الدعم الحكومي أهم حصانة لحماية الاقتصاد السعودي من آثار الأزمة
براد بورلاند *
تغيرت تأثيرات الأزمة المالية على الاقتصاد السعودي بعد تحولها من أزمة مالية إلى ركود اقتصادي خلال الأشهر القليلة الماضية. ورغم أن التدابير الجريئة التي اتخذتها الحكومة قد أدت إلى تحسن الأوضاع المالية المحلية بدرجة كبيرة بالإضافة إلى طمأنتها للمودعين والمستثمرين بشأن سلامة القطاع المصرفي، إلا أن أسعار النفط والأسهم انحدرت إلى أدنى مستوياتها منذ عدة سنوات، وتشير الدلائل المتوافرة إلى أن النشاط الاستهلاكي التجاري أخذ في التراجع خلال الأشهر الأخيرة القليلة من عام 2008.
وتعني مجموعة التدابير التي تم اتخاذها والمتمثلة في خفض أسعار الفائدة وخفض متطلبات الاحتياطي الإلزامي وضخ السيولة في القطاع المصرفي أن عملية حصول الشركات السعودية على التمويل من المصارف المحلية أصبحت الآن أسهل مما كانت عليه الحال في الفصل الأخير من العام الماضي، وبالفعل هبطت أسعار الفائدة على قروض البنوك بدرجة كبيرة. لكن وبدون شك لم تعد الأوضاع إلى طبيعتها حيث نجد أنه رغماً عن هبوط أسعار الفائدة بين البنوك (الأسعار التي تقرض بها البنوك بعضها بعضاً) إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق (حالياً يبلغ سعر فائدة القروض بين البنوك لأجل 3 أشهر 1,15 بالمائة) إلا أن الفرق بين سعر فائدة القروض فيما بين البنوك وسعر الفائدة المطبق على الشركات يعتبر بصفة عامة أعلى مما كان عليه قبل عام.
ويظل توافر التمويل يمثل مشكلة لبعض المشاريع العملاقة وذلك لأن قطاع البنوك المحلية ليس كبيراً بالمستوى الذي يؤهله لتوفير التمويل اللازم لمثل تلك المشاريع. وكانت عمليات التمويل الكبيرة في السابق تتم من خلال قروض يوفرها تحالف ممولين من بينهم بنوك أجنبية وكذلك عن طريق جمع أموال من أسواق الأسهم والدين المحلية عبر الاكتتابات الأولية وإصدارات السندات وخاصة الصكوك، لكن البنوك الإقليمية والعالمية أضحت أكثر حذراً الآن إزاء الأسواق الأجنبية بينما تعتبر أسواق الأسهم والدين في الوقت الحالي مغلقة بصورة فعلية.
لكننا لا نرى نفس هذه القيود بالنسبة للمشاريع التي تمولها الحكومة، بل نلاحظ أن الحكومة تدعم بشدة برامجها للاستثمار الرأسمالي الذي يمتد لسنوات وبمقدورها أن تمول بسهولة هذا البرنامج عن طريق السحب من احتياطيها من النقد الأجنبي (بلغ صافي قيمة الموجودات الأجنبية لمؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» حوالي 442 مليار دولار في نهاية ديسمبر) وكذلك من ودائعها لدى البنوك المحلية (التي بلغت 64 بليون دولار بنهاية ديسمبر). بالإضافة إلى ذلك اتخذ صندوق الاستثمارات العامة عدة خطوات لزيادة دعمه للمشاريع في المملكة.
الأصول الخارجية لـ «ساما» ستدعم الإنفاق
ويتوافر هذا الدعم الحكومي السعودي بالرغم من انهيار أسعار النفط الذي يعتبر مصدر ما يقارب 90 بالمائة من إيرادات الدولة. أما التوقعات على المدى القريب بالنسبة للطلب العالمي على النفط فتأتي ضعيفة على الرغم من أن خفض أوبك لإنتاجها قد ساعد على استقرار أسعار النفط عند حوالي 40 دولاراً للبرميل، إلا أن رفع سعره فوق مستوى 50 دولاراً بشكل مستقر لن يتحقق إلا في حالة حدوث انتعاش واضح في الاقتصاد العالمي (في تقديرنا أن ميزانية المملكة للعام 2009 بُنِيت على افتراض أن سعر النفط سيبلغ 48 دولاراً للبرميل لخام غرب تكساس القياسي). لكن إذا كان سعر 35 دولاراً للبرميل هو أدنى مستوى سجله النفط أثناء أصعب فترات الركود خلال أكثر من 50 عاماً فذلك يعني أن التوقعات بشأن الأسعار على المدى المتوسط تبدو جيدة. كذلك أدى هبوط أسعار النفط مقروناً بالتراجعات الحادة في جميع أسواق الأسهم العالمية تقريباً إلى دفع سوق الأسهم السعودي إلى الأسفل، حيث نقدِّر في جدوى هبوط قيمة محافظ المستثمرين في سوق الأسهم السعودي بحوالي 150 بليون دولار في الفصل الأخير من العام الماضي. وكان سوق الأسهم السعودي قد انخفض بنسبة 56 بالمائة لكامل عام 2008 وأنهى العام متداولاً عند مكرر ربحية متأخر (لفترة عام سابق) يبلغ 12,7 مرة، وجاء عند أدنى مستوى له منذ ما يقارب 5 سنوات بحلول نهاية فبراير. لقد أسهمت كافة العوامل أعلاه في ضعضعة ثقة المستهلك وقطاع الأعمال كليهما، وبما أن المملكة لا تزال تعتبر حديثة عهد بالمعايير الأساسية لقياس الثقة فقد بنينا افتراضاتنا على التالي:
• تراجع نشاط نقاط البيع (مؤشر لمبيعات التجزئة) وخطابات الاعتماد المفتوحة (مؤشر لإنفاق الشركات) على أساس سنوي في أكتوبر، بينما تسارعت وتيرة الهبوط في الأشهر التالية.
• تشير التقارير إلى هبوط مبيعات السيارات خلال الأشهر الأخيرة حيث يواجه المشترون صعوبة في الحصول على قروض التمويل بالإضافة إلى مخاوفهم بشأن احتمال إفلاس كبرى شركات تصنيع السيارات، ويدور الحديث عن تخفيضات هائلة في الأسعار على نطاق واسع.
• هبطت أرباح الشركات المدرجة في سوق الأسهم بشدة في الفصل الرابع، وكان الهبوط الأكثر حدة من نصيب الشركات التي يرتبط نشاطها بالأسواق العالمية (سواء كان ذلك من خلال الاستثمارات أو أسعار السلع أو أسواق التصدير) مثل شركات البتروكيميائيات وشركات الاستثمار المتعدد، أما الشركات التي تحرك أنشطتها المعطيات المحلية مثل شركات التطوير العقاري فقد جاء تراجعها أقل حدة.
مؤشرات النشاط الاقتصادي
نتوقع أن يلعب الإنفاق الحكومي دور المحرك الرئيسي للاقتصاد هذا العام وستكون الثقة هي العامل الأساسي في تحديد أداء القطاعات الاقتصادية غير المرتبطة بتنفيذ العقود الحكومية وأسواق الأسهم، حيث ان الثقة المحلية أصبحت تتأثر بشدة بما يحدث في الاقتصاد العالمي، والبقية في التقرير القادم.
* رئيس الدائرة الاقتصادية والأبحاث في جدوى للاستثمار