يعد نوعا من القرصنة واستخدام مبادئ وضعها الآخرون؟
البنكان المركزيان الأمريكي والياباني بصوت واحد: كلنا مصرفيون إسلاميون!
وليم بيسيك
كعكعة الصيرفة الإسلامية تتسع أكبر فأكبر بعد أن أجبرت الأزمة العالمية البنوك المركزية في الدول الصناعية على التوجه نحو القروض الخالية من الفوائد. مما يعني ازدهار الآفاق الاستثمارية الخاصة بالصناعة المالية الإسلامية.
من الصعب ألا تلاحظ، خلال حضورك مؤتمرات التمويل الإسلامي هذه الأيام، مدى انتشار رقعة هذه الاستثمارات على النطاق العالمي.
يبلغ عدد المسلمين في العالم نحو مليار ونصف المليار، وهم في حاجة إلى سبيل للتعاملات المصرفية والاستثمارية وفقاً للأحكام الشرعية التي يؤمنون بها، والتي تحرم أخذ الربا أو دفعه على القروض والودائع. ويجري في الوقت الحاضر إنشاء بنية تحتية هائلة لتسهيل تعاملات العملاء المسلمين، ومن بينهم عدد من كبار الأغنياء في الخليج العربي.
ولكن أليس ما يقوم به حالياً البنك المركزي الياباني والمركزي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى، التي تعطي قروضاً دون فوائد، يعد نوعاً من القرصنة واستخدام مبادئ وضعها الآخرون؟
في عام 1971 قال الرئيس رتشارد نيكسون على نحو ساخر، مردداً ما قاله من قبل الاقتصادي ميلتون فريدمان: "نحن جميعاً من أتباع كينز الآن Keynesians. بحلول عام 2009، ربما نكون جميعاً من المصرفيين الإسلاميين كذلك.
هذه مقارنة غريبة ولكنها تناسب واقع الحال. المصرفية الإسلامية لا تقتصر على السبل التي تحصل من خلالها مجموعة معينة من الناس على المال. حين تكون الفائدة صفراً فإن معنى ذلك تأمين أكبر قدر من المال، على أي نحو ممكن، لكل شخص.
هناك نقطة أخرى في صالح الجاذبية المنتشرة للتخلي على أسعار الفائدة. هذا الأمر لم يعد جانباً فريداً يميز تعاملات معينة أو بدعة مصرفية. التعاملات من دون فوائد تصبح الآن هي الوضع الطبيعي، وهذا يجعلنا نشعر بالحيرة إلى حد كبير.
سعر الفائدة الرسمي في اليابان الآن هو 0.1 في المائة، وسيؤول إلى الصفر في الأشهر المقبلة. كما أن سعر الفائدة الرسمي في الولايات المتحدة هو الآن 0.25 في المائة وسيصبح أقل من ذلك أيضاً. وفي بريطانيا وصل سعر الفائدة إلى 1.5 في المائة، ومنطقة اليورو 2.5 في المائة. ومع تردي الأحوال بفعل الآثار الناجمة عن الأزمة المالية العالمية فإن أسعار الفائدة المذكورة وغيرها من الأسعار الرسمية القياسية ستتجه نحو الصفر.
التسهيل الكمي لأسعار الفائدة
وفقاً للأحكام الشرعية فإن فرض الفائدة، حرام شرعاً، ويعد نوعاً من الاستغلال والظلم. وهذا المبدأ لا يشبه في كثير أو قليل سياسات الفائدة الصفرية في اليابان. ذلك أن البنك المركزي الياباني لم يقل قط إنه يسعى لتعزيز مشاعر الأخوة بين اليابانيين أو تحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية.
ولكن هذا بالضبط هو ما فعله البنك المركزي الياباني. حين يقلص البنك تكاليف الاقتراض شيئاً فشيئاً، ويمضي قدماً في السنوات الأخيرة بسياسة "التسهيل الكمي"، فإنه بذلك يقوم بنصيبه في العدالة الاجتماعية والاستقرار. كانت سياسة البنك تهدف أساساً إلى حماية الطريقة اليابانية في تصريف الأعمال والمحافظة على روح المساواة التي يعتز بها سكان اليابان البالغ عددهم 127 مليون شخص.
