رد: الأخبار الإقتصادية ليومالاحد25 ذو القعدهـ 1429 هـ الموافق23/11/ 2008
ليست أزمة في السوق، إنها أزمة ثقة!
الوطن السعودية الاحد 23 نوفمبر 2008 5:37 ص
جمال أحمد خاشقجي
تقول القراءة غير الاقتصادية لانهيار سوق المال أمس ، إنه تصويت من قبل المواطنين بعدم الثقة في خطط الحكومة التنموية ، ووعدها بإنفاق مليارات عدة ، والمضي قدماً في أكبر مشروع تحولي للبلاد منذ عقود ، بالرغم من الأزمة المالية العالمية.
من يتحمل مسؤولية عدم وصول رسالة الدولة الإيجابية ، الواعدة بغد أفضل إلى الرأي العام؟
الصحف تعلن كل يوم عن مشاريع جديدة ، والتزامات هائلة ، مدن اقتصادية ، أرقام بليونية ، كذلك يفعل التلفزيون ، وبقية وسائل الإعلام.
ملك البلاد شخصياً وصاحب مشروع التحول التنموي التاريخي للمملكة ، يصارح قادة العالم في واشنطن قبل أيام ، والذين ينظرون بنهم إلى ثروة المملكة التي تراكمت نتيجة ارتفاع أسعار النفط خلال العام الماضي وقدرها الخبراء بحوالي 550 مليار دولار (أي أكثر من تريليوني ريال سعودي).
فأكد لهم خادم الحرمين الشريفين أن المملكة لديها مشروع تنموي ستنفق خلاله 400 مليار دولار خلال الخمس سنوات المقبلة.
كأنه يقول لهم -حفظه الله- إن هذه الأموال من " حق أبنائي وشعبي العربي السعودي".
ومثلما وصلت الرسالة واضحة للعالم ، كان ينبغي أن تصل واضحة جلية للرأي العام السعودي ، ولكنها لم تصل. وقد بدا هذا جليا بالأمس عندما تدفق المتداولون في سوق الأسهم إلى البيع بالرخيص ، في تعبير واضح بفقدان ثقتهم بالغد القادم.
لماذا لم تصلهم الأخبار الطيبة؟
إن جملة الملك القصيرة تعني التالي ، أن الدولة ستنفق على جملة من مشاريع التنمية في طول المملكة وعرضها ، من عمران وبنية تحتية وإصلاح مؤسسات الدولة وتشجيع قطاع الأعمال والتعليم والتدريب بما قيمته 1500 مليار ريال سعودي خلال السنوات الخمس المقبلة ، أي 300 مليار ريال كل سنة ، ما يعني أننا قادرون على الاستمرار في مشروعنا التنموي هذا والذي سنستفيد منه على المدى البعيد ، وينساب منه على المدى القصير فرص عمل ، ومناقصات وإيرادات ودخول للمواطنين والقطاع الخاص ، حتى لو لم نبع برميل بترول واحدا خلال السنين الخمس القادمة.
ذلك أن لدينا فائضا نقديا قيمته تزيد على تريليوني ريال ، ننفق منه وحتى لو لم نستثمر تلك الأموال لتنمو ، سيبقى في يدنا نقد " كاش " سائل يزيد على 500 مليار ريال.
أخبار جيدة أليس كذلك؟ هناك المزيد ولكن لماذا لا يقتنع السوق؟
هل على مؤسساتنا المالية وقياداتنا الاقتصادية أن تكون أكثر شفافية وتفاعلاً مع الرأي العام والإعلام؟
سمعت من مسؤول اقتصادي كبير ما يلي :
إن الفوائد التي حققتها المملكة خلال العام الماضي من استثماراتها الخارجية تفوق في نسبتها ما حققه أشهر صندوق سيادي والذي طالما ما تغنى به كتاب الرأي الاقتصاديون وطالبوا المملكة بمثله وهو الصندوق النفطي النرويجي.
معلومة جميلة ، فلمَ لا يقف هذا المسؤول أمام التلفزيون السعودي ويضع خلفه شاشة يعرض عليها أرقامه الجميلة ، ويفصلها ويبسطها للمشاهد السعودي؟ لم لا يستعين بشركة علاقات عامة لإبلاغ المواطنين بهذه الرسائل الإيجابية؟
جمعت مؤخراً حقائق وأرقاما عن اقتصاد المملكة مثيرة للإعجاب ، ضمنتها تغطية صحفية لقمة واشنطن الاقتصادية كتبتها من هناك و أكررها هنا، مضيفا إليها حقائق وأرقاما أخرى "الناتج القومي الوطني للمملكة لهذا العام 2008 يتوقع أن يصل إلى ما بين 525 و 565 مليار دولار، ما يضعها ما بين المركز 16 إلى 18 في قائمة أضخم الاقتصادات العالمية، وعلى المستوى الإقليمي يمثل 47 % من ناتج دول مجلس التعاون، و 35 % من إجمالي كل الدول العربية و 25 % من إنتاج مجموعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تقريبا العالم العربي مضافاً إليه إيران وإسرائيل.
