رد: أراء الأقتصاديين
السعودية في مجلس إدارة الاقتصاد العالمي .. ما لها وما عليها من حقوق وواجبات (1 من 2)
د.محمد سالم سرور الصبان
فرضت الأزمة المالية العالمية والوضع الاقتصادي المتردي الذي يعيشه العالم، أن يتحول زمام قيادة الاقتصاد العالمي من مجموعة دول الثماني الصناعية (G – 8)، – المجموعة التقليدية التي تعودنا عليها – إلى مجموعة من الدول أكثر تمثيلاً واتساعًا منها وهي مجموعة الـ 20 التي نفتخر جميعا بعضوية السعودية فيها إلى جانب عديد من الدول النامية الصاعدة مثل الهند, الصين, البرازيل, إندونيسيا, تركيا, وغيرها.
وبالرغم من أن مجموعة الـ 20 تكونت منذ عام 1999، فقد كان هناك إصرار على إضفاء الطابع الغني لها يتمثل في تبادل المعلومات بين وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية لدولها الأعضاء من خلال اجتماعات دورية دون المبادرة إلى عقد اجتماعات على مستوى القادة رغم المطالبات المتكررة. الأمر الذي أبقاها في الظل طيلة السنوات التسع التي مضت على إنشائها.
قمة العشرين ودورها القيادي
المتتبع للأزمة المالية العالمية التي انفرط عقدها منذ أيلول (سبتمبر) الماضي 2008م لتشمل بدرجات متفاوتة جميع دول العالم دون استثناء، يجد أن مجموعة الـ 20 تجتمع على مستوى قادة دولها كان البديل الوحيد لإنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال الجهد الجماعي المشترك. وأصبحنا نقرأ ونسمع تحفظ العديد من المسؤولين الدوليين على جدوى استمرار مجموعة الثماني في إدارة دفة الاقتصاد العالمي، ومثلت صراحة رئيس البنك الدولي روبرت زوليك، بعدم فاعلية مجموعة الثماني القائمة وأنه لا بد من توسيع المجموعة لتشمل دولاً تعكس التمثيل الدولي المطلوب، دهشة اتسع صداها وقتها، وحركت المطالبات بتفعيل مجموعة الـ 20 لتصبح هي ميزان القوى العالمي الجديد، لتعلن بذلك انتهاء عقود من سيطرة مجموعة الدول الصناعية الثماني وبالتحديد سيطرة الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي.
أما الرئيس البرازيلي فقد كان أكثر صراحةً أثناء مشاركته في قمة الـ 20 التي عقدت في واشنطن منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي 2008، التي ذكر فيها أنه لا يجب بعد الآن الحديث إلا عن مجموعة الـ 20 لأن مجموعة الثماني لم تعد عمليا قائمة على الساحة الدولية، ولن يكون لها دور عالمي حتى وإن بقيت هياكلها واجتماعاتها لفترة مقبلة بغرض التنسيق فيما بين دولها الأعضاء.
جميع هذه التطورات عكست بداية لعصر جديد من العولمة الاقتصادية يعطي دورًا أكبر لمجموعة من الدول النامية الصاعدة اقتصاديا في إدارة دفة الاقتصاد العالمي، ويساعد بالتالي على تدعيم فعالية القرارات والسياسات التي يتم تبنيها ويسهم في تحقيق مزيد من التنسيق بين اقتصادات الدول الأعضاء في مجموعة الـ 20 في مواجهة الأزمات الاقتصادية العالمية حاضرًا ومستقبلاً، بل التحضير مبكرا لمواجهة أو منع ما قد يتكرر منها في الفترة المقبلة.
هل كانت قمة الـ 20 "قمة الفرصة الضائعة"؟
ولئن سيطر التشاؤم على بعض التحليلات التي ظهرت بعد صدور البيان الختامي لقمة الـ 20 التي اجتمعت في واشنطن أخيرا 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، ووصف البعض لها بأنها كانت "قمة الفرص الضائعة"، فإن هذا لا يقلل من شأنها بل يدلل على التوقعات والأماني الكبيرة التي كانت معلقة عليها، في ظل الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها لاتخاذ خطوات أكثر فعالية.
