[صقر قريش]

الجزيرة:الثلاثاء 15 صفر 1430هـ العدد:13284
تعقيباً على الحميضي: أعظم خطأ في المنهج الديني تهميشه للمستوى العُمري والعقلي للطلاب
تركي بن سعد البواردي
رئيس تحرير صحيفة الجزيرة المحترمين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قرأت في عددكم رقم 13272 يوم الخميس الموافق 29-1-2009م مقالا للأخ محمد الحميضي عنونه ب (مناهجنا وغيابها عن واقعنا الاجتماعي) ولفت انتباهي حديثه عن ثلاث نقاط:
1 - أن المناهج لا تزال بعيدة عن واقعنا الاجتماعي.
2 - أن المناهج لا تزال بعيدة عن الواقع للطلاب.
3 -أن المناهج لا تحفز الطلاب على التفكير والإبداع.
وبحكم تدريسي في فترة سابقة للمواد الدينية في المرحلة الابتدائية والثانوية ولحق الطلاب والطالبات علينا في بيان معاناتهم وواجبنا تجاه الأجيال القادمة سأقتصر في حديثي عن المناهج الدينية.. إن مشكلتنا مع المناهج الدينية في المراحل التعليمية ليست في شرعية وجودها من عدمه ضمن المناهج الدراسية بل في كونها تفتقر لأبسط أسس المعرفة العلمية ومراعاتها للمصلحة العامة والخاصة وظروف العصر ومتطلبات التنمية.. وإن تكرار الشكوى من المناهج بين فترة وأخرى يدلل على وجود خطأ يجب الاعتراف به.. وإن أعظم خطأ أو سلبية في المنهج الديني هو تهميشها للمستوى العمري والعقلي للطلاب.. فلو أخذنا مادة التوحيد للصف الرابع الابتدائي نلاحظ وجود درسين أو ثلاثة بعنوان نواقض الإسلام لشيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وخلل هذا الدرس في أمرين:
1 - عدم ملاءمته لأعمار الطلاب في هذه المرحلة بالذات ومن يقرأ النواقض يعرف المقصود مع العلم أن طلاب العلم في المساجد والذين تتجاوز أعمارهم الـ 15 سنة يثلثون بها حفظاً ودراسة بعد الأصول الثلاثة والقواعد الأربع.
2 - صياغة المادة العلمية فنواقض الإسلام وضعت ضمن المنهج كما ألفها شيخ الإسلام قبل 240 سنة تقريباً.
وفي مادة الفقه للصف الرابع يدرس الطلاب صفة الوضوء ثم درس في شروطها وآخر في واجباتها وآخر في سنتها وآخر في نواقضها.. (ألا يكفي أن يعرف الطالب كيف يتوضأ).
وأما المرحلة الثانوية فحدث ولا حرج فمن ذلك:
أ - مسائل اجتهادية تملأ بها المناهج وترجع لاجتهاد شخصي تخالف ما عليه الإفتاء العام في البلد- مسائل الطلاق البدعي كمثال - مادة الفقه للصف الثالث ثانوي طبيعي.
ب - البعد عن الواقعية في بعض المسائل المبنية على الاجتهاد والتي لا نص فيها.. فنجد أن واضعي المناهج ينسخون من كتب المذهب الحنبلي المسائل الفقهية من دون تمحيص.. ومثاله درس العدة أنواع المعتدات مادة الفقه للصف الثالث ثانوي طبيعي.. فقد جاء في الدرس ما نصه (أنواع المعتدات 5 - من ارتفع حيضها ولم تذر سبب رفعه فعدتها سنة.. تسعة أشهر للحمل وثلاثة للعدة وذلك لقضاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك ولم ينكر عليه أحد من الصحابة ) أ.هـ. وبعد الرجوع لكتب المذهب وجدت في كتاب منار السبيل لابن ضويان وهو كتاب مقرر في الكليات الشرعية ما نصه (ومن كانت تحيض ثم ارتفع حيضها قبل أن تبلغ سن الإياس ولم تعلم ما رفعه فتتربص تسعة أشهر للحمل لأنها غالب مدته لتعلم براءة رحمها ثم تعتد عدة الآيسة ثلاثة أشهر.. قال الشافعي هذا قضاء عمر بين المهاجرين والأنصار لا ينكره منهم منكر فصار إجماعاً قاله في الكافي والشرح) أ.هـ. إذا العلة في تكليف المرأة في أن تعتد سنة كاملة هو التأكد من براءة الرحم.. وأعتقد أننا في زمن نقدر فيه على ذلك من دون تكليف ما لا يطاق.
