رد: اخبار الاقتصاد من عكاظ ليوم الاثنين 24/12
المتداولون والاقتصاديون يطرحون وصفة لإنقاذه
إعادة التوازن لسوق الأسهم بأداء الصناديق السيادية لدور الصناع
أحمد العرياني ـ جدة
ماهي طبيعة مشكلة سوق الأسهم؟
سؤال عريض أصبحت إجابته تحير الكثير من المحللين وخبراء الاقتصاد وتؤرق جميع المتداولين والمتعاملين في سوق الأسهم والذين مازال الكثير منهم معلقين عند أسعار عالية لم يستطع السوق العودة لها منذ انهيار فبراير الشهير.
"عكاظ" طرحت قضية مشكلة السوق وما يصاحبها من تساؤلات على عدد من المحللين والاقتصاديين والمتداولين للوصول إلى وصفة لإنقاذ السوق من الحالة المتردية التي لا زالت تسيطر عليه منذ فترة طويلة وكانت هذه التساؤلات: هل هي مشكلة سيولة؟ أم مشكلة تنظيمية؟ أم مشكلة مضاربات وقلة الرقابة الفاعلة؟ أم مشكلة ثقة؟
أم مشكلة خاصة بوعي المتعاملين؟ أم مشكلة شفافية وإفصاح؟ أم مشكلة غياب لصناع السوق؟
هذه الأسئلة طرحناها على المختصين والمتداولين واعتبروا أن ما يحدث في السوق أمر غريب ومحير في ظل ما يتمتع به الاقتصاد السعودي من قوة، بالإضافة إلى استقرار الأمن الذي يجعل أي سوق مالية في العالم في ازدهار مستمر واستقرار متواصل، وبينوا أن ما يحدث في السوق جعلت الكثير من المتداولين يقومون بعمليات شراء في وقت واحد ثم إجراء عمليات بيع سريع بمجرد ارتفاع السهم قليلا نظرا لهاجس الخوف الذي يراودهم من الانخفاض المستمر للسوق، وعبروا عن تخوفهم من أحوال السوق المتقلبة وقالوا بصوت واحد نحن خائفون ولا نعلم ماذا يحدث في السوق وأصبح لدينا عدم ثقة في السوق وجاء ذلك نتيجة الأوضاع المتردية لأحوال أسهم الشركات.
الكثير من المتعاملين في السوق لم يخفوا خسائرهم بل قالوا إنهم معلقون عند أسعار مرتفعة في السوق البعض منهم تعرض لها منذ انهيار فبراير الشهير، ومازالوا في السوق ولم يستطيعوا الخروج منه، نظرا لأن خسائرهم تجاوزت الـ80%، وبين عدد من المتداولين أن مشكلة السوق الحقيقية تكمن في عدم الشفافية والوضوح وطالبوا هيئة السوق المالية أن تعمل على تحسين الإجراءات والعمل بشفافية أكثر للوقوف على المشكلات التي تحدث في السوق وتقوم باستنزاف أموال المتداولين.
عوامل اقتصادية وراء تراجع السوق
الدكتور عابد العبدلي أستاذ مشارك بقسم الاقتصاد الإسلامي بجامعة أم القرى قال: لا يمكن أن نربط مشكلة سوق الأسهم بعامل واحد، ولا يمكن أن نقول إن عودته لمساره الطبيعي مرهون بإجراءات تتخذها جهة معينة، أعتقد أن المشكلة هي في الأساس تراكم عوامل اقتصادية وتنظيمية وهيكلية وتوعوية ونفسية، وهذه العوامل منشأها مرتبط بكافة الجهات والأطراف المرتبطة بعمل السوق سواء تلك الجهات المنظمة أو الجهات المؤثرة أو الأفراد المتعاملين في السوق، وكذلك فإن بيئة السوق وأداء مؤشراته مرهونة بالعوامل النفسية للمتداولين ودرجة التفاؤل أو التشاؤم حول الأداء الاقتصادي المحلي والعالمي. ولو تأملنا في وضع السوق الراهن نجد أن الأثر السلبي السائد منبعه الأزمة العالمية وحالة التشاؤم بمستقبل الاقتصاد العالمي والأحداث الاقتصادية المتتالية يوما بعد يوم، والتي في مجملها مؤشرات سلبية.
