توقعات بتراجع تدفق الاستثمارات لدول الخليج عام 2009 بنسبة 21 %
حسن العالي من المنامة
قدر تقرير حديث للأونكتاد (منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) انخفاض التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة بنسبة 21 في المائة عام 2008، لتبلغ 1.4 تريليون دولار، كما توقع تراجعها إلى أبعد من ذلك في عام 2009. كما أظهر أن حصة دول غرب أسيا التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي انخفض حجم حصتها من تلك الاستثمارات بنسبة 21 في المائة لتبلغ 56.3 مليار دولار عام 2008 وهي تمثل 3.8 في المائة من إجمالي التدفقات الاستثمارية العالمية.
وقال التقرير إنه في مواجهة الركود الاقتصادي العالمي، وتشديد شروط الائتمان، وانخفاض أرباح الشركات، والاحتمالات القاتمة وعدم اليقين بالنسبة للنمو الاقتصادي العالمي، فقد أعلنت عديد من الشركات خططا للحد من الإنتاج، وتسريح العمال وخفض النفقات الرأسمالية، وهي إجراءات تؤدي جميعها إلى الحد من الاستثمار الأجنبي المباشر.
إلا إن التقرير قال إن تأثير الأزمة على نطاق واسع يختلف تبعا للمنطقة والبلد، وبالتالي يؤثر في اختلاف الأنماط الجغرافية لتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
وتظهر البيانات الأولية التي تضمنها التقرير أن صافي التدفقات الاستثمارية المباشرة للدول الصناعية المتقدمة انخفض بنسبة 33 في المائة ليبلغ 840 مليار دولار عام 2008 وهي تحوز نسبة 58 في المائة من إجمالي التدفقات الاستثمارية، منها 562 مليار دولار للدول الأوروبية أي 39 في المائة من الإجمالي (انخفضت بنسبة 34 في المائة ) منها 114 مليار دولار لفرنسا و109 مليارات دولار لبريطانيا. ثم 220 مليار دولار للولايات المتحدة أي حصة 15 في المائة (انخفضت بنسبة 5.5 في المائة فقط) و17.4 مليار دولار لليابان أي حصة 1.2 في المائة من الإجمالي (انخفضت بنسبة 22.6 في المائة).
كما أوضحت البيانات أن حصة الدول النامية بلغت 518 مليار دولار أي 36 في المائة من إجمالي التدفقات الاستثمارية العالمية المباشرة عام 2008، وقد ارتفعت بنسبة 3.6 في المائة عام 2008. وتبلغ حصة الدول الإفريقية 61.9 مليار دولار أي 4.3 في المائة من الإجمالي (ارتفعت بنسبة 16.8 في المائة عام 2008 بالمقارنة بعام 2007) منها 10.9 مليار دولار لمصر و2.4 مليار دولار للمغرب و12 مليار دولار لجنوب إفريقيا، التي ذهب إليها الزيادة بالكامل.
وبلغت حصة أمريكا اللاتينية والكاريبي 142.3 مليار دولار أي بنسبة 9.8 في المائة من الإجمالي وارتفعت بنسبة 12.7 في المائة بالمقارنة بعام 2007، منها 41.7 مليار دولار للبرازيل و21 مليار دولار للمكسيك و18 مليار دولار لتشيلي.
وبلغت حصة غرب آسيا التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي، تركيا، سورية، الأردن، العراق، فلسطين، وإيران 56.3 مليار دولار، أي 3.8 في المائة من الإجمالي وانخفضت بنسبة 21 في المائة بالمقارنة بعام 2007.
يوضح التقرير حصة تركيا فقط منها البالغة 16.4 مليار دولار. أما حصة دول شرق وجنوب آسيا فقد بلغت 256 مليار دولار أي بنسبة 18 في المائة من الإجمالي (ارتفعت بنسبة 3.3 في المائة بالمقارنة بعام 2007) منها 92.4 مليار دولار للصين، و61 مليار دولار لهونج كونج، و37 مليار دولار للهند.
وأخيرا، فقد بلغت حصة دول جنوب شرقي أوروبا ودول أوروبا المتوسطة 91.3 مليار دولار أي 6.3 في المائة من الإجمالي (ارتفعت بنسبة 6.2 في المائة بالمقارنة بعام 2007)، منها 61.7 مليار دولار لروسيا.
ويتضح مما سبق أن دول أوروبا كانت المتضرر الأول من انخفاض التدفقات الاستثمارية العالمية المباشرة عام 2008 (انخفضت بنسبة 31 في المائة) تلتها الولايات المتحدة (بنسبة 5.5 في المائة) أما الدول النامية فقد تفاوتت بين دولة وأخرى حيث انخفضت في دول عربية مثل مصر والمغرب، وكذلك تركيا، كما تشير البيانات إلى توقع انخفاضها أيضا في دول مجلس التعاون الخليجي بالذات خلال الأشهر الأخيرة من العام بعد خروج أموال كبيرة في ضوء انهيارات أسواق الأسهم وتوقع تردي أوضاع العقارات.
