رد: اخبار التربية والتعليم ليوم الثلاثاء8-2-1430هـ
الجزيرة:الثلاثاء 8-2-1430 هـ العدد :13277
المعلم الذي نريد (1-2)
ظفر بن محمد الدوسري
مهنة التعليم رسالة عظيمة من أجل الرسالات وأعلاها شأنا، كيف لا، وهي تتعامل مع الإنسان جسداً وروحاً وعقلا، قال الرسول المعلم صلى الله عليه وآله وأصحابه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، وإذا كانت الفلسفات التربوية العقيمة تنظر إلى المتعلم على أنه عقل محمول على جسد فإن إسلامنا جاء بالنظرة التكاملية للإنسان، وبما أننا نعيش في ظل عولمة تهيمن علينا بمتغيراتها التقنية والعلمية والاجتماعية والثقافية، التي تكاد تكتسح ما بقي فينا من مكارم أخلاق؛ فإننا مطالبون معاشر المعلمين بالنظر في أنفسنا وماذا أعددنا للأمانة التي أؤتمنا عليها (الطلاب) الذين يلبثون عندنا ست ساعات هي أعزُ ساعات اليوم، لأنها تأتي في البكور المبارك لهذه الأمة، وكلنا يعلم علم اليقين أن الطالب الآن يأتي إلى المدرسة وهو مشحون الذهن بخبرات أخذها من بيئته (القرية العالمية) وواجب المعلم الناجح هو التعامل مع هذه الخبرات إما بتعديلها أو تغييرها أو تعزيزها وفقاً لثقافتها الإسلامية المصونة ولأن المعلم هو الواقف في وجه هذه التغيرات وهذا التحدي في النظام العالمي الجديد، فإنه مطلوب منه أن يعيد ترتيب أجندته، فلقد انتهى عصر المعلم المحاضر الشاحن الذي يدخل على طلابه وهو ممتلئ بمعلومات حفظها منذ السنة الأولى في تدريسه من كتاب الطالب، فيستفرغ ما بجعبته ثم يذهب ليستفرغها في مكان آخر، وهكذا حتى ينتهي اليوم الدراسي الذي يعد ثقيلاً جداً على الطالب والمعلم إن مورس التعليم والتعلم بهذه الطريقة البائسة التي ترجعنا إلى الوراء، إن المعلم العصري يجب أن يكون (مدرباً) على مجموعة الخبرات التي يريد نقلها إلى المتعلم لتحقيق الأهداف المرسومة سلفاً.المعلم العصري هو الملتزم بدينه قلباً وقالباً، ليس التدين المغشوش أو المنقوص وإنما التدين الوسطي الذي جاء إسلامنا مؤصلاً له، فالمعلم داع إلى الخير هاد إليه طلابه إن رأى ما يخالف أخذ طالبه بعيداً عن زملائه، وحاور وبين لتلميذه أن هذا العمل مخالف لشرعنا الحنيف بالكلمة المنتقاة لا الكلمة الجافية وبالابتسامة المشرقة لا بالوجه العبوس؛ حيث الهدف إيصال هذا الطالب إلى ساحة الأمان الإيماني بإخراجه من العتمة إلى النور، ومن ظلمة الشك إلى اليقين. والمعلم بإيمانه القوي يضع هدف التوحيد لله تعالى والعبودية له فوق كل هدف.