محمد المعيبد
الاستثمار في المنشآت الصغيرة
محمد المعيبد
عندما يتبادر إلى ذهن أي فرد البدء في مشروع استثمار صغير، يبرز له سؤال عن المجال والحجم المالي الممكن استثماره تحت هذا التصنيف المرن والمطاطي، لأن مبلغ 50 ألف ريال قد يكون صغيرا في تخصص، ومليون قد يكون هو الآخر صغيرا في مجال آخر، وقد تصبح 50 او 100 مليون صغيرة هي ايضا في المجالات الأوسع، وهذا ما نعنيه بالمرونة، بحيث تتشتت الافكار وتنتهي الى اليأس، لوجود كيانات اقتصادية كبيرة تغطي كل المشاريع المستهدفة، مما يجعل التصور عدم القدرة على الصمود امامها في اي مجال يطرقه.
وهذا الاعتقاد فيه شيء من الحذر المحبط للعزيمة في اتخاذ القرار، حيث لو نظرنا الى الافق الابعد لاتسعت الرؤية وتعدد الافكار وتنوعت الاطروحات فلو تمعنا جيدا في هذه الكيانات الكبيرة لوجدناها هي المفتاح الحقيقي للمشاريع الصغيرة، وقد تكون هي الحاضنة لها، وهي التي سوف ترعاها وتنميها عكس التصور بأنها تنافسها.
فلو أخذنا بالقياس مصانع السيارات وحددنا مدخلاتها في الانتاج، لوجدنا مئات المواد من حديد، المنيوم، جلد، بلاستيك، زجاج، قماش، مطاط، كهرباء من اسلاك، مفاتيح، بطاريات وفيوزات، وكذلك الميكانيكا ومشتقاتها من خراطة، كبس، فك وروبط والبويات والزيوت، وغيرها الكثير التي تشكل عناصر اساسية لاستكمال صناعة السيارة، وهي خارجة عن الاصل، وهو تصميم المحرك والهيكل العام للسيارة، ومن مهمات المصنع وضع المواصفات لتلك المدخلات، ليتم دمج هذه المدخلات لتتواءم مع التصميم، وهذا يقوم ايضا بمراقبة تجانسها وتألفها في وحدة المنجز، ومراقبة كلفة الانتاج، وملاءمتها لمنافذ التصدير، وقدرتها على المنافسة، وايجاد وكلاء للمناطق، وتوسيع رقعة الانتشار في ارجاء المعمورة.
ولهذا فهو لايستغني عن تلك المنشآت الصغيرة، بل يسعى جادا لاحتضانها وتشجيعها للاستثمار والازدهار، ليضمن الجزئية الاساسية في مدخلات انتاجه، فهو لم ولن يكون منافسا، بل رافدا وممولا في كثير من الاحيان.
وعلى هذا المنوال يمكن قياس بقية المصانع الضخمة، التي تسير على هذا النهج في مدخلاتها. ولدينا من الامثلة في مصانع سابك ما يعطينا القناعة الكافية، عندما تحولت مدينة الجبيل وينبع الى ورش وخدمات مستظلة تحت دعم ومؤازرة سابك، ناهيك عن المشروعات التي تولدت عن هذا التزاوج الانتاجي بين مصانعها الضخمة، التي فرخت مشروعات اصغر واصغر، بما يخدم مصالح الجميع.
فإنتاجك قد يكون أحد مدخلات منتج آخر، وهكذا يدور الفلك الانتاجي، ولو أخذنا مثالا أصغر من سابك، وهو مصنع مكيفات، وتعرفنا على مدخلاته، لوجدناه يحتاج الى فلاتر، اسلاك، اطارات الالمنيوم، الترموستات، شبكة الفريون النحاسية، المسامير والبراغي وغيرها الكثير، وكل واحدة منها تحتاج الى ورشة انتاج مستقلة، ولايمكننا ان نطلق عليها منافسة لمصانع التكييف، وفي نفس الوقت لا يمكن لتلك المصانع الاستغناء عنها، بل هي مجبرة على تشجيعها واحتضانها، ومد يد المساعدة لها، لأنها تغطي جزئية مكملة لانتاجها.
ومن هنا تأتي الى المحاذير التي تعرقل الافكار من بدايتها، دون التبصر في ماهيتها، وهل هي محاذير سالبة لاتخاذ القرار ام موجبة، مما سبق ينضح انها مخاوف وتردد غير مبرر، لاننا لا نعطي الفكرة مداها الحقيقي في التقصي عن جدواها الفعلية وامكانياتها في الابحار، للوصول الى شواطئ الامان الذي يجعلنا مطمئنين لتنفيذها.