رد: الأخبار الإقتصادية ليوم الاثنين3 ذو االحجةـ 1429 هـ الموافق1/12/ 2008
ثقة «عالية» في الاقتصاد السعودي و«الهلع» الإعلامي ضخّم «الأزمة»
الحياة اللندنية الاثنين 1 ديسمبر 2008 7:44 ص
قراءة في حديث الملك عبدالله بن عبدالعزيز
برزت السعودية لاعباً رئيسياً ومؤثراً في الاقتصاد العالمي في كثير من الأزمات المالية التي شهدها العالم، وفي أزمة الائتمان المالي الأخيرة التي حدثت في الولايات المتحدة الأميركية وما تبعها من آثار على أسواق المال وانهيارات لكبرى المصارف العالمية، وتحركات عدة لزعماء الدول الأميركية والاوروبية، كانت السعودية الشاطئ الآمن للكثير من الدول في سبيل الخروج من الأزمة او معالجتها.
وليس هذا الكلام آت من فراغ، بل بشهادة الكثير من الدول المتقدمة التي سارعت الى المطالبة بأن تلعب السعودية دوراً مهماً لطمأنة الاقتصاد العالمي، وربما الدليل الأبرز للدور السعودي وبالتحديد لجهود خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز دعوته إلى المشاركة في قمة العشرين الأخيرة في الولايات المتحدة الاميركية، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تشارك في هذه القمة.
وشخّص خادم الحرمين من خلال القمة المشكلة وأيضاً الحل الناجع لها، حينما أكد ان الأزمة كشفت عن أن العولمة غير المنضبطة والخلل في الرقابة على القطاعات المالية أسهما في الانتشار العالمي السريع لها، وان من اهم الدروس التي أتت بها هو انه لا يمكن للأسواق تنظيم نفسها، ولذلك فإن الحاجة ماسة وملحة لتطوير الجهات والأنظمة الرقابية على القطاعات المالية، وتعزيز دور صندوق النقد الدولي في الرقابة على هذه القطاعات في الدول المتقدمة.
وأكد أيضاً: «أن هذه الأزمة طاولت العالم بأسره، وبدأت تداعياتها تظهر في الاقتصاد الحقيقي، ما يعني عمق آثارها وخطورتها على الاقتصاد العالمي، واستمرار هذه الآثار، ما لم تعمل جميع الدول كل بحسب ظروفه وحاجاته لاتخاذ السياسات الضرورية والمناسبة». ودعا الى مواصلة جهود تحرير التجارة والاستثمار، التي أدت خلال العقود الماضية إلى تحسين مستويات المعيشة العالمية وانتشال الملايين من الفقر.
كان هذا على الصعيد الخارجي بالنسبة لمكانة الاقتصاد السعودي، اما داخلياً، فقد كان ولا يزال الاقتصاد السعودي مغرياً بالنسبة إلى المستثمرين وباحثي الفرص التجارية، وفي حواره مع صحيفة «السياسة» الكويتية، الذي نشر (السبت) الماضي، جاءت كلمات الملك جميعها تأكيداً لما سبق، وأيضاً دعماً لمكانة الاقتصاد المحلي، وكيف هي صورته في ظل الأزمات المالية التي تعيشها الدول خصوصاً المتقدمة.
الملك عبدالله بن عبدالعزيز ركز في حواره، الذي اعتبره انه حوار اقتصادي شامل، وأيضاً إعادة زرع الثقة بالمواطنين وفي رجال الأعمال والمستثمرين، فهو حينما يقول: «إن اقتصاد المملكة العربية السعودية بألف خير، وأن الأموال السعودية السيادية في مأمن من الأزمة الاقتصادية العالمية»، فهذا يعني الرهونات العقارية وانهيارات البنوك في الخارج والتي تأثرت بسببها وأفلست ما يقارب سبعة مصارف أميركية منها بنك ليمان براذر وميريل لينش وغيرهما، اضافة الى الشركات الكبرى، لم تكن فيها ودائع سعودية خصوصاً محافظ حكومية، وهذا يعني انها في مأمن من هذه الانهيارات، وبالتالي عدم تأثرها داخلياً.
وحديث الملك عبدالله ربما يكون مختلفاً عن أي رئيس دولة، فالكثير من زعماء العالم صبو الزيت على النار حينما أفزعوا العالم بالأزمة المالية وربما يكونوا محقين، الا ان حوار الملك عبدالله كان مطمئناً الى حد بعيد، خصوصاً انه كان موجهاً الى الداخل، ولهذا ركز على ان «اقتصاد المملكة متين وقوي، وأن خطة السنوات الخمس الإنمائية ستسير وفق ما خطط لها».
