رد: أراء الأقتصاديين
تضخم ولكن من نوع آخر
د.عبد العزيز النخيلان
يتحدث الناس في كل أنحاء العالم عن التضخم الاقتصادي الذي يحل ضيفاً ثقيلاً، مُلقياً بأعبائه على كل الطبقات دون هوادة، ويزداد قسوة على الفقراء أكثر من غيرهم، ليجعل الجوع هماً يومياً يلوي بطونهم... كل ذلك بتسارع شديد، تُقابله حلولٌ بطيئة، جعلت من التجار وحوشاً شرسةً تلتهم الفقراء.
ويطلع علينا مع كل صباح اقتصاديون يحاولون تحليل أسباب هذا التضخم والغلاء، ويعزون الأسباب إلى نقص الموارد الغذائية، وغلاء أسعار البترول، إضافة إلى أسباب أخرى كثيرة، يقولون فيها إن ثلث سكان الهند والصين زادوا وجباتهم اليومية من وجبه واحدة في اليوم إلى وجبتين، وأن هذه الوجبة الإضافية كفيلة برفع أسعار الغذاء في العالم وتفاقم المشكلة.. وهكذا يستمر المحللون في التفسير والتكهن بينما تظل الحقيقة قائمة، ومضاعفاتها واضحة دون أن يغير ذلك من الأمر شيء .. معاناة تتلوها أخرى.. فإن كان الناس يقولون إن (الفلوس تروح وتجي) إلا أن حركتها هذه يصاحبها (خراب بيوت).
لكن في اعتقادي أن حياتنا متخمة بتضخمات عدة من نوع آخر تجعل معاناة التضخم الاقتصادي طرفا واحدا في معادلة عديدة الأطراف... تضخمات تشكل أُسساً في حياتنا اليومية ومع أعز الناس وأقربهم إلى القلب... فنحن نعاني تضخماً كبيراً جداً في قيمنا الأخلاقية وتعاملاتنا مع بعضنا البعض... أصبح كل منا كائناً شرساً يبحث عن المشكلات ولا يكاد يطيق نفسه دون أن يخلق المشكلة ولو مع ظله إن لم يجد من يصطدم به لصنع المشكلة حتى وصل الحال تعمد إيذاء الآخرين لمجرد الإيذاء.
لم يعد للمعروف وقعاً، ولا لحسن الخلق والتعامل الحسن مكاناً... كل يريد الإساءة للآخر، ولا يتسع صدر أحدنا لأخيه... لا في العمل، ولا في الشارع، أو السوق ولا حتى في الأفراح أو الأحزان.
تستطيع أن تتوقع أن يخطئ عليك أحدٌ في أي وقت ومكان دون أي سبب أو بسبب قد يكون واهياً لا يستدعي الغضب، ولا يهم بأي حال أنت عليها... فحتى لو كنت تؤدي عملك بكل أمانة، أو تسير بسيارتك بنظام وأمان، أو تنتظر دورك في طابور انتظار... ستجد من يتعدى عليك بلا سبب، ودون أن تتاح لك حتى فرصة السؤال لماذا يفعل ذلك؟
لقد تضخمت علاقاتنا بعضنا البعض لدرجة أن منا من يعيش وحيداً دون أصدقاء، وحتى في عمله لا زملاء، فلا علاقات حميمة تربطه بأحد، ولا شيء يشفع لزملائه أن يحترمهم... حتى وصل حال البعض إلى قطيعة الرحم مع أقرب الناس إليه، وحتى والديه وإخوته وأخواته.
تضخمت علاقاتنا في بيوتنا... لا الزوج يطيق كلام زوجته، ولا الزوجة تريد أن تستمع لزوجها.. لا أب يريد أن يعلم ما يدور في بيته، وما هي مشكلات أبنائه وبناته، فالبيت خُصص للنوم والأكل والشرب... أما الابتسامة فللذي في الخارج، ولرفيق السفر، ولخدن الاستراحة، ويبقى الوجه العبوس للذين هم أهل البيت.
هكذا تضخم كل شيء... لا أحد يطيق أحداً... ولا بيت يتسع لأهله... صرنا آلات تسير في دروب الحياة بلا هدف أو معنى... صرنا جماداً بلا طعم ولا رائحة... لم نعد بشراً تربط بيننا أواصر حميمة تعطي لهذه الحياة القاسية المتضخمة معنىً... وهكذا تحدد نشاطنا في زيادة كآبة التضخم الاقتصادي - الذي ليس بأيدينا تغييره- بزيادة تضخم أنفسنا.
اللهم لا حول ولا قوة إلا بك.
وقفة
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده" رواه الشيخان، وابن حبان، والترمذي، والنسائي، وأحمد، وأبو داود.
|