رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم ليوم الاثنين 10/4
الاقتصادية:الاثنين 1430/4/10 هـ. العدد 5656
التوحد.. سامحته وسألت عن أخباره
د.عبدالعزيز بن جار الله الجار الله
يوم الخميس الماضي مر كأي يوم عابر إلا على أمهات وآباء أطفال التوحد لأنه يصادف اليوم العالمي لأطفال التوحد ولأنه يومهم الذي لا ينسونه لحظة واحدة ويتذكرون كل ثانية عندما يطلون بأعينهم على ذلك الطفل، إن كان مفرطا في الحركة أو ساكنا وهادئا في زوايا المنزل منزويا، حيث أركان البيت يلعب بأطراف أصابعه أو يضرب رأسه بعنف على الأريكة والمخدة.. أنا لا أعرف السبب الذي أعادني ليوم التوحد لأسترجع كل أيام السنة، أيام أطفال متلازمة داون، تلك الوجوه البريئة والطيبة والعبقة، تلك البراءة واللطف ونهر الحنان، ما الذي أعادني إلى جميع أيام العام يوم الأم، يوم حقوق الإنسان، يوم الشجرة، يوم أمراض الكلى، يوم الحب، يوم الصداقة، لكن الذي أنا متأكد منه أني عدت إلى زوايا نزار قباني وأوراقة الدمشقية وهو يكتب على لسان أمرأة (أيظن)
اليوم عاد كأن شيئا لم يكن
وبراءة الأطفال في عينيه
ليقول لي: إني رفيقة دربه
وبأنني الحب الوحيد لديه
حمل الزهور إليّ.. كيف أرده
*******
خبأت رأسي عنده.. وكأنني
طفل أعادوه إلى أبويه
حتى فساتيني التي أهملتها
فرحت به.. رقصت على قدميه
سامحته.. وسألت عن أخباره
وبكيت ساعات على كتفيه
ونسيت حقدي كله في لحظة
أدرك أن نزار كتبها عشقاً وهياما وولعاً بالحبيبة ولكن أطفال التوحد.. عادوا كأن شيئاً لم يكن ـ وبراءة الأطفال في عينهم، وهم رفقاء الدرب عندما تغادر جميع أفراد العائلة ويبقى الأم الأب والتوحدي، وأنهم يحملون الزهور بلا مبرر ويبكون ويضحكون لألف سبب نجهله لأن الاضطراب العصبي المسؤول عن تواصلهم الاجتماعي يعمق غربتهم.. أما لماذا خبأت رأسي عنده ـ وكأنني طفل أعادوه إلى أبويه فلأن أطفال التوحد وتحديداً أطفال المتلازمة يجدون ميلاً شديداً أن يدفنوا رؤوسهم في صدور من يحبون يغمرونهم بالعاطفة ولا يملكون صوتاً للتعبير سوى أن يدفنوا خصائل شعورهم الناعمة وأرنبة الأنف وشحمه الأذن في صدر من يحب.. هم لا يقوون على التعبير بألسنتهم ولكن لديهم مشاعر فياضة تجاه أهاليهم وبالذات أمهاتهم أما: حتى فساتيني التي أهملتها ـ فرحت به رقصت على قدميه. وكذلك ما قاله نزار: سامحته وسألت عن أخباره وبكيت ساعات على كتفيه. فهذه بالذات تعرفها أم كل طفل توحدي ومتلازمي وكل الأمهات ممن لديهن أطفال معوقين هذا السماح المفتوح لا أدري لمن ولا أدري عن ماهية تلك المشاعر ولكن السماح المفتوح تجاه أولئك الذين لا يصلون إلى دواخل كل أم لديها معوق تركت وحدها مع أب لا يقوى ولا يقدر أن يعيد عقارب الساعة أو يدير الزمن هي إرادة الله لكن يبقى المجتمع والمؤسسات الاجتماعية هي الأقسى. لذا بقي آباء وأمهات الإعاقة معلقين بآمال الله ورحمته، أما السماح فإنه مفتوح للآخرين حتى لو لم يتسامح معهم الآن الآخرون، في بيتك طفل توحدي وتكون أنت ذلك الأب التوحدي، تفهم المجتمع للإعاقة أن يتسامح ويقبل المعوق كما أرد الله له أن يكون وتصبح المساحة مفتوحة بين الأصحاء والمعوقين.
|