رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الثلاثاء 20/3
المدينة : الثلاثاء 20-03-1430هـ العدد : 16764
العقوبات المدرسية؟!
أ.د. نجاح بنت أحمد الظهار
مدارسنا وجامعاتنا جميعها يمتلك لجانًا ولوائح تأديبية للطالب، مع تفاوتها في تطبيق تلك اللوائح، فمنها مَن يطبّقها بكلِّ صرامة بعد اتّخاذ الإجراءات اللازمة، ومنها مَن يتساهل في التطبيق، ويكتفي بكتابة الطالب للتعهّد، حتى امتلأت الملفات، والأدراج بالتعهدات، وأصبح الطلاب يتندرون بها، بل ويتفاخرون بعدد ما كتبوا منها.ومن واقع خبرتي في هذا المجال، وجدتُ أن مؤسساتنا التعليمية تكتفي بإيقاع العقوبة على الطالب، معتقدةً أنها بذلك قد أدّت واجبها على أكمل وجه، وأن دورها قد انتهى عند هذا الحد.صحيح أن لوائحنا التأديبية مقننة، فكل مخالفة لها عقوبتها المناسبة لها، وتتدرج العقوبة بحسب المخالفة، فمن كتابة التعهّد، إلى الحرمان من المكافأة لشهر أو لعدة أشهر، إلى الفصل المؤقت أو النهائي..والسؤال هنا ليس في بنود هذه اللائحة، ولا في كيفية تطبيقها، إنما السؤال هو: هل ينتهي دور المؤسسات التعليمية عند تطبيق العقوبة؟فإذا كان الجواب بنعم، فهذا إثبات على أن هذه المؤسسات قد فقدت دورها الأساس وهو التربية، فهي تحتاج إلى إعادة تأهيل فكري وتربوي لتعي دورها نحو الفرد والجماعة، وإذا كان الجواب بـ (لا) أي لا ينتهي دورها عند تطبيق العقوبة، فنحن نتساءل أين هذا الدور الغائب والمهم؟إن الذي نراه بأم أعيننا أن الطالب يُعاقب بأشد العقوبات، ثم يُترك وشأنه بعيدًا عن الرقابة التربوية؛ ما قد يجعله يقع فريسة للصراعات النفسية، فيغدو حانقًا على المجتمع، أو منكفئًا على ذاته، وربما ركب صهوة العناد والتحدي الجريء للمجتمع، فيستمرئ الجريمة، ولا يأنف من ارتكابها مرارًا.. فالطالب الذي ارتكب جرمًا أخلاقيًا، أو غش في الامتحان، فعُوقب وشُهّر به أمام زملائه وأساتذته، بالاعلان عن اسمه وجرمه وعقوبته من خلال اللوحات الإعلانية في الجامعة، هذا الطالب هل فكّرنا كيف سيعود إلى مدرسته، أو جامعته؟ وبأي نفسية سيلقى أساتذته وصحبه؟ وهل يستطيع مقاومة كلماتهم، ونظراتهم المزدرية له؟ وقبل ذلك كلّه هل تحققنا من أن العقوبة قد آتت ثمارها، فتقوَّم سلوكه، وصلُح شأنه وحسُنت توبته، فبات طالبًا سويًّا؟بينما لو نظرنا إلى سجوننا، وهي مؤسسات تضم محترفين في الإجرام على اختلاف مراتب الجرم الذي قد يصل إلى القتل، وتهريب المخدرات، أو تعاطيها، والسرقة بأنواعها، وهؤلاء الأفراد لهم تركيبة عقلية ونفسية معقدة، يصعب التعامل معها، بخلاف طلاب المؤسسات التعليمية الذين يُفترض فيهم أن تركيبتهم العقلية والنفسية أطوع للتربية، ولكنّ الذي نلمسه أن السجون مع إيقاع العقوبة وتنفيذها تراها تهتم بتربية النزيل لديها، وتوعيته دينيًّا ونفسيًّا وأخلاقيًا، بل وتأهيله ليكون فردًا بنّاءً وهي تعمل على توعية المجتمع بقبوله بعد عودته إلى جادة الحق، إضافة إلى رعاية أهله، وهو في سجنه لطمأنته نفسيًّا؛ ما يساعد على إصلاحه.وقد وضعت لذلك برامج مدروسة، دائمة التطور، وبذلك تحوّلت سجوننا إلى معاقل للتربية.ولنعد إلى مؤسساتنا التعليمية، ونتأمل قضية الغش فيها، وقضية الاعتداء على المدرّسين، واعتداء الطلبة على بعضهم، إلى غير ذلك من المشكلات.. فهي في ازدياد وتنامٍ مستمر، مع أن هؤلاء الطلبة يدرسون في مؤسسات تربوية، تعلّم الأدب والتربية قبل التعليم.لماذا لا تكون هناك لجان تقويم ومتابعة تتكوّن من أساتذة في الدِّين وعلم النفس والاجتماع والتربية.. غير لجان التحقيق مع الطالب تكون مهمتها بعد إيقاع العقاب، وهدفها احتضان الطالب ومصادقته، ودراسة حالته، والأسباب التي دفعته لارتكاب الخطأ، ثم تقديم العلاج السلوكي عن طريق إيجاد برامج توعوية حركية تدريبية، وليست وعظية لسانية فقط، حتى نضمن خروج فرد صالح للمجتمع، لا أن نضمن خروج فرد منحرف سلوكيًا بشهادة علمية موثقة
|