته ومن أدركتهم في طفولتي المبكرة.
ولكن تحاشيا للإطالة وتجنبا لإدخال الملل على نفوسكم , سوف أتوقف بكم عند هذا الحد , على أن أستأنف الحديث معكم في الجزء الثاني من هذه الحلقة بسيد الأجواء , ذلك الطير الكاسر المهيب الذي كان من قوته وجسارته يخطف صغار الماعز (السخل أو الجفار) وصغار الضأن (البهم أوطفال الشياه) من أطراف المراح أو طرف الرعيه , بل ربما عضه ناب من الجوع لينقض ويخطف الذئآب والثعالب ليلقي بها من ألأعالي على المنحدرات الصخرية ثم يهوي خلفها ثانية ليجهز عليها ويفترسها .
أبقوا معي ولا تجاملوني أن ظننتم في حديثي ميل للمبالغة , لأن ما انقرض بأرضنا من أمة الطير لا زال يعيش في بعض براري المعمورة بأجزاء من أفريقيا ووسط آسيا وغيرها , وتم توثيق شيء عنها وعن طريقة عيشها وسلوكها بالصوت والصورة والكلمه .
أبقوا معي , وحاولوا التعرف على سيد الأجواء قبل طرقي للحديث عنه وعن مجتمعه , حاولوا أن تنبئوني باسم ذلك الطائر المهيب الذي كان يزين أجواءكم ثم جفاكم وغادركم ولم يعد إليكم بعد انقراضه من بيئتكم منذ عقود , وقولوا لي , هل من أمل في أن يعود , وتعود معه بيئة تلك العهود ؟ .
وأن أعيتكم الأجابة فتوجهوا بالسؤال لحجاب الطير بأحدى قمم الجبال المطلة من الفرعة والعويجا على شعاب القلب ووادي علق , وقبل أن تسألوها شاهدوا بقايا آثار الدموع ظاهرة على وجهها حزنا على سيد الطير , ثم اسألوها , لما يا حجاب الطير , هجرك الطائر المهيب وهجر أوكاره فيك ؟.
سبحانك اللهم وبحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك اللهم وأتوب إليك ...