د. سامي النعيم
تاريخ صناعة البترول السعودية (3/3)
د. سامي النعيم
ذكرت في الأسابيع الماضية الأحداث التاريخية التي تمثل بداية صناعة البترول السعودية ابتداءً بالتقرير السلبي للشركة الإنجليزية و مروراً بالنظرة الثاقبة لجلالة الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه المتمثلة في دعوته لشركة سوكال (شيفرون) الأمريكية للتنقيب عن البترول في المملكة والذي أدى الى توقيع اتفاقية امتياز التنقيب عن البترول بين الحكومة السعودية و شركة سوكال عام 1933م, و انتهاءً ببدأ أعمال الحفر في حقل الدمٌام عام 1935م. بعد توقيع اتفاقية الامتياز, بدأت الشركة الأمريكية بإحضار المعدات اللازمة للتنقيب والحفر من الخارج عن طريق السفن و ذلك عن طريق ميناء الجبيل, و بدأت عمليات الحفر و استمرت لعدة سنين بدون أي نجاح يذكر ابتداءً ببئر الدمام 1 ثم الدمام 2 ثم الدمام 3 ثم الدمام 4 ثم الدمام 5 ثم الدمام 6, و كان الحفر يصل إلى نفس العمق الذي اكتشِفَ فيه البترول في البحرين. مع مرور الوقت, كانت الضغوط تزيد على المسؤلين في شركة سوكال الأمريكية لارتفاع تكاليف التنقيب و الحفر مما أدى إلى اضطرار شركة سوكال إلى بيع 50% من الامتياز لشركة تكساكو الأمريكية وذلك عام 1936م. أُطلق على الشركة الجديدة اسم شركة كاليفورنيا و تكساس للبترول. بعد مرور ثلاثة أعوام من الحفر و خمسة أعوام على اتفاقبة الامتياز كانت الأخبار السيئة بعدم اكتشاف البترول تصل إلى مركز الشركة في سان فرانسكو بولاية كاليفورنيا الأمريكية, فأصبح جميع المسؤولين في الشركة في حالة تشاؤم شديدة لعدم نجاح مغامرتهم في المملكة, و كانوا على وشك سحب أعمال الشركة والرجوع إلى أمريكا. في تلك الحقبة العصيبة من الزمن كان هناك ضمن جيولوجيي الشركة في الظهران جيولوجي يُدْعى ستاينكي الذي قام بعمل مسح جيولوجي للمنطقة عام 1937م, من خلال هذا المسح تولد لدى ستاينكي إحساس قوي بوجود كميات تجارية من البترول في المنطقة. قبل اتخاذ قرار وقف عمليات الحفر بأيام معدودة و بناءً على توصيات مهندسي و جيولوجيي الشركة, أخِذ قرار حكيم بتعميق بئر الدمام 7 عما وصل إليه الحفر سابقاً. فكانت اللحظة المباركة بتدفق أول قطرة بترول من هذه الأرض المباركة لِتحقق بذلك النظرة الثاقبة لجلالة الملك عبد العزيز رحمه الله والإحساس القوي لدى الجيولوجي الفذ ستاينكي. كان ذلك في يوم الرابع من مارس من عام 1938م و الذي يمثل الانطلاقة الفعلية لصناعة البترول السعودية وابتداء عهد جديد قاد المملكة العربية السعودية الى مصاف الدول الحضارية المتقدمة. واعترافاً بفضل هذا الجيولوجي الفذ (ستاينكي), أطلقت شركة أرامكو السعودية هذا الاسم على أحد مباني الشركة في الظهران, لتخليد اسمه كأحد رجالات صناعة النفط السعودية الأوائل. في عام 1944م دخلت شركة ستاندرد أويل أوف بيوجرسي(إكسون) و شركة سكوني فاكيوم(موبيل) كشريكين في الامتياز مع شركة سوكال(شيفرون) و تكساكو و تكونت الشركة العربية الأمريكية للبترول (أرامكو). منذ ذلك الوقت و بقرار يدل على البعد الاستراتيجي للحكومة السعودية, استمرت الحكومة في شراء أسهم هذه الشركة إلى أن تم امتلاك 100% من أسهما في بداية الثمانينات في عهد جلالة الملك فهد رحمه الله و من ثم تغير اسم الشركة إلى أرامكو السعودية. تطورت و توسعت أعمال شركة ارامكو السعودية بشكل جعلها تحتل المرتبة الأولى على مستوى شركات البترول العالمية في العشرين السنة الماضية, و مازالت تمضي على خطا ثابتة بأياد سعودية و بقيادة سعودية ابتداءً بمعالي المهندس علي النعيمي ثم الأستاذ عبدالله جمعة وأخيراً المهندس خالد الفالح للبقاء في مقدمة صناعة النفط العالمية واستمرار المملكة بإدخال السعادة والسرور في قلوب آلاف الملايين من البشرالذين يستخدمون بترول هذا البلد المبارك في جميع مجالات حياتهم اليومية.
جمعية مهندسي البترول العالمية