وبينما تسبق المملكة في الناتج القومي دولاً مثل بولندا وتركيا والمكسيك والبرازيل ( وهذا يشير إلى المساحة التي نخسرها بسبب ضعف التعليم لدينا والذي ينعكس سلبا على الإنتاج غير النفطي وتوظيف السعوديين ) فإن الدول المذكورة آنفا تعاني من عجز حقيقي في ميزان مدفوعاتها.وسوف تأتي في الغالب إلى صندوق النقد الدولي لتقترض بضعة مليارات، ولو حصل ذلك فسوف تكون المملكة والصين من الدول القليلة القادرة على إقراض البنك والذي سيقرض الدول الطالبة. كشف وزير المالية لاحقا أن المملكة لم توافق على زيادة احتياطيات البنك بإقراضه، إذ تعتقد أن ما لدى البنك حاليا كاف للدول الصناعية المحتاجة للمال، إلا أن القروض أو الإيداعات في البنك الدولي تعتبر مضمونة، وتحسب ضمن الملاءة المالية للدولة المودعة، كما أن للقرض عوائد، وقد جنت المملكة أرباحا ممتازة على قرض بقيمة 8 بلايين دولار قدم لصالح دول أمريكا اللاتينية قبل أعوام.
مجموعة أخرى من الدول في مجموعة العشرين، ناتجها القومي أفضل من المملكة مثل أستراليا وإسبانيا وإيطاليا، ولكنها تفتقد لاحتياطي من النقد الأجنبي، كالذي تمتلكه المملكة ، ففي الشهر الماضي تجاوزت المملكة رسميا، روسيا الفدرالية كمالكة أضخم احتياطي من النقد الأجنبي، إذ تجاوز رقم 546 بليون دولار، فلا يسبقها في ذلك غير الصين واليابان وألمانيا.
قلت يومها إن هذه الأرقام وغيرها يجب أن تكون موسيقى لسوق المال السعودي حسب تعبير الخبير المالي الذي تحدثت إليه "الوطن"، ولكن يزيد من عذوبتها تأكيد الملك عبدالله ووزير ماليته وعدد من المسؤولين الماليين أكثر من مرة على استمرار الإنفاق التنموي الحكومي، حسب قوله، التحدي الوحيد أمامنا هو " إتقان العمل، إصلاح التعليم والقضاء، معالجة البيروقراطية والفساد، حينها ستكون السعودية البلد الذي أراده الله لعباده " تحد كهذا ليس موضوع قمة واشنطن وإنما ما نفعله نحن السعوديين في بلادنا في ظل الفرصة التاريخية المتاحة.
ولمن لم تقنعه التريليونات السابقة ، إليكم أرقاما أفضل بعد ضم المملكة إلى سوقها الطبيعي، أي مجموعة مجلس التعاون لدول الخليج العربي فحينها سيعمل اقتصادنا في سوق حجمه 1.15 تريليون دولار من الناتج القومي الوطني ، ما يجعله الاقتصاد رقم 12 أو 13 في قائمة الكبار ، وبالتحديد يجعلنا فوق كوريا الجنوبية وأستراليا ، وليس بعيداً عن الهند ذات البليون نسمة و 1.23 تريليون دولار ناتج قومي.
إليكم أرقاما أفضل تخصنا كسعوديين فقط.
* المملكة اليوم صاحبة أكبر احتياطي نقد أجنبي معلن.
* المملكة رابع دولة تتمتع بفائض في تجارتها الخارجية.
* رابع دولة في حيازة فائض في حسابها الجاري.
* والرابعة أو الخامسة التي تقدم مساعدات خارجية لدول أخرى.
بعد كل هذه الأرقام التي تكاد أن تكون معزوفة جميلة في أذن المواطن وهو يصطبح أمس بسوق مال يتداعى فيفقد الثقة ويبيع بتراب الفلوس قائلاً " أطلع بالقليل أفضل من لا شيء " متأثراً بأخبار سيئة من أمريكا وآسيا ، مهملاً أخباراً جيدة من جدة والرياض.
فلم لا تصله الرسالة الإيجابية لتعيد له الثقة في اقتصاد بلده؟
سيقول قائل إن سوق المال يتأثر بالعامل النفسي ولا يعبر حقيقة عن قوة الاقتصاد الوطني وهي جملة مردودة، فالثقة بالاقتصاد الوطني هي جزء من قوته.
هل السبب أن الحكومة بحاجة إلى حملة علاقات عامة لإقناع المواطن بأن بلده بخير؟
أم إن السبب هو بطء البيروقراطية القديمة في التفاعل مع أفكار الإصلاح العظيمة التي ضخها الملك عبدالله بن عبدالعزيز , ما أفقد المواطن الثقة في الإصلاح كهدف؟
أين إصلاح التعليم الذي اعتمدت له بلايين الريالات؟ هل هي في الكمبيوترات المحمولة والسبورات الإلكترونية، أم في المناهج؟ أيهما الأهم الأوعية الحاملة أم المضمون؟ إذا كان الإصلاح الحقيقي في المناهج، فهذا لم نره بعد ، ولايزال الحرس القديم في وزارة التربية والتعليم يقاوم ويصر أن مناهجنا هي الأفضل.
وأين إصلاح القضاء؟ وقد مر أكثر من عام على إقرار نظامه الجديد ، وكل ما نراه هو اجتهادات فردية من رؤساء محاكم ، يعملون بصعوبة خارج السياق السائد.
أين نشر ثقافة العمل؟ أين مكافحة الفساد ونشر التسامح والانفتاح على العالم؟ كأن المليك يقف ينظر في ساعته مستغربا هذا التباطؤ من رجال وشباب ، يقف صابرا فاتحا باب الفرصة التاريخية التي لا تأتي مرتين، مستعجلا أبناءه وإخوانه ، بينما نضيع الوقت في جدل عقيم.
أسئلة كثيرة ، ولكن هل المشكلة في السوق فقط؟ قد نختلف في الإجابة والتحليل ، ولكن لابد أن نتفق جميعا أن ثمة مواطنا سعوديا فقد بالأمس ثقته في الغد فمن يعيدها له؟
|