رد: وكذلك جعلناكم أمة وسطًا
ـ 12 ـ
مسؤولية الأمة المسلمة ودورها:
وهذه الوسطية للأمة المسلمة هي التي حددت وظيفتها الضخمة في هذه الأرض، ودورها الأساسي في حياة الناس، فهي تشهد على الناس جميعاً، فتقيم بينهم العدل والقسط، وتضع لهم الموازين والقيم، وتبدي فيهم رأيها فيكون هو الرأي المعتمد، وتزن قيمهم وتصوراتهم وتقاليدهم وشعاراتهم فتفصل في أمرها، وتقول: هذا حق وهذا باطل.. وهي لا تقوم بهذه الوظيفة إلا إذا كانت حاضرة شاهدة؛ فإن الشهادة تدل على حضور وعلم وإعلام أو إخبار، وبهذه الشهادة تقام الحقوق وتصان العدالة، وتحفظ الكرامة للإنسان، وتبنى الحضارة الإنسانية التي تتطلع إليها الأجيال المعاصرة، بعد أن أنهكها الصراع، وتقاذفتها الأنظمة والأهواء البشرية، ومزقت كيانها النفسي في رحلة الضياع التي تقلبت فيها بين طغيان الكنيسة الأوربية ورجالها إلى عقلية أوربية مثالية، إلى حسية وضعية ومنفعة مادية.. وعندئذ شقيت البشرية بما عرفت من استعمار وأطماع، وبما وصلت إليه من سقوط أخلاقي تجده ظاهراً في تفاهات الجنس والعري والمخدرات وانتشار كل أنواع الجرائم والموبقات...
ولئن آل حال هذه الأمة المسلمة إلى ما نعرفه اليوم من تخلف وحرمان ، حيث سبقتنا الأمم الأخرى أشواطاً كبيرة في مجال العلم والصناعة والمادة ... وأصبحنا نقتات على فتات موائدهم، لئن كان ذلك فإن مقومات الشهادة والريادة ـ مرة أخرى ـ متوفرة كامنة في هذه الأمة، فهي وإن لم تستطع ـ الآن على الأقل ـ أن تقدم للعالم علماً مادياً وتقنية ومدنية.. فإنها تستطيع أن تقدم للبشرية الحائرة نظاماً إلهياً يستنقذها مما تعاني منه، ويرتفع بها إلى مستوى إنسانيتها.
|