الملك عبدالله بن عبد العزيز يعمل ويقرر كقائد يمتلك رؤية واضحة
بقلم: كريستوفر ديكي -عن نيوزويك- ترجمة وعرض بشرى الفاضل
في صبيحة اليوم التالي للحادي عشر من سبتمبر دخل زائر على الملك عبدالله -ولي العهد وقتها- في قصره بجدة، فوجده في ذلك الصباح الباكر يصلّي بتؤدة صلاة يطيل فيها السجود بأكثر ممّا رآه ذلك الزائر في أي وقت مضى. وأخيرًا نهض الملك من على سجادة الصلاة وقال للزائر: “أنا متأكد من أن شعبنا الطيّب لم يقم بهذه الأشياء”، لكن الأنباء كانت قد جاءت من الولايات المتحدة لتؤكد أن معظم مختطفي طائرات أحداث الحادي عشر من سبتمبر كانوا مواطنين سعوديين.
ويتذكّر ذلك الزائر كيف أن سمو ولي العهد لم يضع هذه المعلومات ضمن السياق الذي يفهمه جيدًا، فهذه المعلومات لا تتفق مع أي سياق، سواء أكان عربيًّا، أو إسلاميًّا، أو سعوديًّا. فخلال السنوات التالية التي تحدّث فيها الملك عبدالله عن القاعدة وحلفائها استخدم عبارات مثل الفئة الضالة أو المارقة.
ويمضي الكاتب -في عدد مجلة نيوزويك الأمريكية الذي يصدر في 30 مارس المقبل- قائلاً: “واجه الإصلاح لسنوات مقاومة، وكان التغيير يبدو بطيئًا وغير منظور مثل كثيب رمال يتحرّك عبر الصحراء، برغم المشاكل التي واجهتها المملكة وتنامي التطرّف. ومع ذلك فقد تسارعت وتيرة الإصلاح في الأسابيع القليلة الماضية، بإرادة ملكية واضحة، حين أجرى تعديلاً وزاريًّا في وزارة العدل، وعيّن نورة الفايز نائبة لوزير التعليم؛ لتحتل أعلى منصب تشغله امرأة في تاريخ المملكة العربية السعودية. وتحرّك الملك لتطوير التعليم للبنين والبنات على حد سواء، تحت إشراف سمو الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم”.
يقول روبرت لاسي الذي كتب دراسة “المملكة” التي أصبحت كلاسيكية الآن من بين الدراسات عن المملكة العربية السعودية: إن الملك عبدالله اختار الوقت المناسب لإجراء التغييرات التي يريدها. مشيرًا إلى أن “الملك يعمل ويقرر كقائد يمتلك رؤية واضحة”.
فيما يقول فورد فريكر السفير الأمريكي السابق بالرياض: إن “الملك عبدالله قويٌّ جسمانيًّا، وعقليًّا.. فالقوة الجسمانية لهذا الرجل ملحوظة، ويضيف: “عندما تصافحه تحسّ بنفسك كما لو كنت تصافح جذع شجرة، فهو قوي كالصخرة ولا يهتز في أي موضع من جسمه”.
ويحتاج الملك عبدالله لطاقاته هذه كلها من أجل الإصلاح، فمهمة الإصلاح في مجتمع المملكة تتطلب عملاً شاقًّا.
ويتمتع الملك عبدالله بالحكمة، ولا يعني القول بأنه يؤمن بقيم بسيطة مثل القيم العربية والإسلامية والسعودية المعروفة كما يراها، إن الملك عبدالله إنسان بسيط. فقد شهد خلال حياته العامرة تحوّلات كبيرة.
وتقول الأميرة عادلة ابنة الملك عبدالله لـ “النيوز ويك”: إن طفولة والدها كانت صعبة، فقد حمل العديد من المسؤوليات منذ الصغر، وتضيف“أنت لا تراه يكون مع عائلته أكثر رقّة من معاملته للحرس الوطني. وأضافت: “هو مستقيم للغاية، وأمين للغاية، ويكره الظلم”.