والآن يسير البنك المركزي الأمريكي على طريق مماثل ولأسباب مماثلة. قرر البنك المركزي، في إجراءات لم يسبق له مثيل، تنفيذ عدد كبير من برامج القروض الطارئة، الرامية إلى التخفيف من وقع أسوأ أزمة ائتمانية خلال سبعة عقود، وهو يطبق سياسة التسهيل الكمي على غرار اليابان. إن مستوى أسعار الفائدة أمر آخر. أما التطور الممتع أكثر من ذلك فهو قيام البنك بتحريك أمواج المزيد من السيولة ودفعها داخل النظام المالي.
برنانكي الياباني
لذلك ليس من المستغرب أن اقتصاديين مثل مايكل فيرولي، من بنك جيه بي مورجان في نيويورك، يشيرون إلى رئيس مجلس البنك الفيدرالي الأمريكي بين برنانكي على أنه "برنانكي – سان"، أي السيد المحترم برنانكي باليابانية.
يشعر البعض بالقلق من أن تكاليف كل هذه الإجراءات ستَغلِب منافعها.
يقول بنجامين بيدلي، وهو المدير الإداري لشركة إل جي تي إنفستمنت مانجمنت LGT Investment Management في هونج كونج: "لا يختلف تأثير الفائدة الصفرية على الاقتصاد الحقيقي كثيراً فيما لو كانت الفائدة 1 أو 2 في المائة مثلاً. فمن الأفضل تخفيض أسعار الفائدة إلى نسبة قريبة من مستوى الفائدة الصفرية والاعتماد على سبل أخرى للسياسة النقدية من أجل إعادة الأمور إلى سابق عهدها، ومن ثم تطبيع أسعار الفائدة على أسرع نحو ممكن".
إمكانيات كبيرة
البنك المركزي الياباني لم يصبح أبداً مستقلاً على نحو كاف ليبتعد بأسعار الفائدة عن الصفر. كان أفضل ما فعله هو رفع أسعار الفائدة إلى 0.5 في المائة. قفد اعتاد السياسيون على الأموال السهلة بأسعار فائدة رخيصة. بهذا المعنى فإنه حين تكون نسبة النمو في اليابان 3 في المائة فإنها ليست نسبة حقيقية كما هي الحال في البلدان الأخرى. وإنما هي نتاج سياسات نقدية ومالية عامة ميسرة ولكنها غير صحية وغير قابلة للاستدامة. وعلى البنك المركزي الأمريكي أن يتجنب الوقوع في هذه الأخطاء.
وليس هدفي من هذا أن أقلل من أهمية الصعود السريع لصناعة الصيرفة الإسلامية. حيث تقدر موجودات المصرفية الإسلامية في أنحاء العالم أنها في حدود 600 مليار إلى 650 مليار دولار، وسجلت نسبة نمو سنوي مقدارها 10 إلى 15 في المائة خلال العقد السابق، كما تقول مؤسسة سيلينت Celent، وهي مؤسسة للأبحاث والاستشارات المالية مقرها بوسطن.
وفي مؤتمر عقدته مجلة "يورومني" Euromoney في هونج كونج في الشهر الماضي، قالت أليكسا لام، نائبة كبير الإداريين التنفيذيين لهيئة الأوراق المالية والعقود الآجلة في هونج كونج، إن هذا النوع من النمو يعني أن الموجودات الإسلامية ستزيد على تريليون دولار بحلول عام 2010.
فهذه البيانات الصادرة من مؤسستين استشاريتين في بوسطن وهونج كونج كافية لإظهار مقدار الحماسة التي يشعر بها العالم للحصول على حصة من التمويل الإسلامي. فالأرقام ومعدلات النمو هي أبلغ دليل على قوة هذه الاستثمارات. ويسعى المصرفيون الإسلاميون للاستفادة من هذه الإمكانات الضخمة في النمو السريع للصين.
يقول بادلشاه عبد الغني، كبير الإداريين التنفيذيين لبنك CIMB Islamic، الذي يشكل الذراع الإسلامية لثاني أكبر بنك في ماليزيا: "قالب الحلوى يصبح أكبر فأكبر".
لكن في هذا الوقت بالضبط سيصبح قالب الحلوى كبيراً تماماً، على اعتبار أن البنوك المركزية الرئيسة في العالم تعطي الآن قروضاً دون فوائد.