رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الثلاثاء 20/3
الحياة :الثلاثاء20-03-1430هـ العدد 16783
الأوهام العشرة لتطوير التعليم (2 من 2)
راشد العبدالكريم الحياة - 17/03/09//
هناك وهم مستشرٍ في الميدان التربوي بين الممارسين بشكل واضح ويسبب هدراً كبيراً في الجهود التربوية، وهو وهم «يجب أن تزال جميع العوائق قبل البدء»! ومصدر خطورته أنه يظهر بالمظهر المنطقي ويسهل تقبله من المعلمين ومديري المدارس، خصوصاً في ظل حالة الإحباط التي تسببها لهم تلك العوائق، ولبيان هذا الوهم أسوق عدداً من الحقائق التي يغفل عنها كثير من التربويين، وهو ما سبب تعاظم هذا الوهم.فأولاً، لا يوجد مشروع تربوي دون عوائق! فمن أراد أن ينتظر زوال العوائق، فأؤكد له أن تقاعده «وربما وفاته!» سيكون أقرب له من ذلك، ومصدر التحدي في الإصلاح التعليمي أن العوائق لازمة لأي جهد تطويري بحكم طبيعة المجتمع التربوي، ولو أمكن إزالة العوائق لكان التطوير سهلاً!وثانياً، كثير من تلك العوائق موهومة، أي غير حقيقية بل توجد فقط في أذهان بعضنا، بل ربما هي من صنعنا، وسببها في كثير من الأحيان عدم التركيز على الهدف، فمن لا يركز على هدفه ينشغل بملاحظة ما يصادفه على الطريق حتــى لو كان على جنباته، لكن بمجرد أن يسير لهدفه سيجد أنه يتجاوز ما كان يتصوره عقبات، ربما دون أن يشعر بها.ثالثاً، كثير من العوائق لا يكون بالصعوبة التي نتصورها بها، بل يمكن تطبيق المشروع التطويري مع وجود تلك العوائق، مع أن بعضها يزول بمجرد تجاهله ويكون جزءاً من الحل بدلاً من أن يكون جزءاً من المشكلة، وما أجمل ما قاله بعضهم حاثاً على الإقدام وعدم الاستسلام لأوهام الفشل، «لكني لا أنصح بتجريبه ولا أتحمل مسؤوليته!»... اقفز من الجبل... وسيخرج لك جناحان! فكثير من الأشياء نتصور جازمين بأننا لا نستطيع أن نعملها، لكن نفاجأ بعد أن نبدأ بأننا نجحنا، وبأسهل مما كنا نتصور، وبعبارة أخرى إذا نظرنا بمنظار العوائق فستتحول الظروف التي تصادف وجودها أسباباً، وينظر لها على أنها كذلك ولو لم تكن كذلك حقيقة.النجاح يجب أن يكون 100 في المئة في المشروعات التربوية:أيضاً في تقويمنا للمشروعات التربوية، نميل إلى عقلية «إما - أو»، بمعنى أنه إما أن يكون نجاحاً كبيراً أو فالمشروع فاشل، ومن وجهة نظري لو صح هذا الأمر في كثير من الميادين فإنه لا يكون مقبولاً في الميدان التربوي، والحقيقة أن تحقيق الأهداف ولو بنسبة غير عالية يعتبر نجاحاً يجب أن يُحتفى به ويقدر، خصوصاً أن كثيراً من الآثار التربوية لا يمكن رصدها بدقة، أو على المدى القريب، والنظر إلى المشروعات بهذه العقلية - عقلية الاحتفاء بالنجاح ولو كان صغيراً - يساعد على التطوير المتواصل، بحيث يبني كل مشروع على نجاحات ما سبقه، أما النظر بعقلية نجاح 100 في المئة أو فشل فيجعلنا ندور في مكاننا، ويهدم بعضنا إنجازات بعض.التطوير التربوي سهل وسريع:
- هذا الوهم لا يظهر صراحة، لكن بوادره تُستقى من النقد الذي يوجه للمشروعات التربوية التطويرية، فالتطوير التربوي من أصعب أنواع التطوير، ويحتاج لوقت وفيه نوع من اليقين بالنتائج، وذلك لأننا نتعامل مع ظاهرة بشرية معقدة، وتتنوع العوامل المؤثرة فيها، فكثيراً ما تظهر عوامل في الميدان جديدة لم تؤخذ في الحسبان، وكثيراً ما يوجد المشروع التربوي مشاكله الخاصة التي تحتاج إلى من يعالجها، وكثيراً أيضاً ما تكون المعطيات التي بُني عليها المشروع غير متيقنة «وربما اجتهادية بطبعها»، فلذلك كانت المشروعات التربوية من أصعب المشروعات، لأن عناصر المخاطرة وعدم اليقين والتغير متوافرة فيها وبقوة، وعدم التنبه لهذا يساعد على التسرع في الحكم على المشروعات وتقويمها، ويؤدي إلى الإحباط وكثرة التذمر من الممارسين التربويين، وربما أفراد المجتمع بشكل عام.
