رد: اخبار التربية والتعليم ليوم الثلاثاء8-2-1430هـ
صحيفة اليوم : الثلاثاء 8-2-1430 هـ العدد: 13017
عليكم بالنقد
وليد سامي أبو الخير
النقد الاجتماعي المؤثر هو ذاك الذي يتغلغل في ثنايا الظواهر الاجتماعية فيقع على مكامن الخلل فيها، هذا من حيث المبدأ، لكن من حيث التطبيق فالمشارب شتى إزاء النظر حول ماهية الخلل، ومن هذه الزاوية تتناهى إلى الأسماع وتقع على الأعين أصوات وكتابات متباينة في المعطى والمآل، فمن كان ذا عسرة شخصية نظر إلى ميسرته ورآها هي الحل، إذ السياسي يرى عمق الأزمة سياسية والاجتماعي يراها اجتماعية والديني يراها دينية، وإن شئت العمق أكثر فستجد الاختلاف راجعا إلى الاعتبارات المهنية، فالمعلم يقصر مبتدأ الحل على الجانب التربوي، والاقتصادي يحيله إلى البنية الاقتصادية وهكذا، المهم أن الجميع يعبر عن حاجاته الروحية والفكرية، إذ الإنسان كتلة من الحاجيات التي تأتي في مؤخرتها الماديات، وفي داخل كل منا ميل جارف نحو تفسير العالم وتحركاته.إن جذور أمراضنا الذهنية والاجتماعية لا يمكن العثور عليها إلا في تأمل الإنسان لذاته، أو بعبارة أدق في تأمل الإنسان للبنيات الاجتماعية المحيطة به، حتى يصبح لكل فرد منا حلم اجتماعي يروم تحقيقه، وينادي به ويسعى إليه، إن الحلم ليس موضوعاً مهماً في الوجدان فقط، بل هو وسيلة فعالة للمعرفة، كما رأى الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو، فخلال الحلم ذاته تتجه حركة العقل والتخيل نحو السمو، وتبرز في الإنسان طاقاته النقدية الدفينة، هي اللحظة التي نعثر فيها على الروح الحساسة الفعالة، وهي اللحظة التي تصبح فيها قضايانا الاجتماعية ذات تغير ديناميكي سريع، ليغدو الفصل بين ما هو صحيح وما هو خاطئ مهمة الكل بعد أن كان مهمة البعض، نعم قد يكون البعض منها ذا حلم سطحي بسيط، وهذا أمر راجع إليه بالدرجة الأولى، لكن مجرد وجود مثل هذا الحلم يشكل في ترائيه مع أحلام أخرى مكونات المجتمع الصاعد، المرتقي في سلم الترقي، وعليه لا مشاحاة أن تكون الأحلام متفاوتة، إنما المشاحاة يوم أن تكون متضاربة،.
حلم إرادة الحقيقة هو الشيء الذي قلما يتكلم عنه، تخيلوا لو أن مجتمعاً تكاثر فيه الباحثون الجادون عن الحقيقة ماذا سيكون مآله؟ إن إرادة الحقيقة وتعرجاتها كانت وما زالت محجوبة بالنسبة لنا، وما زال السعي إليها في مجتمعنا محتكراً ومقصوراً على فئة دون أخرى، وربما كان السبب هو جعل النقد الاجتماعي مهمة آخرين وليست هي مهمتنا جميعاً، وبالتالي فالحقيقة غالباً ما تكون مملاة من الآخرين لا نابعة من دواخلنا وحرقتنا لها، ومن هنا يصبح التحرر الاجتماعي منالاً أبعد ما يكون عن الهم الفردي، وبناء على ذلك يصبح النقد الاجتماعي مهمة صعبة جداً ومكلفة جداً تقع على كواهل إناس قلة في وسط مجتمع لا يلقي لقضاياه الاجتماعية العويصة أي بال يذكر.لنتساءل جميعاً ولتتساءل فيما بينك وبين نفسك أيها القارئ الكريم ما هو أنجع أشكال النقد تأثيراً؟يبدو لي أن ما يجب أخذه بعين الاعتبار في إجابة هذا السؤال هو حاجات مجتمعاتنا الدنيا قبل العليا، بمعنى حاجات الفرد العادي، ذاك الذي يحتل موقعاً خاصاً في الوظائف العامة لأجهزة المجتمع، فهو بنقده من خلال موقعه سيأخذ دلالة اجتماعية عامة، وسيضفي صورة جديدة للواقع الحقيقي المحلي، هذا في نظري هو النقد المؤثر، النقد النابع من الإنسان البسيط، الذي لا يأتي آخر الشهر إلا وقد انتهى راتبه وحاول الاستدانة لسد عوزه السحيق،، كل أولئك يزخر بهم مجتمعنا ويزدحم، كلهم معانون، لكنهم في قرارة ذواتهم لم يكونوا الصوت المؤثر لمعاناتهم، لقد وكلوا من حيث يشعرون أو لا يشعرون مهمة الحديث عن معاناتهم إلى ذلك المثقف البرجوازي، الذي لا يعاني عشر معشار ما يكابدون.
|