وبين العبدلي أن موجة التشاؤم العالمية رمت بظلالها على أسواق المال في العالم كافة بما فيها سوق الأسهم المحلي، مع أن سوق الأسهم المحلي لم يكن بحالة أفضل قبل الأزمة العالمية، إذ كان يعاني من عدة سلبيات على عدة مستويات منها التنظيمي والرقابي وافتقار البيئة العادلة في تفاعل العرض مع الطلب وغياب صناع السوق الحقيقيين، أما بالنسبة لعامل السيولة فلا أعتقد أنه يشكل مشكلة حقيقية في السوق المحلي، لأن الاقتصاد كان ولا يزال في حالة جيدة من الرواج والانتعاش والدليل على ذلك معدلات التضخم العالية في كافة القطاعات، فهذه مؤشرات على توافر السيولة، لكن المشكلة ربما تكمن في إحجام السيولة عن الاستثمار، وهذا في الواقع من الملامح النادرة في الاقتصاد، وعندما تتوفر السيولة بمعدلات عالية تظل معدلات الطلب على النقود في مستويات منخفضة، ولكن هذه المشكلة ما هي إلا انعكاس لمؤشر التشاؤم العالي في جدوى الاستثمار والإنفاق وغموض الرؤية في مستقبل الاقتصاد، وهذه الظاهرة لا يعاني منها اقتصادنا المحلي فحسب، بل هي ظاهرة عالمية في الوقت الراهن حيث فشلت أدوات السياسة النقدية في تحفيز الطلب والإنفاق، فالأفراد والمستثمرون يفضلون الاحتفاظ بالسيولة على استثمارها وإنفاقها وهذه ما يعبر عنها بمصيدة السيولة، وقد عبر عن هذه الظاهرة كينز في منتصف القرن الماضي، ويكمن حل هذه الظاهرة في تبني مزيج من السياسة النقدية والمالية، وأهمية الدور الحكومي في التمويل والإنفاق.
فقدان الثقة في عوائد الأسهم
وأضاف العبدالي أن أزمة سوق الأسهم الحالي هي حالة منسجمة مع أسواق المال في العالم نظرا لعدم وضوح الرؤية المستقبلية للاقتصاد العالمي، ولا تزال أسواق العالم في حالة ترقب وانتظار لما تسفر عنه مساعي البنوك المركزية في تخطى أزمة الركود الاقتصادي الحالي. فالعامل الأساسي وبدون منازع في تردي سوق الأسهم حاليا هو عامل فقدان الثقة في عوائد الأسهم وجدوى الاستثمار في مثل هذه الأسواق مما جعل الأفراد يفضلون الاحتفاظ بالسيولة، كما أن ركود النشاط في سوق الأسهم خلال هذه الفترة يصادف فترة ما قبل الإعلان عن الميزانية، والتي يتوقع أن يكون لها أثر إيجابي نظرا للتوقعات حول زيادة الإنفاق الحكومي، وهذا مؤشر لضخ مزيد من السيولة في الاقتصاد المحلي بجانب إجراءات السياسة النقدية المحفزة لإطلاق السيولة.
وأوضح العبدلي أن مفهوم صناع السوق يعني صناع توازن السوق الذي يشهد تذبذبا وفروقات في الأسعار بسبب تذبذب الفرص الاستثمارية للمتداولين، وتحدث أحيانا مبالغة في هذا التذبذب لعدة أسباب منها التجاوزات المضاربية أو ضعف الرقابة وهشاشة القواعد التنظيمية أو بسبب تدني كفاءة السوق وانعزاله عن محيطه الاقتصادي. ففي هذه الحالة ومع مرور الزمن ينحرف السوق عن مستواه الطبيعي أو مستواه التوازني، وهذه الحالة للأسف تنطبق على سوق الأسهم السعودي ومنذ سنوات حيث لا يوجد صناع سوق حقيقيون، لذلك تبرز أهمية فكرة صناعة السوق أو وجود صناديق أو محافظ استثمارية تقوم بمهمة صناعة السوق وإعادته إلى وضعه الطبيعي التوازني. وصناعة السوق ليس معناها تصعيد السوق وزيادة حجم تدوال الأسهم وإنما وظيفة صناع السوق تكمن في الحفاظ على توازن السوق والمحافظة على أدائه الطبيعي من حيث الأسعار وحجم التدوال وكمية السيولة، والأهم من ذلك أن هذه الأهداف هي أهداف اقتصادية لأنها تحقق ربحية مستمرة لصناع السوق، وأي انحراف مبالغ فيه قد يفقد صناع السوق ميزة الربحية المتواصلة، ولمعرفة لماذا يهتم صناع السوق باستقراره والمحافظة على توازنه، علينا أن نتعرف على طبيعة