رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم السبت8/4
الوطن:السبت 8 ربيع الآخر 1430هـ العدد (3109)
أسباب دعوة الفيصل إلى إعادة كتابة التاريخ السعودي
شاكر النابلسي
الدعوة إلى إعادة كتابة التاريخ العربي على ضوء المستجدات من العلوم والحقائق الجديدة، دعوة منصفة، وواعية، لدور التاريخ في مسيرة وبناء الحاضر . وهذا ما أدركه خالد الفيصل في محاضرته في جامعة الملك عبد العزيز في 19/3/2009 حين قال "إن كتب التاريخ المدرسي تكتب بأسلوب المحطات التاريخية، وسرد المواقع والتواريخ، في حين يتوجب كتابة التاريخ بوصفه مادة غير جامدة، تستوعب الاقتصاد والفكر والثقافة والمسببات، الأمر الذي يفضي إلى فهم أشمل للإنجازات التي تحققت للإنسان السعودي وقيادته منذ نشأة الدولة السعودية" . فما الذي دفع الفيصل إلى أن تكون هذه الدعوة في صلب محاضرته، بل هي الوتد والعصب الأساسي في هذه المحاضرة ؟
هناك عدة أسباب، نذكر منها:
1- أن التاريخ السعودي بوجه خاص، مكتوب بأسلوب التحقيب، والمحطات التاريخية المسرودة سرداً غير مفسر ولا متصل بعلوم كثيرة، برزت في العصر الحديث كعلم إيثولوجيا (علم الأخلاق الاجتماعية)، والباليونتولوجيا( علم الحفريات)، والديموغرافيا( علم وصف السكان)، والسوسيولوجيا (علم الاجتماع)، والأنتولوجيا (علم تكوُّن الأمم)، والأيكولوجيا (علم البيئة)، والأنثروبولوجيا (علم الإنسان)،إضافة إلى السيكولوجيا (علم النفس)، الذي قال عنه غوستاف لوبون، بأنه أساس جوهري لمعرفة التاريخ (فلسفة التاريخ، ص16) . وغوستاف لوبون هو الذي أكد أيضاً أنه: "بما أن التاريخ ليس علماً بل مركب من علوم أخرى مختلفة فإن مبدأه يختلف بين جيل وجيل، بحكم الضرورة، وتتضمن فلسفته الحاضرة - بفضل مبتكرات العلوم - بعض المبادئ الجوهرية في تطور العالم، وطبيعة الإنسان . وهكذا حُمِلْنا على درس موضوعات لا تُرى في كتب التاريخ عادة، وإن كانت أسسه الحقيقة" (ص 13) .
2- أن جوانب هامة من عوامل تشكيل التاريخ السعودي لم تؤخذ بالحسبان، ولا بعين الاعتبار، ومنها الظروف الدولية بعد الحرب العالمية الأولى والثانية، واللتين على نتائجهما، تمت إعادة تشكيل خارطة العالم كله .
3- الإدراك بأن التاريخ بأجمعه هو تاريخ معاصر . وهو يعني بذلك، أن التاريخ يتألف بصورة أساسية من رؤية الماضي، من خلال عيون الحاضر، وعلى ضوء مشاكله، وأن العمل الأساسي للمؤرخ، هو التقويم وليس التدوين، كما قال الفيلسوف الإيطالي بينيديتو كروتشه .
4- تمكين الإنسان من فهم مجتمع الماضي، وزيادة سيطرته على مجتمع الحاضر . وتلك هي المهمة المزدوجة للتاريخ . فالمؤرخ ليس قاضياً، بل إنه أبعد ما يكون قاضياً يحكم بالشنق . والتاريخ هو النضال المديد للإنسان، عبر استخدامه عقله، لكي يفهم بيئته، ويفعل فيها .
5- أن دراسة العصر قبل دراسة شخصياته وأحداثه ووقائعه، من أهم الأسباب لقراءة التاريخ بشكل صحيح .
6- لوحظ أن الأسلوب التاريخي الذي كُتب به التاريخ السعودي في مراحله الثلاث، تحوّل من التحقيق العلمي التاريخي إلى السرد الأدبي .
7- أن واجب المؤرخين المعاصرين، ليس تعليل التاريخ بالعوامل الغيبية، ولكن يجب عليهم أن يعللوا التاريخ بالتأثيرات البيئية الطبيعية، والتكوين البيولوجي، والدوافع الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية .
8- كان كلام خالد الفيصل السابق، موجها إلى المؤرخين الجُدد، ودعوة إلى المؤرخين "العاديين" كما يُطلق عليهم المؤرخ الفلسطيني طريف الخالدي بالكفِّ عن جمع الحوادث جمعاً، الواحدة تلو الأخرى، لبناء صورة تاريخية في النهاية عن موضوع معين . 9- كان التحوّل التاريخي الذي قام به المؤسس الراحل الملك عبد العزيز آل سعود، تحوّلاً هائلاً يستدعي فتح عدسة الكاميرا التاريخية 180 درجة .
ومن هنا نقول إن التاريخ سعودي، لا يحتاج إلى مؤرخ عادي، بقدر حاجته إلى عالم تاريخ .
10- وأخيراً، لعل خالد الفيصل، كان يشير في توجيهه السابق إلى المؤرخين الذين كتبوا التاريخ السعودي بمراحله الثلاث شعراً، أو كتبوه على طريقة السيرة الهلالية . وهو غير مكتفٍ بهذا التاريخ . ويدعو إلى فتح "القارة التاريخية السعودية" فتحاً جديداً، مبنياً على مستجدات العصر العلمية، والسياسية .
|