رد: اقوال في الحج
فتاوى التيسير في الحج إلى أين ؟
سلطان الحمزي، ياسر باعامر - جدة
قبل دخول موسم الحج كل عام تدخل الساحة الفقهية السعودية في جدل فقهي حول بعض المسائل التي كان نقاشها شبه محظور.
ضيق المكان وزحام الحجاج الذي يزيد كل عام، وغيرها من العوامل المستجدة والتي أدت في بعض السنوات إلى حوادث دهس .. تفرض نوعا من الأسئلة مثل: هل ستلتزم المؤسسات الرسمية كاللجنة الدائمة للإفتاء، وهيئة كبار العلماء ، ووزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ووزارة الحج، بما يقوم به بعض العلماء المجتهدين من مراجعة لأحكام الحج والوصول فيها إلى مسارات فقهية تيسيرية عبر الأبحاث والدراسات، أم أن الأمر لا يعدو كونه نوعا من أنواع المجاملات الفقهية السنوية؟
الدكتور محمد النجيمي - رئيس قسم الدراسات المدنية بكلية الملك فهد الأمنية وأستاذ الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالرياض – أوضح أن فقهاء المملكة يسعون إلى التيسير المنضبط بضوابط الشرع، وشريعتنا في الأساس شريعة تيسير ، وفقهاؤنا يسيرون في إطار هذا المبدأ، وليس التيسير هو الانتقاء أو التخير من الأحكام البسيطة من المذاهب، وكما قيل إن من تتبع الرخص تزندق.
ودلل النجيمي على ذلك بأن سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز وفضيلة الشيخ ابن عثيمين - رحمهما الله - منذ أكثر من 30 سنة وهما يريان جواز الرمي في الليل، وأصدرت في ذلك فتاوى، وموجود لدينا في المذهب الحنبلي أن من أراد أن ينفر في اليوم الثاني عشر وكان لديه ارتباط سفر جاز له أن يرمي قبل الزوال، وهذا يفتي به سماحة مفتي المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ، هذا من التيسير العظيم الذي يقول به فقهاؤنا، ولكن في إطار الضوابط الشرعية، وشدد على أنه يجب عدم مخالفة رأي المجامع الفقهية والمؤسسات الدينية الرسمية بحجة الاعتبارات والاجتهادات الفقهية، خاصة في مجال تيسيرات الحج وما شابهه، فيجب الالتزام برأي تلك المؤسسات المعنية حتى لا يحصل هناك اضطراب عند الرأي العام إذا خالفنا آراء كبار العلماء، مضيفا: رأي المجمع الفقهي في دورته السابعة عشرة الذي عقد في الأردن واضح في ذلك، حيث أوجب أن يمنع المفتون الذين يخالفون فتاوى المجامع الفقهية والمؤسسات الشرعية الرسمية.
من جانبه رفض الدكتور خالد القاسم - أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض - القول إن دعوة فقهاء السعودية للتيسير تأتي من باب المجاملات الفقهية قائلا: إذا نظرنا إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الحج لوجدنا أنه يغلب عليه التيسير، وهناك قواعد فقهية معتبرة مثل: إذا ضاق الأمر اتسع، والمشقة تجلب التيسير . مؤكدا بأنه ينبغي على الفقهاء إذا لم يوجد هناك نص قطعي واضح في موقف ما من الحج، أن يعملوا عليه أداة التيسير قدر الإمكان.
ويؤكد القاسم أن الإسلام ليس حكرا على مؤسسة شرعية رسمية فقط، فهناك مدارس فقهية ومذاهب متعددة، وهناك علماء كثر معتبرون من خارج المؤسسة الدينية الرسمية، وذهب القاسم إلى أن المؤسسات الرسمية المعنية أخذت بالاجتهادات الفقهية الداعية للتيسير، كالرمي قبل الزوال مثلا، وأجازت ذلك.
وحذر القاسم من مغبة أن تكون دعوات التيسير وسيلة للضغط على المؤسسات الرسمية الدينية كهيئة كبار العلماء أو اللجنة الدائمة للإفتاء، فهذه المؤسسات لها اجتهاداتها وقناعاتها وفقهها وهي تلزم من يقتنع بها، فليس المطلوب منها الموافقة على كل دعوات التيسير، خاصة أنها تطورت ولم تعد عائقا، بل دخلها علماء جدد جددوا لها شبابها.
المرجعية لعلماء البلد
الدكتور عبد الرحمن بن أحمد المدخلي - عضو الجمعية السعودية للسنة وعلومها والأكاديمي بجامعة جازان – قال : إن كثيرا من الحجاج يرون المرجعية في فقه أحكام الحج تعود لعلماء السعودية، غير أنه ينبغي مراعاة أمر مهم حتى تكون التيسيرات التي ينادي بها الفقهاء مجدية، وهو ربطها بالدليل الواضح ونشرها بين الناس بكل الوسائل الممكنة.
وأما عن تجاوب المؤسسات الرسمية مع هذه الاجتهادات الفقهية في تيسير الحج فيقول الدكتور المدخلي : الملاحظ أن بعض المؤسسات الرسمية تلتزم بهذه التيسيرات كوزارة الحج ومؤسسات الطوافة، والشاهد على ذلك في الرمي قبل الزوال العام الماضي.
ويضيف: أما بالنسبة لوزارة الشئون الإسلامية فلم تعلن موقفا رسميا، وإنما تركت أمر فتاوى التيسير للعلماء والدعاة المشاركين في توعية الحجاج، على الرغم من أن وزير الشئون الإسلامية يدعو دائما إلى التيسير على الناس والأخذ بالأيسر وعدم التشديد.
دراسات فقهية
من المعلوم أنه في السنوات الأخيرة بدأت تظهر دراسات فقهية لعلماء سعوديين يدعون إلى مبدأ المراجعات في أحكام الحج، بالاعتماد على ضيق المكان وزحام الناس، ومن تلك الدراسات التي أعدها الدكتور عبد الرحمن الجرعي الأستاذ المشارك بكلية الشريعة جامعة الملك خالد، وهي بعنوان «أثر الزحام على الترخص في المبيت بمنى أيام التشريق». وقد خلص الجرعي إلى عدة نقاط أهمها عدم الإلزام بالدم لمن ترك المبيت عامدا، وهو بذلك يخالف جمهور الفقهاء، ومن النتائج الأخرى التي وصل إليها الباحث أيضا:
- أن الخلاف قوي في حكم المبيت بمنى ليالي التشريق بين القائلين بالسنية والقائلين بالوجوب، وترجح للباحث القول بالوجوب.
- أن مقدار المبيت الواجب هو أكثر الليل، أي نصف الليل فأكثر لمن كان غير معذور، أما المعذور لزحام ونحوه فيأتي بما يستطيع.
- من لم يجد مكانا في منى فله أن ينزل حيث شاء.
– أن الزحام يعد عذرا معتبرا لمن لم يقدر بسببه على المبيت في منى، ومن صور ذلك ما يلي:
* من فاته المبيت بسبب ازدحام الطرق.
* من لم يجد مكانا يليق به للمبيت في منى.
* من لم يجد مكانا في حملة حج خارج منى إما لارتفاع سعرها بما لا يقدر عليه أو بسبب نفاد وجود الأماكن في الحملات داخل منى.
|