إن المعلم العصري المدرك لهموم مهنته يجب أن ينقل تلك العلاقة الرسمية المشحونة بين الطالب والمعلم إلى علاقة أخوية أبوية حميمية، يتلمس أحوال الطلاب لنفسية والاجتماعية، ويُعد طلابه أخلاقياً ونفسياً واجتماعياً، فالمعلم مثلٌ أعلى في نظر المتعلم حتى وإن اهتزت هذه الثقة من قبل المتعلم بسوء فهم منه فيجب أن نعيدها، وهي عملية سهلة ميسورة لمن يجعل التعليم أمانة عظمى؛ وذلك لأن الطالب لا يسمع إلا ممن اقتنع به معلماً له، ولا غرو في ذلك فطالب اليوم أكثر إدراكاً من طالب الأمس يستطيع تصنيف معلميه حسب درجة إمكانية الاستفادة منهم واحداً واحداً، بل إن الطالب يستطيع تصنيف أساتذته حسب درجة إخلاصهم من خلال عطائهم له واهتمامهم به، فهو ذكي حريص على معرفة شخصية أستاذه من خلال حركاته وسكناته، حتى وإن كان هذا الطالب من أقل الطلاب تحصيلاً وحماسة ودافعية.المعلم العصري هو من يتحسس هموم المجتمع ومشاكله ويعرضها على طلابه محاولاً إيجاد الحلول الناجعة بمناقشتها وعرض ملابساتها العلمية بالحوار والنقاش الحضاري المتزن وليكن الهدف هو النأي بالوطن عن كل ما يعكر صفوه من أمور قد يكون الخلاف فيها بسبب سوء الفهم أو التقدير أو وضع الأمور في غير نصابها.المعلم العصري هو الساعي إلى تطوير نفسه بغرض تطوير طالبه فهو متابع كل جديد في تخصصه مستوعب له مطلع على الأبحاث العلمية في تخصصه الأكاديمي، ومطلع على المهارات المهنية والثقافية في ميدانه، يزود نفسه بالخبرات والمهارات والمعلومات، التي تقوده إلى أن يكون معلماً واعياً بكل ما يدور حوله، معلماً يزود طلابه كل يوم بما يستجد حولهم لإشعارهم بأننا نعيش في خضم عالم متموج بكل جديد، فتراه ينمي روح البحث عن الجديد في أذهان طلابه بالقدوة النظرية والتطبيقية.معلم اليوم لا بد أن يحيط بكل روابط البحث والاتصال بمن وما حوله، فقد انتهى الزمن الذي لا تستقى فيه المعلومة إلا من كتاب مطبوع، فعالمنا قرية صغيرة تدار بضغطة زر، المعلم اليوم يجب أن يكون مواطناً عالمي النظرة محلي الثقافة والتوجه، فهو يتفاعل مع الثقافات بإيجابية؛ لأنه قد تحصن بثقافة إسلامية أصيلة فتراه مدافعاً عن الهوية يؤدي الدور الحضاري المطلوب منه حتى يوجد لأمته ووطنه موقعاً في الحضارة العالمية الجديدة يحث طلابه على مواجهة العالم بالإنتاج المعرفي والفكري والتقني بلغة عصرية بعيدة عن التشنج ورفض الآخر وازدرائه.والمعلم الذي يعيش العصر هو من يكون ذا علاقة وطيدة مع مديره وزملاء مهنته داخل المدرسة، بل يتعداها إلى زملاء تخصصه على مستوى المدارس المجاورة وعلى مستوى الوزارة، فهو يتواصل مع الجميع بأخلاق راقية وعلمية فذة، يبحث عن الجديد ويفيد ويستفيد، يعرض ما لديه ويستمع إلى ما عند غيره بتواضع وأدب، إن أعجبه شيء أثنى وشكر، وإن اختلف في شيء مع صاحبه تحاور وبيّن، فتتلاقح الأفكار وتعصر الأذهان فتخرج مادة سائغة للتربية والتعليم يصلح تطبيقها في الميدان حتى تؤتي ثمارها المرجوة بإذن الله؛ لتكون مخرجاً تعليمياً في نهاية الأمر يرتقي بالأمة والوطن والمواطن.والمعلم الذي لا يستشعر كل ما سبق من مواصفات المعلم العصري الناجح - في نظري- هو معلم خلق بال، واجب على صانع القرار تدريبه وإن لم يرد ففي استئصاله خير عميم، فهو معول يؤخر الأمة ويساعد على زيادة تخلفها. حفظ الله هذا الوطن وأهله من كل مكروه.
|