رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الجمعة16/3
المدينة:الجمعة 16-3-1430 هـ
14= مكالمة لم يُردّ عليها
سعود الصاعدي
- ياله من حلم مزعج ، أرجو أن يكون الجميع بخير ، فالمكالمات التي تظلّ حبيسة الجهاز كثيرًا ما تقلقني . إنها لا تأتي ، غالبًا ، إلا بالأحداث المزعجة ، يا لهذا الصباح المخيف .قال ذلك ، و بعد أن فرك عينيه جيّدًا ، ضغط زرّ الهاتف ، فرأى اسمًا واحدًا فقط . كان اسم أحد أصدقائه في كازينو النخيل . وكان وجود مثل هذا الاسم يعني أشياء كثيرة ، أحداث جديدة ، مصائب ، خصومات . كل هذه الأشياء محتملة طالما أنّ هذا الاسم يحتفظ بنفسه على شاشة الهاتف وحيدًا ، كيف وهو يضيف إلى ذلك كل هذا العدد من المكالمات ؟!أعاد النظر إلى شاشة الجهاز ، وقبل أن يتمّ عملية الاتصال ، تردّد ، ثم ضغط الزرّ الأخضر ، لكنه تحت ضغوط القلق قرَّر إلغاء المكالمة . وبعد أن اطمأن إلى أن الجهاز لم يرسل إشارةً في الطرف الآخر ، تنهّد ، ونفخ هواءً حارًًا من أعماق صدره ، وتابع الحديث ، بينه وبين نفسه :
- ماذا لو أنّ حريًقا هائلا حدث البارحة ؟ أو أن حادثًا أليما وقع وأنا خارج التغطية ؟ كل شيء جائز في هذه الحياة المزدحمة بالأحداث . هذه المكالمات التي تنتظرني تضمر في داخلها أخبارًا لا تسرّ . إنها أشبه بقنبلة موقوتة ستنفجر حين أضغط الزرّ الأخضر . حسنًا لن أفعل ذلك الآن .
شعر بقلقٍ حادّ يخترق أعماقه ، ويستقرّ في مكان قصيّ من القلب ، أحسّ ببرود ، فيما بدت خطواته تزحف زحفًا باتجاه المغسلة . فتح الصنبور ، فانهال الماء برغوته البيضاء على يديه ، توضّأ فأحسن الوضوء ، ثم انفتل مسرعًا باتجاه السجادة الملقاة على الطاولة ، فرشها واستقبل القبلة ، ثم شرع في الصلاة ، كان قلبه البارد ، المسكون بالخوف ، يتصاعد شيئًا فشيئا ، لكنه حين أوغل في الصلاة شعر بطمأنينة تلفّه في رداءٍ أبيض ، وتضمّخه بالعطر ، فتصعد به إلى مدراج السماء .بعد أن فرغ من صلاته ، التقط جهاز الهاتف ، وضع إصبعه على الزرّ الأخضر ، فشعّ الاسم ، وبينما أصابعه ترتجف ، كان في الطرف الآخر من المكالمة صديقه الذي اتصل به مساء البارحة ، يغط في نومٍ عميق .بعد محاولات عدّة ، فُتح الجهاز من الجهة الأخرى ، حيث استيقظ صديقه تحت إصرار صرخات الهاتف ، فبادره قائلا :
- خيرًا ، وجدت لك البارحة أكثر من مكالمة . أرجو أن تكون بخير .
- لا داعي للقلق ، كلّ ما في الأمر هو أننا كنا ، ليلة البارحة ، في نقاش حادّ حول سقف راتب المعلمين ، وأردنا ، فقط ،أن نسألك عن راتبك ، هل بلغ سقفه النهائي ؟! دون أن ينبس ببنت شفة ، حرّك إصبعه باتجاه الزرّ الأحمر ، وضغط ضغطةً طويلةً شعر معها أنّ جهاز هاتفه بدأ يتلوَّى من الألم !
وأخيراً وفي ختام هذه النقطة ولكي نكون واقعيين ولا نطلب من المعلم المتواجد على رأس العمل حالياً أكثر من قدرته وإمكاناته الفعلية ، على الجهات المسئولة مساعدته أولاً على توفير كافة الإمكانات والمستلزمات التعليمية الأولية والضرورية من تقليل عدد الطلاب في الصف الدراسي الواحد إلى عشرين طالباً أو أقل إن أمكن ذلك مع ملاءمة عمر المعلم مع طلابه بوجود الفارق العمري المناسب بينهم .
بالإضافة إلى إعانته والتخفيف عليه بتقليل عدد النصاب المفروض عليه من الحصص الدراسية، فهذا النصاب المعمول به حاليا الذي يصل إلى السبع والعشرين أو الثماني والعشرين حصة تقريباً إذا أضفنا حصص الانتظار مع الأربع والعشرين حصة الأساسية يؤدي به إلى الكثير من المعاناة والتعب الشديدين نتيجة وقوفه لمدة خمس ساعات متصلة يومياً في الفصل الدراسي مع الكلام والحديث المتواصل خلالها بالإضافة إلى رفع الصوت وتوتير الأعصاب وشدها نتيجة محاولته لضبط الفصل وإشاعة جو الهدوء فيه للقدرة على أدائه للدرس في أجواء طبيعة ، فإذا ما تحقق له ذلك كانت النتيجة الطبيعية لهذه المعاناة الفشل والقصور في الأداء الوظيفي التعليمي مهما بلغت قدراته التعليمية ومهاراته فيها !
|