رد: اخبار التربية والتعليم ليوم الارربعاء 23/2
عكاظ : الأربعاء 23-2-1430هـ العدد : 2803
الغرق في البحور الأجنبية
عزيزة المانع
يتعرض هذه الأيام مجتمعنا المحلي والخليجي لمد متدفق من المؤسسات التعليمية الأجنبية على المستويين العام والعالي، وتبع هذا بطبيعة الحال نمو مستمر ومتزايد في أعداد الطلاب والطالبات الذين يلتحقون بتلك المؤسسات، مدفوعين بعاملين أحدهما ما في المؤسسات الأجنبية من مغريات تعليمية، والآخر ما في التعليم المحلي من ضعف عام يدفع بالبعض إلى الفرار منه.وفي الآونة الأخيرة تصاعدت حمى الالتحاق بمؤسسات التعليم الأجنبي في دول الخليج العربية حتى بات أشبه بالموضة، وصار ينظر إليه على أنه دلالة على الانفتاح والتقدم الحضاري، مما أسهم في تنامي أعداد المؤسسات الأجنبية في تلك الدول بصورة تنبئ بالخطر، بل إن الأمر بلغ ببعض دول الخليج أن أخذت تصبغ مؤسساتها التعليمية المحلية بالصبغة الأجنبية سواء في اللغة أو هيئة التدريس أو المناهج، حتى ما عاد لها من السمة المحلية سوى الاسم.هناك كثيرون يرون في التعليم الأجنبي حلاً لمشكلات التعليم المحلي، فالتعليم الأجنبي يتسم بمزايا يبحث عنها الآباء في تعليم أولادهم مثل الاهتمام ببناء الشخصية وتنمية مهارات التفكير العلمي والنقدي، وإجادة اللغات الأجنبية، والإعداد لسوق العمل وما شابهها من مزايا يفتقر إلى مثلها التعليم المحلي. ولكن هؤلاء الآباء ينسون، في غمرة حماستهم للبحث عن تعليم أفضل لأولادهم، أن التعليم الأجنبي وإن اتسم بسمات مميزة يحتاج إلى اكتسابها المتعلمون، هو في الوقت نفسه يحرمهم من جوانب تربوية أخرى ذات أهمية عظمى في تكوين المواطن الصالح، فالتعليم الأجنبي يضعف فيه الارتباط باللغة العربية والتراث والبيئة المحلية، كما أنه لا يعلم الطلاب شيئاً عن الولاء والانتماء للوطن، ولا يعنيه أمر بلورة الهوية الوطنية ودعمها، كما أنه لا يهمه تعزيز الأمن القومي وترسيخ مقومات الوحدة الوطنية. إضافة إلى هذا، هو يسهم في تعميق الفروق الثقافية بين أفراد المجتمع الواحد، ذاك أن تعدد الثقافات التي تنتمي إليها المؤسسات التعليمية الأجنبية يتوقع أن ينشأ معه الجيل القادم متعدد الانتماءات الثقافية، فتظهر جماعات أمريكية النزعة، وأخرى فرنسية الميل، وثالثة انجليزية الهوى ورابعة محلية الصنع وهكذا. وغني عن القول إن تعدد الانتماءات الثقافية بين أفراد المجتمع بهذه الصورة المتنافرة، يضيق مساحة التجانس ومن ثم تقل احتمالات الانسجام والتوافق بين أفراد المجتمع فيكون ذلك سبباً في ظهور الصراع بينهم.إن الاحتفاء بالتعليم الأجنبي وفتح الباب له بهذه الصورة الواسعة يعبر عن الشعور باليأس من إصلاح التعليم المحلي، أو عدم الرغبة في بذل الجهد وتحمل المشقة من أجل إصلاحه وتفضيل انتهاج الطريق السهل وهو استيراد التعليم اطراداً مع استيراد بقية الاحتياجات، ولكن إن كان استيراد المجتمع لاحتياجاته المادية، ينعكس أثره على الجانب المادي فقط، فإن استيراد التعليم ليس كذلك، فحين تستورد أمة تعليمها هي في مقابل ذلك تبيع أدمغة أبنائها وقلوبهم
|