والملاحظ للاقتصاد السعودي يرى انه في السنوات الثلاث الأخيرة وجه كل مقوماته واستثماراته من اجل خطط التنمية وبناء قاعدة اقتصادية، وجاء الاعلان عن المدن الاقتصادية بمثابة اعلان «شد المآزر» من أجل البناء، وهذه تحتاج الى سيولة كبيرة وضخ أموال من شأنها ان تدفع بسوق العمل نحو الأفضل، فالمدن الاقتصادية وحدها ستستوعب ما يقارب مليوني فرصة عمل، إضافة الى مشاريع اسكانية وسياحية، ربما يستغرق الوقت لانجاز هذه المشاريع نحو ما يقارب سبع سنوات حتى ترى النور ونجني ثمارها، وحديث الملك عن ان الاقتصاد متين وقوي، يؤكد ان هذه المشاريع التنموية التي تشهدها المدن السعودية لن تتوقف عن العمل خلال السنوات المقبلة، وان ما اعتمد لها من موازنات بالتأكيد سينجزها من دون اية عوائق.
ولعل قرار مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير بخفص رسوم الضرائب للمستثمرين في بعض المناطق إلى 50 في المئة بالنسبة لفرص عمل وتدريب السعوديين فهذه واحدة من المغريات التي يجب ان تلتفت اليها الشركات الكبرى، ويقول الملك: «خطة السنوات الخمس الإنمائية ستسير وفق ما خطط لها، والإنفاق عليها هو رقم معلن ربما وصل أكثر من 200 بليون دولار، هذا بخلاف ما تمّ رصده للموازنات المقبلة بكل ما فيها من مشاريع إنشائية وعمرانية وبنية تحتية».
وأضاف: «اقتصاد بلدنا متين وقوي، وعلى شعبنا أن يكون مطمئناً ومدركاً لذلك، فلن ينال هذا الشعب أية خسارة، إنه فقط ضحية ذعر لا مبرر له».
وفي حديث الملك عبدالله لصحيفة «السياسة» مضامين يمكن ان يراها المراقبون انها رسائل اقتصادية الى العالم وأيضاً الى المتعاملين مع الاقتصاد السعودي ومنحه الثقة والأمان، وبالدرجة الأولى إلى رجل الأعمال السعودي من اجل تحفيزه وتشجيعه، وألا تغريه الاستثمارات الخارجية، وهنا يقول الملك: «خبراء المال وزعماء الدول المتضررة يتوقعون أن تنتهي الأزمة خلال سنة ونصف السنة. واطمأن الشعب السعودي على مدخراته واستثماراته».
في أكثر من مناسبة منذ الأزمة المالية العالمية لفت الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى أن ما يحدث هو مؤامرة ضد الاقتصاد السعودي من أجل أن ينهار، وخلال لقائه قبل أكثر من شهر مع رؤساء تحرير الصحف السعودية كان تركيزه على ضرورة أن تراعي وسائل الإعلام السعودية عدم تضخيم الأمور، ما ينعكس سلباً على المواطن السعودي، وهنا يؤكد الملك من خلال حواره «أن القلق الذي أصاب الناس مرده إلى الضخ الإعلامي من بعض وسائل الإعلام الدولية المرئية والمسموعة»، وقال إنها «خَلَقَتْ جواً مخيفاً»، وأن «الناس أمام هذا الزخم الإعلامي لا تعرف من تصدق... نحن نُطمئن الناس وفق حقائق نعرفها ونلمسها».
وحمّل الملك عبدالله بن عبدالعزيز بعض وسائل الإعلام مسؤولية الهلع الذي أصاب الناس، وقال: «قد خلقت توتراً وخوفاً، فرأس المال جبان، والناس أمام هذا الضخ الإخباري الإعلامي المرئي والمسموع عن هذه الأزمة وامتدادها ورحيلها من بلد إلى آخر أصابها القلق».
وحينما يقول الملك السعودي - وبلاده تعتبر أكبر دولة في العالم من حيث إنتاج النفط وتغطي منتجاتها الأسواق العالمية - إن بلاده وأموال الدولة لم تتضرر، وان عوائد النفط السعودي في مأمن، فهو يعني أن استقرار أسعار النفط مهم جداً من اجل التنمية الاقتصادية، وكذلك طمأنة المستهلكين وأيضاً المضاربين في الأسواق العالمية، إلى عدم التلاعب بالأسعار ورفعها، وعلى رغم التراجع الذي يحدث في أسعار النفط حتى بلغ سعره حالياً 53 دولاراً، يتوقع المراقبون أن تعود الأسعار إلى طبيعتها، وهو ما أكده الملك في حواره أن سعر 75 دولاراً ربما يكون معقولاً، «كدولة وأموال دولة لم نتضرر، ففوائض نفطنا في مأمن، ولم تتعرض إلى أية إشكالات في الأسواق العالمية، كما أن القطاع الخاص لديه القدرة على أن يحمي أمواله واستثماراته».
