رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم الاحد 25/3
الجزيرة : الأحد 25-03-1430هـ العدد : 13324
الخدمة الاجتماعية المدرسية.. يا سمو وزير التربية والتعليم
مندل عبدالله القباع
لا تركن المجتمعات في مسيرة تطورها إلى محض الصدفة، وتتفق جزئياً مع البعض أن الصدفة قد تلعب دوراً ما إزاء بعض المواقف، لكنها لا تستطيع أن تظل هكذا أمام التخطيط المنظم، فلا ريب أن كل مجتمع يسلك طريقه للرقي والتقدم عليه أن يرسم لحياته ما ينبغي أن يكون عليه، أن يخطط لحياته في ضوء احتياجاته، وإمكانياته وآماله. والخدمة الاجتماعية -كأداة- تستطيع أن تسهم في تطور المجتمع والنهوض به بطرقها وأساليبها العلمية والفنية في حدود مبادئ ونظريات المهنة، وبمعرفة أخصائيين اجتماعيين أعدوا إعداداً كافياً لأداء وظائفهم وأدوارهم المحددة؛ أياً كانت أدوارهم وقائية أو إنشائية أو علاجية. ومما يجدر ذكره في هذا الصدد أن الخدمة الاجتماعية كمهنة تعاون النظم الاجتماعية القائمة، مثل: الأسرة - المدرسة - النادي - المصنع - المؤسسة الدينية.. وثمة نظم أخرى لم تكن موجودة من قبل ساهمت الخدمة الاجتماعية في ايجادها مثل: نظام الضمان الاجتماعي ورعاية اليتامى واللقطاء، ومؤسسات المسنين، والمعاقين، ورياض الأطفال من ذوي الظروف الخاصة.. وغيرهم من نظم. وعلى الرغم من ذلك فإن الخدمة الاجتماعية باتت تعيش مأزقاً يتمثل في القضايا التالية قضية العلاقة بين الخدمة الاجتماعية كمهنة وباقي المهن الأخرى. قضية المعارف والحقائق والمعلومات والنظريات لدى العلوم الأخرى وكيفية الاستفادة منها في مجالات الخدمة الاجتماعية قضية دخلاء المهنة، بل والمتنطعين عليها من أنصاف المهنيين؛ فهم غير متخصصين ولم يدرسوها في مؤسسات أكاديمية مسؤولة عن التأهيل العلمي والفني، وهذه القضية ترتبط كذلك بقضية أخرى هي قضية الخطط والمناهج الخاصة بتعليم الخدمة الاجتماعية. ومن حسن القول إننا في مقالين سابقين عرضنا دور الاخصائي الاجتماعي في واقع متغير وعرضنا أيضاً المؤثرات الوظيفية بالغة الأهمية والدلالة في الممارسة الفاعلة في الدور ومزاياها، وعرضنا كذلك معوقات أداء الدور، ثم عرضنا لبعض من المستجدات المفاهيمية في مجال الخدمة الاجتماعية ولكن بتعامل الأخصائي الاجتماعي في الواقع المعاصر ومع المفهومات المستحدثة في المجال يتوجب علينا أن نعترف بكل مصداقية بما آل إليه الأخصائي الاجتماعي اليوم (تراجع لا تقدم) وطرحنا سؤالاً: عما يجب عمله كي ننهض به ونعيده لمكانته، ونعينه على وضع الكفاءة والاجادة والتطوير، وأجبنا على هذا السؤال في عجالة ذاكرين أن التطوير ينطلق من تطوير (أولاً) في المناهج الدراسية والتحصيل العلمي، وتطوير في البرامج التدريبية والتأهيلية.. وما يتبع ذلك من تطوير في التقييم القياسي وطرق التحفيز، وذكرنا - من وجهة نظر كاتب المقال - أن المناهج الدراسية الحالية في الخدمة الاجتماعية تحتاج إعادة نظر وتصويب. وعرضنا كذلك لبعض سمات الأخصائي الاجتماعي في مجال حل المشكلات الاجتماعية، وذكرنا ضرورة الاعتماد على التعليم التقني والإلكتروني.. وقبل أن نطرح هذه القضية أرى مناسباً، بل وملحاً اليوم أن نتناول نموذجاً تطبيقياً لتخصصيته في ميدان شديد الخصوصية من ميادين الخدمة الاجتماعية وهو ميدان الخدمة الاجتماعية المدرسية. لماذا نهتم بهذه القضية الآن؟ الإجابة: لأن المدرسة - وهي مؤسسة اجتماعية آل إليها - من قبل المجتمع - أن تكمل دور البيت في تربية الطفل تربية متوافقة حيث إن البيت - حالياً - لا يقدر وحده تحمل عبء تربية الطفل لعوامل اجتماعية عديدة، ولأن تربية الطفل صارت عملية معقدة تحتاج لمتخصصين في التربية من ذوي خبرة تربوية ونفسية عالية ولديهم الوسط التربوي المناسب وتكنولوجيا التعليم والمعلومات والبيانات والحقائق العلمية ما لم يتوافر بالبيت - والجو الذي يستثير في الطفل دوافعه للتعلم ولنشاطه والعمل - وإزاء ذلك أصبح دور الخدمة الاجتماعية مواكباً لوظيفة المدرسة الذي يتثمل في: تهيئة الجو التعليمي المناسب والذي يساعد على تحقيق الصحة النفسية السليمة وتهيئة المناخ التربوي الصحيح.. وتهيئة ظروف التكامل بين البيت والمدرسة ولمعالجة المشاكل بطريقة علمية صحيحة وبمنهج تكاملي - ربط المنهج الدراسي بإمكانات الطفل الفيزيقية والبيولوجية والسيكولوجية.. الخ. والعمل على تصحيح السلوك الذي قد يبدو شاذاً بالنسبة للواقع المدرسي وعلاج هذا السلوك بأساليب فنية يعرفها الأخصائي الاجتماعي - الاخصائية الاجتماعية من منطلق أن لكل مهنة مهاراتها الفنية ومعاييرها الأخلاقية وخصائصها، فإذا وضع شخص لا تتناسب خصائصه مع خصائص هذه المهنة فإنه يفشل فيها، بل ويسيء لنفسه ولمهنته، لذلك فمن المحتوم به مهنياً أن يوضع الإنسان المناسب في الموقع المناسب، وإذا كان هذا المبدأ يرتبط بغالبية المهن فهو يخص الخدمة الاجتماعية المدرسية على وجه الخصوص، لأنها مهنة تتعامل مع الانسان وتحتاج لدرجة عالية من الاعداد الأكاديمي والمهني، ولا يجب أن يمارسها إلا الشخص المعد لها إعداداً كافياً لتكون حياة الإنسان؛ فالأخصائي الاجتماعي المختص في المجال المدرسي لديه القدرة على المساعدة والارتقاء بمستوى الأداء والنجاح في بلوغ الغاية في حدود الممكن والمتاح لايجاد الحلول المناسبة للمشكلات المدرسية المطروحة ومن واقع خبرة كاتب المقال الذي عمل في مجال رعاية الأحداث لأكثر من عشرين سنة في المؤسسات الاجتماعية أن هؤلاء الأحداث تكون بداية تعرضهم للانحراف يكون في المدرسة، ولعدم وجود من يرعاهم ويعالج مشاكلهم السلوكية انحرفوا لعدم وجود الاخصائي الاجتماعي المدرسي في المدرسة. وهذا ما يدعونا للقول، بل وللنداء لكافة القائمين على النسق التعليمي بكافة نظمه ومستوياته.. وعلى رأسهم سمو وزير التربية سمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد ل سعود.. نعم.. نعم.. نعم. للأخصائي الاجتماعي المدرسية وللأخصائية الاجتماعية ولا.. لا.. لا للمرشد الطلابي وفقط ليس موجهاً هذا لشخص أي منهما لكنه يتفق مع التخصص والاعداد والتأهيل فيما قبل الخدمة أو أثناء الخدمة. وليس في هذا دعوة للانفصال ولكنها للتكامل: من أجل التغذية التربوية، ومن أجل عدم الاختلاف في طريقة التعامل أو التناقض في المعارض المحصلة، ومن أجل المشاركة في العمل البرامجي لتنمية قدرات الطالب وتذليل الصعوبات التي تعترض طريقة الأكاديمي أو ما يتعلق بفاعلية علاقات التواصل، وتقديم العون المعنوي الذي يعين الطالب على إمكانية الاستفادة من قدراته.