ج - التفصيل المذموم والممل للمسائل الفقهية والعقدية فمن ذلك:
ما ورد في مادة التوحيد للصف الثاني شرعي وطبيعي في درس الفرق الضالة في أسماء الله وصفاته مع الرد عليها.. فذكر المؤلف قول المشبهة ثم المعطلة ويتفرع منها الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والماتريدية وذكر أقوالهم ثم رد عليهم من ستة أوجه.. هل طلابنا بحاجة إلى هذا وهل تفقه عقولهم هذا الخلاف.. مع العلم يا سادة أن هذه المرحلة ليست مكانا مناسباً لذكر خلافنا العقدي مع الآخرين.ومن ذلك ما ورد في مادة الفقه للصف الثالث طبيعي في درس تعليق الطلاق ما نصه (وإذا قيل إذا أو متى لم أطلقكِ فأنت طالق ومضى زمن يمكن إيقاعه فيه ولم يفعل طلقت.. وإن قال إن طلقتك فأنت طالق ثم قال إن قمت فأنت طالق فقامت طلقت طلقتين الأولى بقيامها والأخرى بتطليقها الحاصل بالقيام وإن قال إن كلمتك فأنت طالق فاسكتي طلقت لأنه تكلم بكلمة فاسكتي بعد الانتهاء من تعليق الطلاق)أ.هـ.
د - علم لا يستفيد منه الطلاب جملة وتفصيلاً فمن ذلك:
منهج الفرائض المقرر على طلاب الصف الثاني ثانوي شرعي.. وعلم الفرائض علم يتعلق بمعرفة مقدار ما يستحقه كل وارث من الميراث وهو علم دسم من أوله وحتى أحوال البنت لأب فأكثر في الميراث فكيف وقد أضيف له باب الحجب والتأصيل وأصول المسائل والعول والرد.. مع العلم أن هذه المادة تدرس بكاملها لطلاب أصول الدين والشريعة في الجامعات مع صعوبتها عليهم فكيف بمن تتراوح أعمارهم بين الـ 17 - 19 سنة.. مع العلم أن الفصل الدراسي الأول لمادة الفقه للصف الثاني ثانوي يحتوي على 37 درس فقهي في البيوع من أول أحكام المعاملات الشرعية مروراً بآداب التجارة والبيوع والتصرف في المبيع قبل قبضه والخيار والإقالة وبيع العربون... الخ.. ثم يبدأ الفصل الدراسي الثاني من درس المسابقة ثم القمار والوصية وقواعد في المعاملات وأنواع العقود ثم درس الفرائض من صفحة 150 وحتى صفحة 237.. والمنهج كما ترون كبيراً جداً ولا تتحمله عقول وقلوب الطلاب.. لذا لا تلوموا الطلاب إذا أخفقوا في هذه المادة!!أما طالبات المرحلة الثانوية فالله يتولاهم وهو حسبهم ونعم الوكيل: ومثال واحد يفي بالغرض ومنه ما ورد في مادة الفقه للصف الثالث ثانوي شرعي بنات الدرس الحادي عشر (المهر تحت عنوان مهر المثل) ما نصه (إن أصدها مالا مغصوباً أو خنزيراً أو خمراً وجب لها مهر المثل لفساد التسمية)أ.هـ. المنهج شديد التكلف والتعقيد والإسهاب في ذكر الافتراضيات وألفاظ المتون الفقهية.وسؤال أخير لواضعي المناهج أين أنتم من تعليم الطلاب والطالبات حب الفضيلة والدفاع عن أنفسهم وكيف يتولون قيادة الدفة في حياتهم وكيف يضطلعون بالمسؤولية.. كيف يدركون أن عالمهم الخارجي هو مجرد انعكاس لعالم يسيطرون هم عليه وأن كل شيء يحدث إنما يحدث تبعاً لنياتهم.. كيف يطورون الصفات الروحية لديهم كيف ينمون علاقتهم مع أنفسهم ليحصلوا على بناء الثقة وتقدير الذات.. كيف يوجهون وقتهم وطاقاتهم إلى ما يريدون تحقيقه في المستقبل..كيف أن الرغبة في التحسن المادي والمعنوي لا تعتبر أنانية أو جشع وراء المال بل هي نتيجة لاحترام الفرد لذاته وإدراكهم العميق بأنهم جميعاً مؤهلون لحياة أسمى وأفضل.. كيف أنهم جزء من المجتمع العالمي وأن كل واحد منهم لديه مسؤولية الوعي بالارتباط بالعالم من حوله.. كيف يواجهون الفشل ويكونوا على استعداد للخروج منه.. كيف نرسخ فيهم أن العالم والدولة جزء منه ليس مديناً لهم بتأمين معيشتهم إن هم تخاذلوا أو تهاونوا عن تقديم الأفضل في حياتهم العلمية.