أمّا فريكر السفير الأمريكي السابق لدى الرياض، فيرى الملك مثل أحد الأشخاص الذين يمثّلون روح محاربي الصحراء، حيث يحافظ أي من أولئك الرجال على كلمته، حين ينظر أحدهم مباشرة في عين أخيه، ويتفوّهون لبعضهم البعض بكلمة الشرف. ويعتبر الملك عبدالله أن إرهابيي 11 سبتمبر قد خانوا كل شيء يؤمن به.
لقد قادت الجهود التي قامت بها قوات الأمن السعودية ما بين 2003 و2006 إلى قتل وأسر معظم قادة ونشطاء القاعدة داخل المملكة.
ويقول مايكل هايدن المدير السابق للـ (سي اي ايه) الأمريكية: إن شبكات تمويل الإرهاب قد تم تعقبها، وإبطال مفعولها في المملكة العربية السعودية، وقامت وزارة الداخلية السعودية بأكثر البرامج فعالية في مكافحة الإرهاب على نطاق العالم. وأضاف هايدن: إنه صعق واندهش من مشاعر محاورة المسلم لدى سماعه، وهو يحكي له عن خيانة القاعدة للدِّين.
ويمضي كريستوفر ديكي في “النيوزيوك” قائلاً: “مهما فعلت فلا يجب أن تغضب الملك عبدالله، فقد هدد في عامي 2001 و2002 بإعادة النظر في الشراكة الإستراتيجية بين المملكة والولايات المتحدة، إذا لم تقم واشنطن بفعل شيء لإيقاف معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي، وكردة فعل لهذا أصبح جورج بوش أول رئيس أمريكي يدعو لحل الدولتين القابلتين للتعايش فيما بينهما. وعندما شرع جورج بوش في التراجع عن تحقيق هذا الهدف زار الملك عبدالله مزرعة بوش في كروفورد، ورُوي عنه أنه قدم هناك إنذارًا غاضبًا، وفيما بعد قال كولن باول عن غضبة الملك عبدالله تلك بأنها كانت تجربة “قريبة من الموت”.
وعلى الرغم من ذلك، فالملك عبدالله يفضّل المصالحة الصادقة، بدلاً عن المواجهة. ففي عام 2002م حاول إنهاء المشكلة العربية الإسرائيلية بإطلاقه لمبادرة عُرفت فيما بعد بالمبادرة العربية للسلام، حين تبنّاها مؤتمر القمة العربية ببيروت، لكن الملك عبدالله حذّر الإسرائيليين أثناء قصفهم لغزة بأن الاتفاقية لن تظل على الطاولة إلى ما لا نهاية.
لكن العنف والتهديدات مستمرة من كل الجهات على الرغم من الجهود التي يبذلها الملك، فالقتال بين فصيلي حماس وفتح الفلسطينيين يسبب له ضيقًا شديدًا، ويتذكّر الأمير سعود الفيصل ردة فعل الملك أثناء لحظات التوتر الصعبة في عام 2007، فالملك “لم يصدّق أن البندقية الفلسطينية أصبحت مصوّبة للمواطنين الفلسطينيين، وأُريقت الدماء، وقُتل الناس، وتُيتم الأطفال، بينما هم يتلقون معاملة مماثلة من إسرائيل. الملك لم يصدّق أن يحدث مثل ذلك القتال”.
إذا نحجت إصلاحات الملك عبدالله في بلده فسيكون لذلك أثره على كل جهوده الدبلوماسية الخارجية. وهذه الإصلاحات تتطلب وقتًا.
يقول أحد الدبلوماسيين الغربيين ممّن خدموا في الرياض “قلب الملك في مكانه الصحيح، وهو يواجه البيروقراطية المكتبية العنيدة المتصلّبة”. ويحب السعوديون مليكهم، ويقدّرون ما يقوم به. لكن بعضهم يتخوّفون من أن الإصلاحات ربما كانت تسير ببطء، وتواجهها مصاعب جمّة.
__________________