[صقر قريش]

الوطن : الأحد 1-2-1430هـ العدد:3047
تعليم البنات بمنطقة الحدود الشمالية قصة صنعتها "امرأة"
المغربي: نصاب المديرة 28 حصة ومنزلها كان فندقا للمتعاقدات
عرعر: عبدالله الخدير
وضعت هناء بنت محمد عبدالقادر المغربي اللبنة الأولى ليس في تعليم المرأة في منطقة الحدود الشمالية فحسب، بل في تغيير فكرة "قصر المرأة على المطبخ"، حيث طرحت هناء فكرتها، وأقنعت الآخرين بها، في وقت لم تخدمها فيه الظروف المادية ولا البشرية، لكن هذه المرأة وقفت بشموخ لتصنع من المستحيل حقيقةً، على الرغم من أن المجتمع الشمالي، بل أغلب أطياف مجتمعنا الكبير، حينذاك، لم تكن مهيأة، ولا متحمسة لتعليم البنات في مدارس نظامية تسير إليها البنت بعيدا عن عيون أهلها..عن فكرة البداية تقول المغربي "على الرغم من شح الإمكانيات التي تساعد العملية التربوية - حينذاك - بدأت فكرة التطوع في التعليم. بعد أن لمست أنه لا وجود لتعليم البنات في عرعر، وأن معظم البنات أميات، وأصبحت أعمارهن كبيرة، وحظي منزلنا بكونه أول مدرسة بنات أهلية خيرية في عرعر. بعد أن دعم والدي هذا المشروع الإنساني ورحب به".
رفض تعلم غير القرآن
وتتحدث المغربي عن بدء التنفيذ الفعلي، والصعوبات التي واجهت مشروعها الرائد، فتقول "بدأت أستقبل الطالبات حتى وصل العدد إلى 35 طالبة، فدرّست القرآن الكريم والتفسير المبسط والحساب والعلوم والمطالعة والإملاء والقواعد، وبعد بدء الدراسة بثلاثة أيام انسحبت عشر طالبات لأن أولياء أمورهن لا يريدون أن يدرسن سوى القرآن الكريم، وبقينا أربعة أشهر نفترش الأرض على حصر، وبعدها طلبت من الأهالي التبرع شهرياً كلٌّ حسب استطاعته، فأعطينا المبلغ نجارا صنع لنا طاولات".
نظام الاختبارات
وتحكي المغربي قصة بدء الدراسة الفعلية وسعيها للمدرسة المثال قائلة "بدأتُ التدريس عام 1379هـ، وحدي ودون مساعدة من أحد، وكنت أقلد نظام المدرسة التي تعلمت بها، فعملت بيدي العديد من وسائل الإيضاح من الخامات الموجودة في البيئة، وجاءت النتائج مبشرة. حيث تجاوبت معي الطالبات بشكل مذهل، وكنت كلما أجد تجاوباً أعطي بلا حدود، فصنعت لوائح النظام والتدريس، وبعد ستة أشهر من بدء الدراسة أجريت امتحانا لتصنيف الطالبات إلى فصلين، وكانت النتيجة إما ناجحة أو راسبة، ولا يوجد دور ثان، وبعد ذلك اتبعت خطة الفصول المجتمعة والمعلمة المنفردة، وهنا أصبحت بحاجة إلى كتب دراسية، فأرسلت خطاباً إلى مدير المدرسة الوحيدة الموجودة فاعتذر لشح الكتب، وأرسل قائلا إن لديه كتباً قديمة ومستهلكة، وإذا رغبت بها فهي عهدة عليّ، فوافقت ووقعت واستلمت الكتب، وطلبت من الطالبات الكبيرات الحضور يوم جمعة لنقوم بمعالجة وإصلاح وضع هذه الكتب، وفعلاً قمنا بذلك، وأصبحت أدرّس منهج وزارة المعارف".
الزي الموحد
وتستمر هناء في قص حكايتها فتقول "كنت أرفض بعض المتقدمات بعد تدفق الطالبات، لأنني وحيدة وطاقتي محدودة، فلم يرض عن ذلك بعض الأهالي، وكثرت المضايقات، فقررت إغلاق المدرسة والعودة لإتمام دراستي، وبعد هذا القرار فوجئت بأن مجموعة من أولياء أمور الطالبات قاموا بكتابة معروض رفعوه إلى الأمير عبدالله بن عبدالعزيز بن مساعد أمير الحدود الشمالية لمنعي من السفر، لأني - كما ذكروا -بدأت بمشروع ممتاز يخدم بنات البلد، فقام سموه بمخاطبة جلالة الملك سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - لفتح مدرسة في عرعر، وفعلاً تجاوبت الرئاسة العامة لتعليم البنات، وأرسلت لجنة قررت ضم المدرسة للرئاسة، واعتبارها مدرسة رسمية من ذلك اليوم، ثم عينوني مديرة لها، واستأجروا لها مبنى قديما.
200 طالبة
وعن عدد الطالبات اللاتي التحقن بالمدرسة الحكومية والعوائق التي واجهتها، تقول هناء "ارتفع عدد الطالبات إلى 200 طالبة، وكتبت أول خطاب إلى الرئاسة أخبرتهم فيه بمشكلة كثرة الطالبات ونقص المعلمات والمقاعد والكتب، وبعثته دون رقم وتاريخ، ولم أذكر اسم المنطقة والمدرسة ولم أوقع عليه، وأرسلته بالبريد العادي، وبعد فترة طويلة جاء الرد كما يلي (مديرة المدرسة الأولى بعرعر.. تعرفنا على خطابكم من ختم البريد، ضعي الرقم، والتاريخ، واسم المدرسة، في المرة المقبلة).
منزل المديرة فندق للمتعاقدات
وعن الوضع الداخلي للمدرسة والصعوبات الإدارية التي واجهتها بعد ضم المدرسة للرئاسة قالت المغربي "بعد ضم المدرسة للرئاسة لم تنته معاناتي بل زادت. حيث بقيت فترة طويلة دون إداريات، وأدرّس 28 حصة، ومنزلي أصبح فندقاً للمدرسات المتعاقدات اللاتي أصبحن يتوافدن كل سنة، حيث لا توجد فنادق ولا استراحات في عرعر، آنذاك، ومع هذا، وعلى مدار 30 عاماً قمنا بتخريج الكثير من القيادات التعليمية التي تعمل في أنحاء المملكة، ويكفينا شرفا أن تكون الأميرة جواهر بنت عبدالله بن مساعد آل سعود المساعدة للشؤون التعليمية بالمنطقة الشمالية حاليا من أولى خريجات هذه المدرسة".