رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم الاثنين3/4
المدينة : الإثنين 03-04-1430هـ العدد : 16777
الموهوبون
دانية مزاحم آل غالب
هذا هو موقف العالم دوماً من أصحاب المواهب يسعون إليهم ويذللون لهم كل العقبات عارضين احتضان مواهبهم وكم من موهبة هاجرت عن موطنها...ولم تستطع أن تعود إليه تناولت في المقال السابق موضوع رعاية الموهوبين وأهميّة الوعي والفهم الصحيح لمعنى موهوب وعدم الخلط بين هذا المفهوم وما عداه من مفاهيم تلتبس معانيها على كثيرين.فالموهبة شيء أكثر من مجرّد القدرة العقلية التي يقف عندها الكثيرون ويعدّونها السمة التي يميّزون بها الموهوب.لأن الموهبة هي القدرة الإبداعية والابتكارية البارزة في ميدان أو أكثر من ميادين التحصيل الإنساني.والموهوب كي يقوم بعمل يتصف بالإبداع لا بد أن تحيطه ذراعا الرعاية وتحتضنه وتقدّم له الدعم وكلّ ما يثيره ويغذّي دوافعه التي تؤدي به إلى الإبداع وتنمية موهبته وعلى الرغم من أن التعرّف على الطفل الموهوب مسؤولية تقع على عاتق المعلّم في المدرسة إلاّ أن مساعدة الآباء تعدّ البوصلة في توجيه هذا الاكتشاف والاهتمام بهذه الموهبة.لأن هناك كثيراً من المعلّمين قد يخطئون في تقدير أصحاب المواهب. إذ نجد أن الطفل الذي يكثر الأسئلة ويبحث فيما وراء المعلومات ولديه حب استطلاع كبير قد لا يحظى بتقدير المعلّم بل قد يصنّف طفلاً مشاغبا يتسبّب في التشويش على زملائه وتعطيل سير الدرس. ولا سيمّا أن مناهجنا التعليمية وطرق التدريس لدينا هي أكبر معاول هدم لأي موهبة قبل أن تتفتق عن أي إبداع. كما أن كثيراً من المعلمين والمعلمات لا يملكون الأدوات اللازمة التي تحتاجها عملية اكتشاف الموهوبين لذا لابد من تعاون البيت والمدرسة من أجل استخراج كل ما لدى الطفل الموهوب.بل لا بد أن يكون للمجتمع دوره في هذه المهمة والمسؤولية لأنه بحاجة دائمة إلى رعاية أصحاب المواهب الذين قد يصبحون روّاداً في المستقبل.فإذا لم نقم برعاية تلك المواهب الفذة وخدمتها خير خدمة وتهيئة الجوّ المناسب لظهورها وتبلورها ونموّها فإن الخسارة سوف تقع على كاهل المجتمع نفسه. لأن ذلك تضييع لفرصة ارتقائه في أجياله القادمة.إن الاهتمام بالتعليم اليوم أصبح هاجس كل أسرة، والبحث عن بيئة تعليمية جيدة همّ يناقشها كل أب وأم فعلى الرغم من توالد المدارس كل يوم..إلاّ أن الجودة تكاد تكون شبه منعدمة...وفي أحسن الأحوال تختلف معاييرها من شخص لآخر. وقد انحصرت جودة التعليم والمؤسسة التعليمية في كم المناهج التي تُقدّم من خلالها..وأصبح هاجس تعلّم اللغة الانجليزية طاغيا على كل الآباء والأمهات وأصبحت المدارس تتنافس في إدعاء أنها تقدّم المنهج الأفضل بينما لا نجد في زحمة تلك الإدّعاءات ما يعطي مؤشراً أن هناك اهتماماً باكتشاف المواهب وتنميتها. من خلال إيجاد الأجواء المناسبة وتسخير الطاقات لذلك. إن جودة التربية والتعليم ليست في إخراج جيل يردّد ويكررّ..بل في إخراج جيل يبتكر ويبدع ويترك بصمات تقتفي آثارها الأجيال الأخرى. لقد أحزنني أن علمت عن قصة طفل كانت لديه مؤشرات عديدة تدل على أنه موهوب ومبدع يحتاج كقطعة الماس الخام إلى عناية وكشف عن قيمتها الحقيقية لكن إهمال معلّميه لهذه الهبة وتوجيهه قسراً إلى إتقان أنشطة آخرى لا يميل إليها الطفل..وعدم إتاحة الفرصة له ليعبرّ عن مواهبه كل ذلك أدى إلى عزوف الطفل عن المشاركة والتفاعل، وتحوّله إلى طفل صامت غير متجاوب، حتى مع موهبته، لم يعد يتجاوب مع ندائها ولا يعبرّ عنها... وعلى قدر ما تألمت لهذه القصة سعدت بما قرأت عن الشاب المبدع ( ما شاء الله ) مشعل بن هشام هرساني صاحب الابتكارات والاختراعات على المستوى المحلّى والعالمي الحاصل على درجة الدكتوراه الفخرية من أعرق الجامعات الأمريكية ( دبلن) تقديراً لاختراعاته المدهشة لخدمة ذوي الاحتياجات الخاصة والذي رفض عرض القنصلية اليابانية حين أرسلت تطلب أن تتبناه علمياً وتتكفّل بدراسته على حسابها الخاص في أي جامعة يختارها وذلك من أجل أن تبقى اختراعاته داخل حدود وطنه.وهذا هو موقف العالم دوماً من أصحاب المواهب يسعون إليهم ويذللون لهم كل العقبات عارضين احتضان مواهبهم وكم من موهبة هاجرت عن موطنها...ولم تستطع أن تعود إليه. لذا نأمل أن نقدّم لأبنائنا الموهوبين ما يستحقون من رعاية ودعم وافتخار بهم وأن نكفّ عن ترديد أنه لا موهوبين لدينا، لأنهم موجودون وكل ما يحتاجونه أن ننقّب عنهم ونُخرج ما لديهم.
|