رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الثلاثاء 20/3
المدينة : الثلاثاء 20-03-1430هـ العدد : 16764
رواية حقول طالبان: التربية تموت أولاً
عبدالعزيز علي السويد
«حقول طالبان» رواية الأستاذ عبدالعزيز السليم، نشر فراديس
بداية يبدو أن المؤلف مولع بأمور عدة منها: الفلسفة والخوض في أعماق النفس البشرية لاكتشاف مكنوناتها، والتعمق في التاريخ وقراءة سطوره بعناية ومحاولة إسقاطه على الحاضر، كما أنه قارئ بامتياز للعلاقات الإنسانية بين بني البشر بما فيها من حب وعشق وكره وطمع وجشع؛ ليضفي من خلال قراءته تحليلا عميقا لمآسي المجتمع الذي نعيش فيه، نكهة نقدية خالصة وتقرير بالمستوى الرفيع في شدّ خيوط الحوار، في هذه الوقفة على التجلي الابداعي في رواية “حقول طالبان” للكاتب الاستاذ عبدالعزيز السليم نتجاوز مستوى المضمون في حدّ ذاته لنتوقف عند جماليات الاسلوب، وفي هذا المستوى بالذات، لعل أول ما يسترعي انتباه القارئ هو قدرة الكاتب على المزاوجة داخل إيقاع حكائي واحد بين النقد والحوار، أي بين الاستبطان كمحاورة ذاتية وبين الحوار الذي يفترض تداعي الخطاب بين متحاورين.ووقوفاً عند الحوار في حدّ ذاته لا نملك إلا أن نقر بالمستوى الرفيع الذي بذله الكاتب في شدّ خيوط الحوار ليكون متماسكاً وشيّقاً يسمح للقارئ بأن ينساب في القراءة دونما ملل او كلل رغم طول الرواية، وقد استمد الكاتب الاسلوب الحواري في الرواية من نمط الافلام السينمائية والروايات العالمية ولذلك لا غرابة أن تكون هذه الرواية صالحة كمادة خام لكتابة السيناريو، وبتأويل آخر نستطيع ان نقول بأن الكاتب نفسه يملك في هذا الصدد ما يؤهله لكتابة السيناريو بامتياز، وهذا كاف لتبيان أن أية رواية في الحدّ الأدنى قابلة لأن تتحول الى فيلم روائي سينمائي، هذا إن لم يكن الكاتب ذاته يقصد الى ذلك، وهيّأ من الأسباب الجمالية ما جعل ذلك أمراً ميسوراً.أما عن الاستبطان فقد جعله الكاتب الأرضية الخصبة لاستنطاق الذوات والشخوص، وفضلاً عن هذه الوظيفة التقليدية، فقد اتخذه أيضاً سنداً لبثّ الكثير من أدائه ومواقفه في قضايا سياسية وثقافية وفنية وفلسفية ودينية.ثمة ايضاً بعض الجوانب البلاغية في الاسلوب الحكائي لـ“رواية حقول طالبان” ويظهر ذلك بالخصوص في اعتماد الوصف والمشاهد عن طريق الصور الشعرية والإستعارات البلاغية، ومثل هذا الصنيع يزيح الحكي عن نمط الاسلوب التقريري الجاف ليمنحه نكهة شعرية خالصة.ما الذي يحدث أثناء التعليم، كيف وماذا يتعلم ابناؤنا في المدارس، هل التعليم مختطف لتيار ما، هل انظمة وقوانين ولوائح وزارة التربية والتعليم جعلت مخرجات المناهج والتدريس مجرد انتاج اوعية تلقين، وتخريج طلاب غير قادرين على بلوغ الرشد والعقل والوعي حتى بعد التخرج الجامعي، لأن التأسيس في المراحل الابتدائي والمتوسط والثانوي، كان بمثابة صناعة الإنسان المقهور.استطاع مؤلف رواية طالبان أن يتميز عن الانهمار الروائي السعودي والذي غلب عليه الحديث عن العلاقات البينية عند الرجل والمرأة، عبدالعزيز السليم في روايته “حقول طالبان” تناول اصل الداء وكشف أن سلبيات التعليم هي الاساس في صناعة القمع التربوي بين المعلم والمتعلم وبين إدارة المدرسة من جهة ووزارة التربية من جهة اخرى، وهذا في النهاية هو المكون العام للعقل الجمعي ومستويات التعامل بين الراعي والرعية.واضح من خلال الرواية أن مؤلفها يعيش ازمة التعليم ولا يتخيلها أو يتحدث عن شخوص ابطالها بعيداً عن يومياتهم المدرسية، وُفّق السليم في تقديم بانوراما وكشف مجهري لأهم مفاصل حياتنا (التعليم) وكيف يضيع ابناؤنا بين تربية البيت المكتنزة بالدلال والحنو وبين تربية وتعليم المدرسة الذي يصدق على وصفها بالسجن اليومي مع عدم المبالاة من قبل منتجي وصناعي القرار في سياسة التعليم وبين الواقع الفعلي لحياة المعلمين والمتعلمين.ايضا الانحياز المؤدلج للبرامج اللاصفية لخيار التشدد الديني والغالب فيه فكر التطرف والاقصاء، وواضح من خلال الرواية كيف يقوم المجتمع من خلال المساعدات المقدمة من قبل اولياء الامور من حيث لا يدرون بالتشجيع على فكر التطرف، فيتغذى الطلاب على مداخيل الشعارات التي لاتؤمن بالآخر المختلف معه ولو كان من ابناء الوطن، لقد حرر السليم في رواية حقول طالبان جسد التعليم والقاه عارياً لنرى سوءاته، وكم يعبث التعليم بعقول ابنائنا، وكم غابت ادوات التربية التي تُعنى بالنفس وتؤسس للشخصية السوية قبل الحشو المعلوماتي، حري أن يقرأ القائمون على التعليم رواية (حقول طالبان) حتى لاتستمر المدارس بتخريج قوالب لديها الاستعداد للفكر الطالباني.
|