[صقر قريش]

صحيفة اليوم :السبت 5-2-1430 هـ العدد :13014
مع اقتراب نهاية الفصل الدراسي
دوام الطـلاب هذا الأسـبوع في الشـارع
فهد الحشام - الدمام
الطلاب اثناء محاولة الهروب من المدرسة
يلجأ طلبة مع آخر اسبوع دراسي من الفصل للتغيب عن مدارسهم ويمضون الوقت الذي من المفترض أن يكونوا فيه بمدارسهم بالتسكع في الشوارع ومقاهي الانترنت والمعسل وينامون في المطاعم . . طلبة يخترعون وسائل للمراوغة للتغيب عن صفوفهم . هذه الفئة من الطلبة انتشرت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، وبات من الضروري مناقشتها لاستئصالها قبل ان تتفشى وتصبح خطراً لا يمكن السيطرة عليه نظراً لعواقبها على الفرد والمجتمع . «القضية» متشعبة، كما يصفها تربويون، وليست كما يعتقد البعض أن المسؤولية تقع على الطالب الهارب فقط وإنما العكس وقد يكون الطالب ضحية وهروبه من المدرسة تتحمله اطراف أخرى منها الأسرة والمدرسة وهناك من يحملها للوزارة بمنشآتها ومناهجها . «اليوم» رصدت ظاهرة غياب الطلاب لتسليط الضوء عليها ومعرفة أسبابها وطرق معالجتها من خلال لقاءات متنوعة .
مراحل ومستويات
بداية جولتنا كانت لمدارس ابتدائية وهي المرحلة الاقل تسربا من غيرها من المراحل الدراسية ومع ذلك تشهد ارتفاعات بنسبة الهروب بين طلبتها ، والتي تبدأ غالباً من الصف الخامس وتستمر في المرحلة المتوسطة وتبلغ ذروتها في الصفين الاول والثاني الثانوي وتقل بنسبة كبيرة في الصف الثالث الثانوي وهو أمر غير مستغرب لتجاوز الطالب مرحلة الهرب ووقوفه امام مفترق طرق بين الرسوب أو التخرج لمرحلة أخرى . يقول المعلم جاسم سعد ان غالبية الطلبة ممن يهربون من المدارس تجدهم يتصفون بالضعف الدراسي وليس لديهم طموح او مثابرة منوها الى أهمية الالتفات لمشاكلهم وإعادة تأهيلهم في المدرسة والبيت . ويرى المعلم فهد راشد ان هذه الفئة من الطلاب عادة ما يكونون ذوي مستوى دراسي متدنٍّ ولا غرابة اذا وجدت احدهم راسبا في الاختبارات النهائية أو فصلته ادارة المدرسة لتكرار الرسوب ومنهم من يفصلون لسوء سلوكهم في اشارة منه لضعف الجانب التربوي والنفسي لدى هذه الفئة .
اعتراف
ويقر المرشد الطلابي بمدرسة ابتدائية (محمد باشداده) بوجود ظاهرة هروب الطلاب في المرحلة الابتدائية، ولكنها كما يقول نادرة وما يحد منها عدة أمور منها تربيته وتكوينه الجسماني الذي لا يساعده على تسلق السور للهرب اضافة لعدم توافر سيارة خاصة له كما هو الحاصل لدى طلاب في المراحل الأخرى . ويتفق المعلم خالد العلي مع الرأي السابق حول تدني الظاهرة في المرحلة الابتدائية حيث ان الطالب لا يزال تفكيره بعيدا عن تلك الأمور ويلاحظ ان فترة المراهقة لها عامل في اتخاذ مثل هذه القرارات الطائشة . ويرى يحيى الزهراني وكيل بمتوسطة ان عدم وجود رادع لهؤلاء الطلاب يجعلهم يتمادون في تكرار الهرب من المدرسة حيث ان قرار الخصم من درجات السلوك والمواظبة لا يعني شيئاً بالنسبة لهم محملاً جزءا من المسؤولية على الأسرة .
