رد: الأخبار الإقتصادية ليوم الجمعه23 ذو القعدهـ 1429 هـ الموافق21/11/ 2008
قمة واشنطن وبداية الطريق
الحياة اللندنية الجمعة 21 نوفمبر 2008 8:19 ص
يمكن اعتبار نتائج قمة مجموعة الدول العشرين في واشنطن الأسبوع الماضي، جيدة، ومن أفضل ما يمكن أن تتفق عليه قمة عالمية في مثل هذا الظرف، بخاصة على صعيد قضايا رئيسة يتوجب التعامل معها خلال المرحلة المقبلة. فالـ«علاج السليم يجب أن يبدأ بالتشخيص السليم»، بحسب القول المأثور.
وأهم ما خرجت به القمة، تحديدها «خريطة طريق» لإصلاح النظام المالي العالمي، ما يمكن أن نعتبره بداية عملية إصلاحية، وليست نهاية لها. ودعت القمة أيضاً، إلى اتخاذ تدابير سريعة تتعلق بمراقبة مؤسسات المال، واتخاذ إجراءات عاجلة من أجل ضمان شفافيتها. وأظهرت تصميماً على تعزيز التعاون في ما بين أعضاء مجموعة العشرين، لإعادة إطلاق النمو العالمي وإصلاح النظام المالي. وأكدت على تبني خطة تحركات ملموسة ومحددة لاستعادة الثقة بالأسواق، على أن تطبق هذه الخطة في كل دولة على حدة وفق أنظمتها ووفق ما يتناسب مع أسواقها.
وكما كان متوقعاً، تركزت توصيات القمة على القضايا الرئيسة التي برزت كنقاط ضعف في النظام المالي العالمي، خلال أزمة المال الراهنة، وهي تأمين الانسجام بين المعايير المحاسبية والشفافية وتعزيز أسواق المنتجات المشتقة وخفض أخطارها ومراجعة الممارسات في مجال المكافآت، إضافة الى مراجعة تفويض مؤسسات المال الدولية للموارد وإدارتها. وحدّدَ موعد نهائي ينتهي في 31 آذار (مارس) المقبل لوزراء المال في المجموعة، من أجل صوغ التفاصيل الخاصة بالتوصيات، على أن يستتبعها عقد قمة أخرى، يرجح أن تكون في نيسان (أبريل) 2009 بهدف التحقق من تطبيق المبادئ والقرارات التي اتفقوا حولها.
والأهم لهذه التوصيات والقرارات، من وجهة نظرنا في القراءة الأولى، أنها عكست تصميم أكبر عشرين بلداً في العالم، على العمل بصورة منسقة وموحدة وككتلة واحدة من أجل مجابهة المشاكل المالية والاقتصادية، وتالياً، توجيه رسالة واضحة إلى المجتمع المالي والاقتصادي، بأن هناك جهوداً موحدة ومنسقة انطلقت من تحليل معمق لجذور الأزمة، تسعى حالياً إلى إيجاد المخارج الملائمة.
ومن الجوانب المهمة، التي تمكن قراءتها في التوصيات، أنها لم تكتفِ بالتعامل مع تداعيات الأزمة وآثارها، بل سعت أيضاً إلى وضع حلول لعدم تكرارها مستقبلاً. أي أنها حاولت التعامل مع المستقبل أيضاً، ما يؤكد أهمية كبيرة لها، تجسيداً لسعي المجتمع الدولي إلى التعلم من الدروس، والعمل معاً للاستفادة منها في صوغ نظام مالي واقتصادي عالمي أكثر عدلاً وشفافيةً ومشاركةً للقوى المؤثرة، خصوصاً العالم النامي، ما يُسجَّلُ من ضمن القراءة الأولية لتوصيات قمة واشنطن. فتركيبة الدول التي شاركت فيها تعد، في ذاتها دليلاً أكيداً على تبدل تعاطي العالم مع مشاكله وشجونه. فبعد أن كان الأمر مقتصراً على القوى الكبرى، توسّعت المشاركة بحضور دول مثل الصين والهند والبرازيل والسعودية وتركيا، ما يُعد إيذاناً ببدء عهد جديد أوسع مشاركة، لكن شرط أن يستمر هذا النهج وينعكس في تركيبة مؤسسات المال والنقد العالمية الحالية أو المتوقع إنشاؤها.
وفي الإجمال يمكن القول إن قرارات قمة العشرين، من شأنها أن تضيء نهاية النفق المظلم الذي دخل فيه الاقتصاد العالمي منذ نحو شهرين، وتعطي أملاً بمعالجة القضايا الشائكة، خصوصاً في أسواق المال، ما من شأنه أن يولد انعكاسات إيجابية على المصارف والأسواق في المنطقة العربية.
ومع تحول محركات الأزمة، في صورة متزايدة من كونها أزمة مال إلى كونها أزمة اقتصاد حقيقي، فإن المعالجات القصيرة الأجل، التي كانت تركز على أسباب الانهيار في المصارف وأسواق المال وتداعياته ، يجب أن تلازمها معالجات قصيرة ومتوسطة الأجل، تتعامل مع قضايا الركود الاقتصادي في العالم لحفز الإنتاج والاستهلاك والاستثمار وتحفظ ديمومة دور مؤسسات المال في التمويل والاستثمار في بيئة الأعمال والتنمية.
وفي هذا المجال، نتوافق كلياً مع ما ورد في كلمة رئيس مجلس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة، في افتتاح المؤتمر المصرفي العربي السنوي لعام 2008 (اختتم أعماله الأسبوع الماضي في بيروت)، حين أشار إلى أن العالم بات قرية كونية صغيرة، وأن ما يجري في الاقتصادات الكبيرة لا بد أن يؤثر فينا، وعلينا أن نعمل سوية وبجهود متكاتفة من أجل الإصلاح الاقتصادي من خلال الحفاظ على أسعار عادلة للنفط، وحفز الإنتاج وإيجاد مزيد من الوظائف، ومحاربة التضخم والغلاء ودعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ووضع برامج مصممة لدعم الفئات الاجتماعية الأكثر حاجة.
أما على الصعيد المالي، فالمطلوب مواصلة تحسين البيئة التشريعية لعمل المصارف وتطوير الرقابة وقواعد الشفافية والحوكمة والمعايير المحاسبية، والتركيز على الاستثمار والتمويل في البلدان العربية، وتقديم دعم أكبر إلى القطاع الخاص وبرامج التنمية.
|