وهذا يوضح أهمية الخدمة الاجتماعية المدرسية ودور الأخصائي الاجتماعي المدرسي وليس المرشد الطلابي الذي لا يمكنه القيام بعمل الأخصائي الاجتماعي لأنه ليس مؤهلاً تأهيلاً علمياً في مبادئ وعلوم الخدمة الاجتماعية كل ما هناك أنه من قدامى المعلمين وأسندت عملية المرشد الطلابي له. ولكن ليس أي أخصائي اجتماعي - حامل اللقب - لكننا في حاجة ماسة لأخصائي ماهر وعلى مستوى عال من التدريب، وكما سبق أن كتبنا في عدة مقالات سابقة- أننا نأمل في الزمن الذي باتت المشكلات الاجتماعية فيه تطوق أعناقنا لنعيش أسرى بوائقه.. أن يتواجد لدينا أخصائي اجتماعي معالج مثلما هو قائم في الطب النفسي.. يأخذ بيد المشكل (بضم الميم) إلى بر الأمان حيث العطاء والتضحية والرضا والتماسك والانسجام. ولكي نؤمِّن الأخصائي لأداء هذا الدور المأمول (المعالج) الذي يمتد إلى تنويعات أخرى حسب مجال العمل يتوجب أن تحرص المعاهد العلمية وأقسام الخدمة الاجتماعية - في برامج الإعداد والتأهيل - على بناء العقول وتزويد الأخصائي بثقافة الانتماء لمجتمعه ولمهنته، وأن يكسبه الأسلوب الأمثل للتعبير عن إبداعاته المهنية، ومهاراته العملية، وأن ينمي فيه روح الحفاظ على مصالح الوطن والمواطنين، وأن يعمل من أجل رفع شأنه، وأن يأمنه من التردي في هوة الهموم وحومة الصراعات، وأن يهيىء له أنشطة التطوير والابتكار في شتى قطاعات العمل ومجالاته، وتزويده بالنظريات والأفكار وتكنولوجيا المعلومات وبأساليب وأدوات عمل جديدة، والعمل على حفز طموحاته العلمية واتجاهاته الوظيفية الفنية المهارية وتنقية المحتوى المعلوماتي. هذه المعلومات المنهجية التي نرى ضرورة أن يتزود بها الأخصائي الاجتماعي هي بمثابة مرشد قوي في فهم مشكلة الواقع المدرسي الذي هو جزء من الواقع المجتمعي. هذا ويتوجب أن تتضمن خطط التأهيل تدريب الأخصائي كيفية الحصول على هذه المعلومات وكيفية تفسيرها وتحليلها والاستفادة منها في مجالات حمله. هذه المعلومات لها دور حيوي في المجتمعات المعاصرة لاتصالها بالحياة اليومية المكتظة بالأحداث والظواهر والحقائق فكيف تتحول هذه الوقائع إلى معلومات وكيف يوظفها. ألم يكن هذا دفعاً للقول إن الأخصائي الاجتماعي لابد له من التزود بقدر مناسب من التعليم الإلكتروني فالمعلومات قد تحولت في المجتمعات المعاصرة إلى تتابع التغيير المنشود.
|