إلا أنه يمكن تلخيص الأسباب التي أدت إلى اتخاذ القمة قرارات عمومية غير محددة لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية من خلال النقاط التالية:
1 ـ إن تداعيات الأزمة المالية العالمية مستمرة وليس هناك إدراك دولي شامل لما يمكن أن تحمله من المزيد من المفاجآت، ولا يمكن الاستغراب من التصريحات المتتابعة لمسؤولي المؤسسات المالية الدولية من أن الأزمة قد تكون في بداياتها، وأن عدد الضحايا من المؤسسات الدولية بل من الدول سيتزايد خلال الأشهر المقبلة. كما أن "ظلام" الكساد الاقتصادي الناتج عن الأزمة المالية العالمية، قد بدأ يزحف إلى سماء جميع العالم وقد يطول بقاء شتائه.
2 ـ شارك العديد من الدول الصناعية في تحديد هدف القمة بصورة واضحة المتمثل في العمل على إصلاح الخلل الذي مس النظام الرأسمالي وليس إحداث ثورة وانقلاب على الرأسمالية التي تتمسك بها وتدافع عنها بحجة أن لا بديل لها للاقتصاد العالمي. وبالتالي فإن مصير أي مقترحات تقضي في النهاية على الرأسمالية القائمة قوبلت بالرفض حتى ولو ظهرت أنها وسيلة لإنقاذ الاقتصاد العالمي.
3 ـ إن الفترة الزمنية منذ بداية الأزمة المالية العالمية وانعقاد قمة الـ 20 واجتماعاتها التمهيدية كانت قصيرة نسبيًّا، يصعب خلالها بلورة عديد من التفاصيل الخاصة بها خاصة في ظل تعدد الموضوعات المطروحة للنقاش، وحتى لو توافرت هذه التفاصيل فإنه قد يصعب حصول إجماع أو توافق حولها من قبل دول مجموعة الـ 20. فنرى على سبيل المثال أن العديد من مقترحات الاتحاد الأوروبي التفصيلية الرامية إلى تدخل الحكومات بشكل كبير في الأسواق لم يكتب لها الإدراج في قرارات القمة. كما أن ديباجة بيان قمة الـ 20 التي ركزت على مبادئ حرية الأسواق إرضاءً لبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة (على وجه الخصوص)، لم تمنع الدخول في بعض القرارات التي مست جوهر التدخل المطلوب من قبل الحكومات في الأسواق بما في ذلك الدعوة إلى إيجاد القواعد التنظيمية لمزيد من تحكم الحكومات في الأسواق، ودور رقابي أكبر لصندوق النقد الدولي والتنسيق فيما بين دول الـ 20 بالنسبة للسياسات الاقتصادية المتبعة لمواجهة الأزمة القائمة. إلا أن قرارات القمة لم تتبن المقترح الأوروبي الداعي إلى إنشاء هيئة دولية تقوم بمراقبة الأسواق والاستثمارات، وتكون بمثابة هيئة للإنذار المبكر لأية مشكلات مالية مقبلة. كما أن عبارة "العمل بانفراد" Act Individually تكررت في البيان الختامي لتعكس معارضة دول الـ 20 لأي تدخل دولي في الشؤون الداخلية للدول، الأمر الذي حد من الجرأة المتوقعة لقرارات القمة.
4 ـ إن المرحلة الحالية هي مرحلة انتقال السلطة في الولايات المتحدة، وبالتالي فقدرة الإدارة الحالية على الموافقة على سلسلة من الإجراءات والقرارات الملزمة أدبيا في إطار قمة الـ 20 تمثل صعوبة لا يمكن الاستهانة بها، وفرضت قيدًا على إدارة الرئيس بوش في قبول ما هو أكثر من العموميات في بيان القمة, خاصة أن الرئيس المنتخب باراك أوباما لم يرغب في المشاركة في القمة من منطلقات قانونية وأدبية.
لذا فإن الدعوة إلى اجتماع قادم لقادة دول الـ 20 في نيسان (أبريل) المقبل 2009 عكس تفاؤلا دوليا باستمرارية هذه المجموعة في البحث وتطبيق الحلول المناسبة، كما توفر القمة المقبلة الفرصة لمعرفة تأثير الإجراءات المتخذة من قبل عديد من الحكومات في مواجهة الأزمة الحالية، ومدى الحاجة إلى مزيد من الجهد الجماعي المشترك. كما أن الاجتماع في نيسان (أبريل) المقبل يوفر مساحة زمنية كافية لإدارة الرئيس الأمريكي الجديد أوباما في إحاطة نفسها بكل دقائق الأمور المتعلقة بالأزمة وما يمكن تبنيه على المستوى المحلي أو على مستوى قمة الـ 20 حين انعقادها في ذلك الوقت.
|