وحينما دب الفزع في أسواق النفط العالمية قبل عامين عندما ارتفعت أسعارها بشكل ملحوظ كان البعض يرى أن دول النفط في الخليج وتحديداً السعودية ستستفيد بشكل كبير، وزعم البعض أن موازنات هذه الدول ستشهد تضخماً، حينها سارعت السعودية وبإشراف مباشر من الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى اجتماع للطاقة، حينما أكد الملك ضرورة أن تُخفّض الأسعار إلى معدلات معقولة من شأنها أن تدعم اقتصادات الدول النامية ودول العالم الثالث، وقتها أيضاً اتخذ الملك عبدالله مبادرة فريدة وهي الإعلان عن صندوق لدعم النفط للدول النامية.
والآن حينما بدأت أسعار النفط بالتراجع، خرجت إشاعات تفيد بأن الاقتصاد السعودي قد يتأثر وعوائده قد تنخفض، إلا أن الملك في حواره مع صحيفة «السياسة» أزال هذه الشكوك بقوله: «نعم هذا الأمر يؤثر، ونحن نرى أن السعر العادل للنفط هو 75 دولاراً للبرميل، فالأسعار العالمية السابقة للنفط لم تكن موازناتنا مقومة عليها، بل محددة على سعر آخر أقل، وما زاد نعتبره فوائض للاحتياطات والأموال السيادية».
وأضاف: «النفط مادة مهمة وهو عصب الصناعة الدولية الذي لا بديل عنه للطاقة حتى الآن، وسيظل هو المصدر الرئيسي والكبير لموازنات دول المنطقة التي تملك ثلث احتياط العالم».
أما الشيء اللافت في الحوار وهو إفصاح الملك عبدالله بن عبدالعزيز عن الإشاعات التي تم ترويجها خلال قمة العشرين, وهو أن المصارف الأميركية والأوروبية بعد أن خسرت مصارفها، تريد الآن قروضاً من الخليجيين من اجل إنعاش اقتصادهم، ودعم هذا القول زيارة رئيس صندوق النقد الدولي إلى السعودية والخليج وكذلك رئيس وزراء بريطانيا غولدن براون الذي أكد أن السعوديين سيساهمون وكذلك دول أخرى لدعم صندوق النقد الدولي، وهناك إشاعات أن الولايات المتحدة طلبت 120 بليون دولار لمساعدتها على تجاوز أزمتها المالية: «لم ولن يحدث، فأميركا ودول الغرب وحتى دول الشرق المتأثرة بما حدث من أزمة مالية لديها اقتصادات عملاقة ولن تكون بحاجة إلينا». وزاد: «لقد سمعت بهذا الخبر، لكنه عارٍ عن الصحة تماماً، هذه الدول لها تبادلات اقتصادية، أرقامها ليست بالبلايين بل بالتريليونات، واقتصاداتها عملاقة وغير محتاجة إلى دول المنطقة».
وربما لا يجرؤ رئيس أو حاكم دولة على أن يتحدث عن اقتصاد بلاده بهذه القوة والثقة، ما لم يكن على دراية وعلم وأيضاً بما يجري في العالم، وبخاصة أن الحديث في الاقتصاد لا يخفى على أحد، إلا أن ثقة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في خطوات حكومته تجاه الاقتصاد المحلي عالية جداً، وهذا ما دعاه لأن يقول لرئيس تحرير صحيفة «السياسة» حينما سأله عن الاقتصاد المحلي ووضعه عالمياً: «إنها بألف خير والحمد لله... انقلها عني وأسمعها للقاصي والداني: ليس لدينا إلا الخير بل الخير كله بفضل الله وكرمه... قليل من الذعر سينهيه قليل من الوقت».
في العموم اشتمل حوار خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على نقاط إيجابية مهمة، وأيضاً توقيتها من حيث موعد الحوار كان مهماً، إذ جاء بعد أزمات وأحداث اقتصادية عدة، وما جاء في حديث الملك، لا يحتاج إلى تفسير أو تحليل بل إلى فهم المعنى والمقصود.
|