رد: اقتصاديات صحيفة المدينة الجمعة 7/12
الجمعة, 5 ديسمبر 2008
تركي سليهم - جدة
تبدو قصص السعوديين مع البنوك .. وكأنها حكايات درامية حزينة يتقطع لها الفؤاد شفقة وحزنا .. فقد يصعقك احد الموظفين حينما يقول بأنه يضطر للاستدانة كل شهر لتغطية العجز في راتبه .. وبالتالي تتزايد عليه الديون شهريا الى جانب القرض .. فيتحول الى كتلة من العجز مهددة في اي لحظة بدخول السجن .. وقد يفاجئك اخر اذا قال انه انضم الى قائمة الفقراء وفق تعريفها الجديد الذي يقول ان الفقير هو الذي تتعدى مصاريفه دخله الشهري .. في حين قد يتحول اخرون الى التسول والسرقة وربما الانتحار.
فمشاكل المواطنين مع البنوك المحلية متنوعة وخاصة في مجال الاقتراض .. حيث تسببت الضوائق المالية المستمرة في تحويل الشعب السعودي الى عاشق للقروض .. مما دعا البنوك الى ان تكون عاشقة هي الاخرى للتفنن في قصقصة رواتب البسطاء بداية الشهر ونهايته وحتى اوسطه .. وفي حين يتحمل المقترض مسؤولية التهرب او التاخير في السداد احيانا .. تستغل البنوك اي حالة تأخير او خطأ بسيط لتحويل المرتب الشهري الى ما يشبه الاصفار.
فالمواطن عليان محمد شعبين جاء الى المدينة يحمل ملفا كاملا لقضيته مع احد البنوك (تحتفظ المدينة بكافة اسماء البنوك وارقام الحسابات واسماء المتضررين) .. اذ يقول عليان وهو الوحيد الذي تحدث باسمه الصريح ان القرض الذي استخرجه من هذا البنك حول حياته الى جحيم .. وشوه معالم راتبه واضطره للاستدانة من الناس نهاية كل شهر سواء عندما كان على رأس عمله بالخطوط السعودية او عندما تقاعد .. وعندما حصل على مبلغ بسيط من تقاعده سارع الى البنك ليسدد ذلك القرض الذي دهور حياته كما يقول .. وبالفعل سدده واعتقد انه ارتاح الى الابد ليقضي حياته مع اسرته الصغيرة على الراتب التقاعدي .. الا ان الكارثة ان البنك اخذ مبلغ التقاعد ولكن لم يسقط القرض وظل يشوه في راتبه كل شهر .. واستمرت طاحونة الديون تأكل في امواله حتى تضخمت واصبحت ككرة الثلج .. ورغم تقدمه في السن الا انه كما يقول افنى عمره في مطاردة قضيته ومن مسؤول الى اخر ومن ادارة الى اخرى لا تزال القضية معلقة حتى اشعار اخر .. مما جعله يطالب المسؤولين وفاعلي الخير وكل من له قدرة ان يساعده على انهاء مشكلته حتى لا يتحول الى متسول.
وفي قضية مشابهة .. لم نصدق في البداية المواطن منصور ح. حينما قال انه استقال من عمله في احدى شركات السيارات بسبب قرض بنكي اصبح يأكل كل راتبه شهريا .. وجعله يعمل دون مقابل كون راتبه يحول الى البنك .. مما جعله يهرب من العمل ليمارس اي عمل اخر سواء تحميل الركاب على سيارته الخاصة او بيع اي شيء يقع تحت يده .. لدرجة انه باع اغلب اثاث منزله .. وقال ان حياته الحالية اكثر استقرارا من ايام حياته في الوظيفة .. وعن القرض قال انه لن يتهاون في سداده لانه في ذمته ولكن عندما تصلح الامور واجد وظيفة اعلى او عمل حر محترم .. صحيح انهم سيضعوني في القائمة السوداء ولكن هذه القائمة افضل من ان انضم الى قائمة المتسولين او اللصوص او اي قائمة اخرى.
وقال انه تقدم الى مسؤولين كبار في الدولة وعرض عليهم مشكلته في خطابات ولكن لم يستجب احد .. ولا يدري هل تصل الى المسؤولين ام لا .. فالاسئلة كثيرة ومتنوعة .. وما يحزنني انني رفضت عرضا من صديق للعمل في دولة مجاورة بالخليج براتب مغر .. وفضلت البقاء في بلدي على ان اعيش غريبا .. حيث يعيش صاحبي الخليجي في رخاء كبير ويسكن فيلا فخمة ويقود سيارة غالية .. ونطالب مسؤولينا وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين صاحب القلب الحنون بأن ينظر لهذه القروض بعين الاعتبار ويحولها على صندوق للدولة على ان تخصم من مرتباتنا ولكن بمبلغ رمزي شهريا .. صحيح اننا شعب كبير مقارنة بدول الخليج ولكن لا ننسى اننا نعيش في بلد النفط الاول على مستوى العالم.
ومع بنك ثالث ندم مواطن فضل عدم الاشارة الى اسمه على انه اشترى منزلا عن طريق البنك بحجة ان البيت يحميه من شر الايجار .. وقال ان الايجار افضل فقد اتأخر عن دفعه شهرا ثم اسدد في الشهر التالي .. اما الان فقد اصبحت اشبه بالمتسول نهاية كل شهر .. حيث يستقطع البنك في اغلب الاحيان قسطين في الشهر الواحد بسبب سوء برمجة السداد .. وبقية الراتب تأكله بطاقة الفيزا .. وان لم يستقطع شهرين .. ذهب الباقي الى فاتورة الكهرباء والهاتف والجوال وراتب الخادمة ومصاريف الدراسة للاولاد غير مصاريف المنزل الشهرية التي يحصل عليها من البقالة المجاورة على الحساب.
واضاف ان الديون دمرت حياته وجعلته يبكي حين لا يستطيع تلبية طلب ابنته الصغيرة حينما ترغب في اغراض للمدرسة .. ويخجل حينما يحل عليه ضيوف في منزله فيتحجج بانشغاله بالعمل واشياء اخرى ليهرب منهم .. ويتمنى لو تنشق الارض وتبلعه حينما يحل العيد او الاجازة وهو لا يملك ما يفرح به اطفاله .. واضاف انه يفكر جديا في البحث عن زبون لمنزله الجديد بحيث تتحول الاقساط الى الزبون الجديد ويحصل على الدفعة المقدمة عله يرتاح من اقساط البنك ويعود الى السكن بالايجار .. ولكنه يخشى الا يسقط البنك الاقساط .. فيتعلق بين نارين .. لا هو الذي استمر في منزله ولا هو الذي سلم من نيران الاقساط
|