التطوير يحدث من خلال تغيير الممارسات فقط:
- هذا الوهم، من وجهة نظري، سبب لتدني نجاح «أو فشل» كثير من المشروعات الجيدة، وهو غالباً ما يكون في أذهان القيادات التربوية، من مديري المدارس ومن فوقهم، ففي تطبيق المشروعات التربوية نهتم كثيراً بالسلوك والممارسات، ونرى أن تأدية التربويين «المعلمين مثلاً» لـ «سلوك» ما، «طريقة تدريس أو تقويم أو معاملة طلاب ونحو ذلك»، كافٍ في الحكم على مشروع ما بأنه حقق أهدافه، والصواب أن هذا لا يكفي، فخلف كل سلوك هناك قناعة أو مبادئ أو مسلمات هي التي صنعته، وإغفال تلك القناعات وعدم استهدافها والتعامل معها قبل وأثناء مشروع التطوير يقلل من فعالية تغيير السلوك، وربما جعله وقتياً، فمثلاً «التعلم التعاوني» له شكل وله أساس نظري، فالمعلم الذي يطبقه دون معرفة لأساسه النظري وقناعة به، من دور التفاعل الاجتماعي في التعلم، ومن كون التواصل هدفاً للتعلم، ومن قدرة الطلاب على الاستفادة من بعضهم البعض، وغير ذلك، لن يكون تطبيقه فاعلاً ومن المرجح أنه لن يستمر، «فإذا كان يرى أن التعلم نقل المعلومات التي لديه لذهن الطالب ليحفظها أو على أفضل الأحوال ليفهمها، فماالداعي لإضاعة الوقت وإثارة الفوضى؟». والمشكلة أن كثيراً من القناعات قد تكون غير واضحة حتى للشخص نفسه، بل تحتاج إلى من يستجرّها ويكشف عنها! وهذا ما يسمى في النمو المهني بـ «الممارسة التأملية»، فالتطوير يجب أن يبدأ بالقناعات والمسلمات ويستمر معها، إضافة إلى التعامل مع السلوك والممارسة. إن إغفال هذا الأمر يقود إلى تحول المشروعات التطويرية إلى «شكليات مدرسية»، وربما حولها إلى موضات تربوية تظهر فجأة وتختفي مع مرور الوقت.
عدم التقبل المبدئي يعني فشل التطوير:
- وهذا وهم نعاني منه ويؤثر بشكل كبير على كثير من المشروعات، فكثيراً ما نتعجل في التقويم، أو نطبق تقويماً خديجاً، بحيث أننا نقوم المشروع من بوادر آثاره في أوائل مرحلة التطبيق، وهذه البوادر - سواء إيجابية أو سلبية - في الغالب خادعة، ويجب ألا يعتمد عليها، وكثيراً ما تقابل المشروعات التربوية بموجة من «مقاومة التغيير» وقد تظهر بأقنعة متعددة، لكن يجب ألا يحكم على تلك المشروعات في أثناء علو تلك الموجة. ليس كل مشروع يدعمه البحث العلمي ينجح بالضرورة:
- وهذا الوهم قد يجد كثير من التربويين صعوبة في تقبله، وذلك لأننا درجنا على الاحتكام لـ«البحوث العلمية»، فالبحث العلمي مؤشر، لكن لا يعني أن التعميم صحيح على نتائجه، ويندر أن تتطابق البيئات في الظواهر الاجتماعية والتربوية، فقد تشير كثير من البحوث إلى فعالية مشروع تربوي ما، لكن لا يلزم من ذلك أن هذه الفعالية لازمة له في كل تطبيق، كما أنه في المقابل لا يلزم أن تشير البحوث التربوية إلى عدم نجاح مشروع ما، الحكم النهائي عليه بالفشل في كل الأوضاع، والمتأمل للبحوث التربوية و«الاجتماعية بشكل عام» يرى أنه يمكنك من خلالها التدليل على الشيء ونقيضه! كما أنك في الغالب ستتوصل إلى ما تتوقعه «أو تعلمه يقيناً قبل البحث».
* رئيس الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية
|