السوق المالية السعودية والاقتصاد الحقيقي والعلاقة بينهما «2-2»

د. عبدالله الحربي
سوف نحاول في مقالنا هذا أن نبين مدى مساهمة الاقتصاد المالي متمثلا في سوق الأسهم السعودية في دعم وتعزيز الاقتصاد الحقيقي، وذلك بعد أن أوضحنا في مقالنا للأسبوع الماضي أنه يفترض أن يكون هناك علاقة تبادلية ذات اتجاهين بين الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي، إلا أن تحديد طبيعة تلك العلاقة يتوقف على مدى تقدم الأنظمة المالية والاقتصادية لكل دولة ومدى مساهمة القطاعات المكونة للسوق المالية في دعم الاقتصاد الحقيقي.
ولذا فإن السؤال المطروح في هذا المقال هو هل فعلا يمكن القول: إن الاقتصاد المالي متمثلا في سوق الأسهم السعودية قد ساهم منذ إنشائة في دعم وتعزيز الإقتصاد الحقيقي للمملكة. الجواب المختصر الواقع أنه لايوجد هناك مساهمة حقيقية ملموسة، وذلك لإسباب عدة، منها أولا: إن السوق المالية السعودية بشقيها الأولي ( سوق الإصادارات الأولية) والثانوي (سوق تداول الأوراق المالية) ناشئة بكل ماتعني الكلمة من معنى، حيث لاتزال تعاني من عيوب وتشوهات هيكلية وتنظيمية ورقابية كثيرة والتي قد لايتسع المقام هنا لذكرها. ثانيا: إن الاقتصاد الحقيقي للمملكة وكما يعلم الجميع هو اقتصاد ريعي قائم على مصدر وحيد لثروة طبيعية ناضبة، ألا وهو النفط،، في حين أنه لايوجد ضمن الشركات المدرجة أسهمها بالسوق المالية شركة بترولية واحدة. بالإضافة بالطبع إلى أن معظم أنشطة القطاعات والشركات المكونة للسوق المالية لاتزال هامشية من حيث دورها في المساهمة في الاقتصادي الحقيقي.
فالمحصلة والأثر النهائي لتداول الأوراق المالية بيعا وشراء في سوق الأسهم السعودية الثانوية على الاقتصاد الحقيقي صفرا أو ما يسمى Zero Sum Game، أي أن الأرباح التي قد يحققها بعض المتعاملين سواء كانوا مواطنين أو أجانب نتيجة الفروقات السعرية لأسعار أسهم الشركات المدرجة أسهمها في السوق الثانوية، تمثل في نفس الوقت مجمل الخسائرالتي يتكبدها البعض الآخر من المتعاملين قليلي الحظ والطالع نتيجة تعاملهم في سوق الأسهم خلال الفترة نفسها. أي أن تداول الأسهم في السوق الثانوية يعد في واقع الأمر أحد أساليب إعادة توزيع الثروة بين مختلف أطياف المتعاملين في السوق. وذلك لأن الاستثمار من وجهة نظر الفرد (المتعامل) قد لا يعني بالضرورة استثمارا من وجهة نظر المجتمع (الإقتصاد الحقيقي). فشراء الفرد لأسهم شركة قائمة يعد استثماراً من وجهة نظر الفرد، في حين أنه من وجهة نظر المجتمع يعد فقط تحويلاً للملكية. بينما شراء الأسهم لإنشاء شركة جديدة يعد استثماراً من وجهتي نظر الفرد و المجتمع.
وعليه فإنه يمكن القول إنه في الغالب ليس لتعاملات الأوراق المالية في السوق الثانوي أية إنعكاسات سواء كانت سلبية أو إيجابية على الاقتصاد الحقيقي بشكل مباشر.
ولذا قد يتساءل البعض عن مدى مساهمة السوق الأولية في دعم وتعزيز الاقتصاد الحقيقي للمملكة. الواقع أن القراءة الدقيقة لنتائج الإكتتابات المتتالية لأخيرة وانعكاساتها على المكتتبين وعلى الاقتصاد ككل تشير إلى أن أداء السوق الأولية لاتختلف في الواقع كثيرا عن أداء السوق الثانوية، وذلك لأنها لم تحقق أية عوائد حقيقية على الأفراد أو الاقتصاد الجزئي أو الكلي. حيث تم زج السواد الأعظم من المواطنين من مختلف شرائح المجتمع في فلك الإكتتابات الجديدة، إلا أن الأسعارالسوقية لأسهم تلك الشركات الجديدة أصبحت تتناقص ليس فقط دون أسعارالإكتتاب، بل دون القيم الدفترية لتلك الشركات، مما ألحق الضرر بكافة شرائح المجتمع، وكانت له إنعكاسات إقتصادية وإنسانية كبيرة.
stocksanalyst@hotmail.com