مليون أسرة سعودية تحلم بامتلاك مسكن والحل يكمن في منافذ تمويلية جديدة
جدة: وائل مهدي
ما زال نحو مليون أسرة سعودية تحلم بأن تمتلك مسكناً يؤويها ويحميها من غدر الأيام وتقلب الحالة الاقتصادية. وقد يتبادر إلى الذهن أن كل أسرة لا تمتلك مسكناً هي أسرة فقيرة ولكن الواقع أن نصفها فقط هو الفقير.
ولا توجد لتلك الأسر أي نوافذ تمويلية تساعدها سوى الجهات الحكومية مثل صندوق التنمية العقارية أو الجهات الخيرية مثل مؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي.
وأمام تنامي عدد الأسر التي لا تمتلك سكناً وتنامي أعداد الشباب في المجتمع الذين سيبحثون عما قريب عن أعشاش للزوجية، يقف الجميع في حيرة لتوفير مصادر تمويل إضافية خارج النوافذ التمويلية الحكومية لحل هذه المشكلة، خاصة أن هذه الجهات التمويلية قد استنفدت كل ما لديها ولم يعد لديها ما تستطيع تقديمه.
وأرجع الخبراء سبب قلة النوافذ التمويلية إلى ضعف التشريعات القانونية التي تحمي المقرضين والممولين على حد سواء، وليس بينها قلة السيولة النقدية كما قد يعتقد البعض.
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور إحسان بوحليقة إنه بسبب ضعف التشريعات والقوانين لا يوجد حتى الآن حل لمعضلة تملك المساكن من قبل السعوديين والتي أصبحت "مشكلة المشاكل" على حسب تعبيره.
وقال بوحليقة لـ"الوطن" بنبرة يشوبها بعض الأسف "عندما نتحدث عن الأسر التي لا تمتلك مسكناً فنحن لا نتحدث عن الأسر الفقيرة بل نتحدث عن الأسرة المتوسطة والتي لديها مورد دخل شهري". ويوجد في المملكة نحو مليون أسرة غير قادرة على تملك مساكن خاصة بها، نصفها فقير والنصف الآخر من الطبقة المتوسطة، التي يتوقع لها البعض أن تتلاشى في السنوات العشر القادمة بسبب الضغوط التضخمية.
وسبق أن أوضح مدير إدارة الدراسات والبحوث بمؤسسة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لوالديه للإسكان التنموي عبدالله حسين الخليفة، في تصريحات سابقة لـ"الوطن" أنه يوجد ما يقارب 450 ألف أسرة فقيرة في المملكة بحاجة إلى أن تمتلك مساكن.
ومشكلة الأسر ذات المداخيل المتوسطة مع الجهة التمويلية الرئيسة وهي صندوق التنمية العقاري تكمن في أن الصندوق لم يعد قادراً على توفير التمويل لهم بسبب ضعف قدرته المالية، إضافة إلى طول فترة الانتظار للحصول على قرض الصندوق البالغ 300 ألف ريال وهو مبلغ أصبح لا يكفي لبناء أو شراء منزل في الوقت الحالي.
ويحتاج المواطن المتقدم للحصول على قرض عقاري إلى مدة انتظار تزيد على 20 سنة في ظل عدم مواكبة الصندوق للزيادة في عدد طلبات الراغبين في بناء مساكن.
وسبق أن أعلن الصندوق أن إجمالي طلبات القروض العقارية الموجودة على قائمة انتظار الصندوق بلغ 479.63 ألف طلب اقتراض.
ويعادل عدد المتواجدين حالياً على قائمة انتظار الصندوق ما يقارب عدد الحاصلين على قروض عقارية منذ إنشائه قبل أكثر من ثلاثين عاماً (بالتحديد في عام 1395 الموافق لعام 1975) إلى وقتنا الحالي، حيث قدم صندوق التنمية العقارية منذ إنشائه إلى شهر أغسطس الماضي 511 ألف قرض عقاري.
وتواجه المملكة مشكلة كبيرة في الإسكان حيث إن نصف السعوديين البالغ عددهم 18 مليون نسمة تقريباً لا يملكون أي نوع من أنواع المساكن. وتزداد المشكلة صعوبة بسبب التكوين الديموجرافي للسكان، حيث بلغت نسبة الشباب تحت 35 عاماً ما يقارب 70% من التعداد العام للمملكة، مما يعني طلباً أكبر على البيوت في المستقبل.
وتحاول المملكة وبشدة إيجاد حلول لتلك المشكلة من خلال تقديم آليات تمويل متعددة كان آخرها مقترح الرهن العقاري الذي ناقشه مجلس الشورى بصورة مطولة ولا يزال تحت التطوير.
والرهن العقاري هو قرض يُمَكّن المقترض سواء أكان فرداً أو مؤسسة من أن يقترض نقوداً ليشتري منزلاً أو أي عقار آخر، وتكون ملكيته لهذا العقار ضماناً للقرض، أي أنه في حال عجز عن سداد القرض فإن من حق المُقرض اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتملكه لهذا العقار أو بيعه في مزاد علني.
إلا أن الدكتور إحسان بوحليقة يرى أن مشروع الرهن العقاري ليس كافياً لحل المشكلة.
وأوضح أن سبب عدم اقتناعه بدور النظام قائلاً "إن نظام الرهن العقاري غير موجه لأصحاب الدخول المنخفضة والفقراء والذين يشكلون جزءاً كبيراً من المشكلة".
وفي حين يرى بوحليقة أن زيادة رأسمال صندوق التنمية العقاري ليست حلاً لمساعدة السعوديين على تملك العقار، يعتقد الدكتور فؤاد بوقري عضو اللجنة العقارية في غرفة جدة أن زيادة رأسمال الصندوق قد تسهم كثيرا في توفير وحدات سكنية للمواطنين.
وأوضح البوقري في تصريحات لـ"الوطن" أنه لا بد من إعادة النظر في قيمة القروض المقدمة من الصندوق في ظل ارتفاع أسعار الأراضي ومواد البناء، حيث إن امتلاك الأرض هو الأساس للحصول على قرض للبناء.
واقترح البوقري أن تتم زيادة قيمة القروض بطريقة تتناسب مع عدد أفراد الأسرة بحيث تتم مضاعفة قيمة القرض الحالي إلى 600 ألف ريال للأسر الصغيرة والتي تحتاج مساكن صغيرة وأن يتم رفع القرض للأسر الكبيرة ليصبح مليون ريال.
ويتفق البوقري مع بوحليقة في أن ضعف التشريعات هو السبب الرئيس لضعف قدرة السعوديين على تملك العقار. ومن بين الحلول الأخرى التي اقترحها البوقري بناء وحدات سكنية أصغر مثل الشقق و"الدوبليكسات" عوضاً عن الوحدات الكبيرة التي تفضلها الأسر السعودية.
ولكنه أوضح أنه لا يمكن للناس تملك شقق في مبان ما لم يكن هناك قانون يحمي مصالح أصحاب هذه الشقق مثل قانون اتحاد الملاك والمعمول به في دول عديدة مثل مصر. ويفرض قانون اتحاد الملاك على أصحاب الشقق تحمل كل تكاليف صيانة وتوفير الخدمات في المبنى. ويخضع كل مبنى إلى سلطة جمعية عمومية مكونة من السكان تضع الشروط والقوانين الخاصة بالمبنى للسكان ويلزمهم القانون بها.