ويقول التقرير إن وضع الأزمة المالية الراهنة مختلف تماما عن تلك الأزمة المالية الأخيرة، التي نشأت في البلدان الآسيوية النامية في عام 1997، التي كانت تؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى بعضها، مثل إندونيسيا. على النقيض من ذلك، انتشرت الأزمة الحالية في العالم المتقدم سريعا إلى الاقتصادات النامية والانتقالية. وصحيح أن تأثيراتها لحد الآن غير مباشرة، غير أنها أثرت في أنماط الاستثمار الأجنبي المباشر ومكانة وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويقول التقرير إن انخفاض التدفقات النقدية للدول الصناعية المتقدمة سببه تعمق وتطاول المشاكل التي تؤثر في المؤسسات المالية نتيجة لأزمة السيولة في أسواق المال والديون. كما انخفضت عائدات البلدان المتقدمة من الشركات عبر الوطنية، كذلك انخفاض القروض المصرفية لديها مما حد من القدرة على تمويل الاستثمار. وهناك انخفاض أيضا في عمليات الاستحواذ عبر الحدود مما خفض عمليات الدمج والشراء، ومما سبب زيادة انخفاض تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر (انخفاض عمليات الاندماج والشراء عبر الحدود في البلدان المتقدمة بنسبة 33 في المائة عام 2008).
وفي البلدان النامية والبلدان التي تمر اقتصاداتها بمرحلة انتقالية فإن التقديرات الأولية تشير إلى أن تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر كانت أكثر مرونة، على الرغم من أسوأ الآثار المترتبة في الأزمة الاقتصادية العالمية لا تزال، في نهاية السنة، لم تنعكس بصورة كاملة على هذه البلدان.
كما يسجل التقرير أن أحد أسباب انخفاض التدفقات الاستثمارية إلى دول غرب آسيا (التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي) هو تباطؤ النمو في الطلب على النفط، ارتفاع التكاليف، وانخفاض حصيلة الصادرات بسبب انخفاض أسعار النفط. على النقيض من ذلك، فقد أظهرت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى أمريكا اللاتينية والبحر الكاريبي مرونة كبيرة إزاء تباطؤ الاقتصاد العالمي.
وفي المدى القصير، فإن الآثار السلبية للأزمات المالية والاقتصادية ستظل مهيمنة على الاستثمار الأجنبي المباشر، مما سيؤدي إلى استمرار الانخفاض في إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2009. والبلدان النامية لن تكون مستثناة، حيث سوف تظهر تأثرا أكبر خلال عام 2009.
ومع ذلك، هناك عدة عوامل إيجابية موجودة على الأرض، وستؤدي عاجلا أو آجلا إلى عودة التدفقات الاستثمارية الدولية. وتشمل هذه العوامل الفرص الاستثمارية المتوافرة المستندة إلى أسعار الأصول الرخيصة وإعادة هيكلة الصناعة، وتوافر مبالغ كبيرة نسبيا من الموارد المالية لدى الدول الناشئة والدول النفطية الغنية، كذلك التوسع السريع في أنشطة جديدة مثل الطاقة الجديدة والبيئة والصناعات ذات الصلة، والمرونة النسبية للشركات الدولية. لذلك، يصبح من الصعب تقييم آفاق ونمو الاستثمار الأجنبي المباشر على المدى المتوسط.
ومن الواضح أن السياسات الحكومية سوف تلعب دورا كبيرا في تهيئة الظروف الملائمة لحدوث انتعاش سريع في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر. إن الإصلاحات الهيكلية الرامية إلى ضمان مزيد من الاستقرار في النظام المالي العالمي، وسرعة وفعالية الحوافز اقتصادية المقدمة من جانب الحكومات، وتجديد الالتزام بالمواقف المنفتحة تجاه الاستثمار الأجنبي المباشر، وتنفيذ سياسات تهدف إلى تفضيل الاستثمار والابتكار، خاصة في مجالات البيئة ومصادر الطاقة الجديدة، والمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، هي جميعها تمثل قضايا رئيسة في هذا الصدد.
وبالتالي، فإن الأزمة الحالية يمكن أن تتحول إلى فرصة كبيرة لخلق قوة دفع جديدة للاستثمار الأجنبي المباشر على الصعيد العالمي. ومع ذلك ، فإن هذا لا يمكن أن يحدث إلا إذا تمكن واضعو السياسات من مقاومة الدعوات لمزيد من الحماية وغيرها من السياسات التي تحد من الاستثمار الأجنبي المباشر.