للبيئة دور
ويعتقد خالد العصيمي (وكيل بمتوسطة) ان للبيئة المحيطة بالطالب وظروف اسرته الاجتماعية والمالية دورا اساسيا في هروبه من المدرسة ، حيث تجد غالبا ان الاحياء الفقيرة ترتفع فيها نسبة الهروب . وحمّل المعلم ( فايز . ش) رتابة بعض المناهج التي لا يتطلب شرحها جهداً مضاعفا لتوصيل المعلومة للطالب المسؤولية . ويرى مؤيد الشبركة وكيل بثانوية ان ظاهرة هروب الطلاب من المدارس منتشرة بشكل كبير وبصورة ملحوظة خاصة في المرحلة الثانوية ويرجع اهم الاسباب الى تصاميم المباني الحكومية وعدم احكام مخارجها بطريقة تمنع الطالب من الهرب وعادة تسنح الفرصة اثناء وقت الفسحة اضافة لعدم تسجيل كشف الغياب نهاية الدوام . وشدد الشبركة على دور المعلم وطريقة شرحه للطلاب بطريقة مشوّقة بحيث يتخلل الدروس العلمية بضع دقائق لكسر الروتين ولبث المرح في نفوس الطلاب .
مطلوب حلول
وحذر مدير مجمع للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية عيسى الحمدان من تزايد ظاهرة هروب الطلاب في السنوات الأخيرة والتي اصبحت تأخذ منحى تصاعديا لدرجة تحتم على الجهات المعنية اتخاذ حلول وتدابير للقضاء عليها أو الحد منها ، منوها لعدم رغبة كثير من الطلاب في التعلم والبقاء في مدارسهم لغاية نهاية الدوام الرسمي لهم ، ويستطرد بقوله: من الملاحظ ان نسبة هروب الطلاب تزداد في المدارس المستأجرة حيث يفتقد الطلاب في تلك المدارس الصالات المغلقة المتوافرة بها اجهزة تكييف وملاعب نموذجية ومختبرات ومكتبات عامة وبرامج الحاسب الآلي وغيرها من التجهيزات التي تستهوي الطلاب وتحفزهم على طلب العلم . ويضيف الحمدان ان لثقافة المجتمع دورا في توعية الطالب بعواقب الهروب من المدرسة عبر رسائل اعلامية ، ولا نغفل جانب الأسرة .
وعن الاعذار والحيل التي يستخدمها الطلاب يقول الحمدان إن اغلبها اختراعات اكل الدهر وشرب عليها، فالبعض يقول بطني وآخر يحضر ورقة عذر من احد المستوصفات وهناك من يحلف، ونحن متأكدون من كذبه .
عولمة وانفتاح
ويرى المعلم عايض سعد ان للعولمة دخلا في قرارات الطالب السلبية اذا استخدمها في غير موضعها منها ان الطالب يأتي في بداية الدوام بمزاج متعكر لقلة النوم بسبب السهر على الالعاب الالكترونية وتصفح الانترنت لأوقات متأخرة من الليل وبالتالي فإنه يأتي إما للنوم أو قد لا يأتي مفضلاً الفرار من المدرسة والنوم في مكان آخر . ويؤكد عبدالله الخالدي، ولي أمر طالب ، على دور رفاق السوء ودورهم في التأثير على بعض الطلاب وتحريضهم للفرار معهم . ويؤيده سلطان سعود، ولي أمر، حول تأثير رفقاء السوء على الطالب المواظب ويضيف « في الجانب الآخر تجد الطالب المثالي صاحب ارادة عالية وشخصية قوية لا يصغي لتلك الاغراءات من قبل رفقاء السوء لأنه جعل النجاح هدفاً له .
في حين يقول الطالب علي عبدالرزاق في الصف الثاني المتوسط : كانت لي تجربة سابقة في الهروب من المدرسة وكانت بدافع الفضول لا اكثر وقد ندمت بعدها حيث علم ابي بالأمر ولم يعد يثق بي .
