رد: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا
ـ 10 ـ
معنى الوسط في آية سورة البقرة:
وتلك المعاني التي أسلفت، إنما هي قبَس من الآية الكريمة التي وصفت هذه الأمة "الوسط " بهذا الوصف، حيث قال الله تعالى في سياق آيات تحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام، وبها تحولت قيادة البشرية إلى هذه الأمة:
]وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا وما جعلنا التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وان كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله وما كان الله ليضيع إيمانكم إن الله بالناس لرءوف رحيم) [ البقرة: 142 ـ 143 ].
يعنى بقوله (( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً )) أي: كما هديناكم أيها المؤمنون بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبما جاءكم به من عند الله، فخصصناكم بالتوفيق لقبلة إبراهيم وملته وفضلناكم على من سواكم من أهل الملل، كذلك خصصناكم وفضّلناكم على غيركم من أهل الأديان، بأن جعلناكم أمة وسطاً.
وقد اختلفت عبارات العلماء في معنى " الوسط " في الآية الكريمة فذكروا أقوالاً أربعة:
( الأول ) ـ الوسط هو العدل، ويدل على هذا قوله تعالى: (( قال أوسطهم )) أي أعدلهم. وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (( أمة وسطاً )) قال: عدولاً. وهو منقول عن أئمة اللغة، وقال زهير بن أبي سُلْمىُ:
هموَسَطٌ تَرْضى الأنامُ بِحُكْمِهمْ إذا نزلتْ إحدى الليّالي بِمُعَظَمِ
ويؤيد هذا من حيث المعنى: أن الوسط حقيقة هو البعد عن الطرفين، ولا شك أن طَرَفي الإفراط والتفريط رديئان، فالمتوسط في الأخلاق يكون يعيداً عن الطرفين، فكان معتدلاً فاضلاً.
ورابعاً:نما سمي العدل وسطاً لأنه لا يميل إلى أحد الخصمين، وثالثاً: لا شك أن المراد بالآية المدح للأمة، فلما مدحهم بهذا الوصف دل على أنه يتعلق بالمدح في الدِّين، ولا يمدح الله تعالى الشهود حال حكمه عليهم بكونهم شهوداً إلا بكونهم عدولاً. ورابعاً : أن أعدل الأمور الوسط البعيد عن الأطراف التي يتسارع إليها الخلل والفساد ، والوسط محميَّة أطرافه .
( القول الثاني ): الوسط من كل شيء خياره. وهذا أولى من القول السابق ـ كما قال بعضهم ـ لأنه مطابق لقوله تعالى: ] كُنْتُمْ خَيْرَ أمَّةٍ أُخْرِجَتْ ِللنَّاسِ [[ آل عمران، 11 ]
( القول الثالث ): الوسط: الأكثر فضلاً، فإذا قيل: فلان أوسطنا نسباً، فالمعنى أنه أكثر فضلاً. وهذا وسط فيهم كواسطة القلادة.
( القول الرابع ): يجوز أن يكون وسطاً على معنى أنهم متوسطون في الدِّين بين المُفْرط والمفرّط والغالي والمقصر في الأشياء، فهم وسط بين اليهود والنصارى ـ كما تقدم.
وبالنظر في هذا الأقوال نجدها متقاربة غير متنافية، فهي تؤدي معنى واحداً، أو تتلاقى في المعنى والنتيجة وإن اختلفت في العبارة، وهذا ما يسميه العلماء اختلاف التنوع. والله أعلم
[1]
[1] - انظر:(( تفسير الطبري)) : 3 / 141،(( تفسير الفخر الرازي )): 4 /.7 ،(( تفسير ابن كثير)): 1/ 275.
|