وظيفتهم وكيف يمكن تحقيق أرباحهم بشكل مستقر ومتواصل، إذ أنهم ليسوا أصحاب فرص استثمارية وإنما يقتنصونها للخروج من السوق بما يعرف بالسيولة الساخنة، ونشير هنا إلى أنهم ليسوا مضاربين يبحثون عن فرص الاستحواذ على أسهم معينة وتصعيد أسعارها، ولكن تكمن وظيفتهم في كونهم أشبه بالوسطاء الماليين بين العارضين والمشترين، حيث يقومون بشراء المعروض من الأسهم من البائعين ومن ثم بيعها على المشترين بهوامش ربحية منخفضة وليست بهوامش عالية، لأنهم يقومون مرة أخرى بإعادة شرائها منهم عندما تعرض مرة أخرى، وهنا يكمن سر عمل الصناع في أهمية توازن السوق واستقراره، ولكن صناعة السوق لا يبرز دورها في سوق الأسهم إلا إذا سيطر الصناع على نسبة معقولة من حجم السوق، ولكي نوجد هذا النوع من صناع السوق فلابد من فتح المجال لصناديق استثمارية حكومية ضخمة ومتنوعة لكي تسيطر على السوق وتحافظ على توازنه الطبيعي، وأضاف العبدلي: هناك حزمة كبيرة من المقترحات قد تم طرحها سابقا منها ما هو متعلق بتنظيم السوق وتحديد أدوار الجهات والأطراف المتعاملة في السوق، ومنها متعلق بتحييد البنوك عن التحكم في عملية التداول وإدخال مؤسسات مالية وسيطة مستقلة عن البنوك تقوم بهذا الدور، لكن في ظل الأوضاع الراهنة وأزمة جمود السيولة وفقدان الثقة، أعتقد أن الدور الرسمي هو الملاذ الأخير والأداة الفاعلة لتنشيط سوق الأسهم، وفي هذا الإطار يمكن للدولة أن تعيد توجيه صناديقها الاستثمارية مثل صناديق المعاشات والتأمينيات والصندوق السيادي الذي تم إنشاؤه مؤخرا، وتوجيه هذه الاستثمارات إلى سوق الأسهم.
المشكلة عالمية
ماهر صالح جمال (محلل مالي) قال: المشكلة اقتصادية عالمية وليست مشكلة سيولة، حيث لا توجد في المملكة مشكلة سيولة لكن الأوضاع الاقتصادية العالمية تؤثر على النشاطات الاقتصادية عموما لا سيما الطلب على النفط وعلى الصادرات الرئيسية كالبتروكيماويات، وليس سهلا ولا منطقيا أن يتحرك السوق لأعلى وأرباح شركات السوق تتراجع أو تحقق خسائر فالفرصة كانت سانحة عندما كانت أرباح الشركات تنمو وليس الآن في الظروف الحالية. وأشار جمال إلى أن المشكلات حاليا أكبر من التنظيمية، إذ ينبغي في ظل الأزمة الحالية توضيح الآثار المتوقعة منها وكيفية معالجتها والخطة التي ستنتهج خلال الفترة القادمة. وبين جمال أن المضاربات موجودة في كل الأسواق الأسوأ منها مضى، لافتا إلى أن الانكماش العالمي كله قائم على فقد الثقة وبالتالي الإحجام عن الاستثمار والتوسع والإنفاق العالي مما يؤثر سلبا على مناحي الاقتصاد.. مبينا أن الوعي جزء من المشكلة وليس أساسها كذلك الشفافية جزء من المشكلة.. لافتا إلى أنه كلما كانت معدلات الشفافية أكبر كلما كان السوق أكثر عدالة، وعن غياب صناع للسوق قال جمال إن الأسواق الهابطة لا ينفع معها صناع سوق أو غيرهم.
وزاد: إن الأهم حاليا هو تحفيز الاقتصاد عموما وتنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية والاستمرار في استكمال البنى التحتية وكل ذلك سينعكس بدوره إيجابا على أرباح الشركات العاملة بالسوق ومن ثم ينعكس على سوق الأسهم، أما الآن وفي ظل الظروف العالمية المحيطة ليس سهلا الحديث عن دعم سوق الأسهم، وأضاف: إن الالتفات إلى مشكلات الانكماش العالمي وتخفيف آثارها على الاقتصاد المحلي ومراقبة معدلات تذبذب العملة وأسعار النفط والمضي قدما في بعض المشاريع المرتبطة بالمواطن مباشرة كاستكمال توسعات شبكات الكهرباء وتوفير المياه والخدمات والطرق وخلق فرص وظيفية ربما يكون ذا أولوية أكبر من الالتفات إلى سوق الأسهم.
|