غياب وتبرير
وعند محاولة العثور على الاماكن التي يلجأ اليها الطلاب اثناء هروبهم من المدرسة لم نجد صعوبة في ذلك والفضل يعود للمعلمين وبعض الطلاب الذين ارشدونا إلى بعض تلك الاماكن . ويقول الطالب (خ . د ) الذي صادفناه في احد المطاعم انه لا يشعر بعلاقة قوية تربطه بالمدرسة ، والمعلم لا يلتفت الا للطالب المتميز وحتى لو اردنا المشاركة أو الاستفسار عن موضوع معين في الدرس دائما ما نقابل بالاستهزاء والسخرية من المعلمين لذلك فضلنا الابتعاد . . في هذه الاثناء يصحو احد زملائه على صوتنا بعد ان كان غارقا في غفوته ويشارك بقوله «ان المنهج الدراسي لا يشجع الطلاب على المذاكرة وايضا فترة الفسح لا يوجد بها متنفس حقيقي للطلاب كي يجعلهم يفرغون طاقاتهم من خلالها وبالنسبة لي اجد نفسي بدخولي على الشبكة العنكبوتية للعب والمحادثة وللثقافة ايضا ولكن بأسلوب خاص ومتطور !! والجلوس امام الشاشة لساعات مبكرة من الصباح . . أما وقت النوم اثناء الدراسة فمن السهل علي ايجاد مكان خاصة في المطاعم فكل ما عليك هو ان تطلب وجبة مقابل الجلوس أو النوم في المحل لساعات لحين انتهاء الدوام المدرسي ومن ثم الذهاب الى البيت .
«تعسيل»
(س . ع ) قابلناه بعد قفزه من سور مدرسته مباشرة وبادرناه بالسؤال عن سبب هروبه والى اين سيتجه وأجاب بعد ان اقنعته بأني لست احد المعلمين الجدد في المدرسة حيث كان ينوي الفرار حينما استوقفته ويقول ان آخر ثلاث حصص في الجدول الفيزياء والرياضيات والانجليزي وهذا سبب برأيه للفرار من المدرسة في هذا اليوم تحديدا ويقر بأنه لا يستطيع استيعاب هذه المواد دفعة واحدة مما سبب له عقدة على حد قوله ، أما اجابته حول المكان الذي سوف يذهب اليه فقال : اثنان لا ثالث لهما إما مقهى انترنت أو مقهى المعسل . ويقول (أحمد . ر) طالب في المرحلة الثانوية ان سبب هروبه مع زملائه انه عائد لضمان نجاحهم في المدرسة الاهلية التي التحقوا بها وليس هناك تدقيق عليهم من قبل الادارة التي تقدر وضعهم بعدم الرغبة بالتعلم وفوق هذا في النهاية النجاح عندهم مضمون وبدرجات عالية وهذا هو المهم على حد قوله ، اما عن الاماكن التي يفضل الذهاب اليها اثناء الهرب فيقول : اجد متعتي في المجمعات التجارية متنقلاً بين الدمام والظهران والخبر وأحيانا اسافر مع زملاء لإحدى الدول المجاورة .
إهمال
أما ( فيصل . س ) فيقول ان والده لا يسأل عنه، فهو يعمل اسبوعا خارج الدمام واسبوعا في اجازة ولا يقضيه عندهم في البيت وبالتالي اصبح من الممكن عليه التغيب عن المدرسة أو الهروب من الحصص بصورة دائمة رغم إلحاح والدته عليه بالذهاب الى المدرسة لكن دون حول منها أو قوة .
ويقول طالب آخر ان الثقة الزائدة التي حصل عليها من اهله جعله يتصرف دون ان يفطن له احد من افراد الاسرة وعن أول مرة يهرب فيها من المدرسة يقول انها كانت في المرحلة الابتدائية وتحديدا بالصف الرابع حيث قرر الفرار مع احد زملائه ولاتخاذ التدابير قام بتعطيل هاتف المنزل كي لا تتصل المدرسة بذويه لتخبرهم عن غيابه . (خ . ع ) يقول: اول مرة تغيب عن المدرسة دون علم اهله كانت في اول يوم دراسي بعد اجازة العيد ومنها اصبح كما يقول يتلذذ بالهرب من المدرسة ، وأردف قائلا : ان المعلم هو من حرّضهم على الغياب في ذلك اليوم .
رأي . .
من جهته علّق علي الشهراني – اخصائي اجتماعي – بقوله ان الموضوع شائك ويحتاج لعلاج جذري بداية بتغير مناهج تعليمية ولابد للطالب ان يستشعر اهمية العلاقة بين البيت والمدرسة ، ويرى ان الحل الامثل هو تغيير الآلية التي تسير عليها الوزارة في مناهجها الدراسية تجاه الطالب والمبادرة بإنشاء مدارس على غرار مدارس ارامكو، حيث هناك حوافز تقدم للطلاب من جوائز ورحلات ترفيهية واستثمار وقت الطالب بمناهج متطورة تنمي عقلية الطالب، ومبانٍ وملاعب غير متوافرة في المدارس الاخرى .