رد: المقالات التربوية موضوع متجدد
الوطن :الثلاثاء 18 ربيع الآخر 1430العدد 3119
وزراء المرحلة التي لا تنتظر
يحيى الأمير
في الواقع، ما الذي يمكن أن نراه من مشروعات أو أفكار أو خطط، لا زالت بحاجة إلى تنفيذ والمسؤول المباشر عنها هي القيادة؟ يبدو ألا شيء من هذا القبيل، لا في الوزارات ولا في المشروعات التنموية الكبرى، ولا حتى في القضايا الخلافية اليومية في الشارع السعودي، دعك مثلا عن قيادة المرأة للسيارة واسأل عن القضايا الكبرى، فما هو المشروع أو الأمر الذي ما زال معطلا بسبب افتقاره أو احتياجه لقرار سيادي مباشر؟ وحتى قيادة المرأة للسيارة فإن كل التأخير الذي تعيشه الآن والجدل الذي أفرزته هو بسبب ما تعرضت له هذه الفكرة، من مجابهة.خلاف ذلك الأمر، ما الذي يمكن أن يمثل معضلة تنموية ومفاتيحها في يد القيادة، ولكنها لم تقم بها إلى الآن؟ بكل تأكيد فهناك العشرات بل المئات من الملفات التنموية والوطنية التي ما زالت في دوائر غير مكتملة، لكن ما الذي يفترض أن يحدث لها؟ في التعليم مثلا، الذي حدث له هو أن القيادة طرحت له واحدا من أضخم المشروعات التطويرية، وهو مشروع الملك عبد الله لتطوير التعليم، وواحدة من أضخم الميزانيات والتي بلغت تسعة مليارات ريال، تم إسناد الوزارة إلى أسماء بارزة ومعروفة في المشهد الإداري والثقافي السعودي وما زلنا ننتظر انتهاء الـ 100 يوم الأولى من عمر هذه التحديثات لنشهد الخطوط العريضة والتصور المستقبلي القادم للتعليم السعودي.. أيضا فيما يتعلق بالقضاء، والذي ظل واحدة من أبرز المنغصات التنموية وأكثرها حاجة للتطوير والتحديث والمواكبة، وإخراجها من الشكل التقليدي للفقه، وربطها بالفقه المدني والقانوني وروح التعايش والشريعة القائمة على المعطى القانوني الإنساني، أيضا حظي بأحد أكبر المشروعات التحديثية، وهو مشروع تطوير القضاء ذو الميزانية التي بلغت سبعة مليارات، فيما شهد وضمن حركة التعديلات الوزارية تغييرا وتجديدا في مختلف القيادات، في مجلس القضاء الأعلى ـ وفي وزارة العدل أي في المرجعيتين الإدارية والفقهية القانونية. وهاكم الآن ما يحدث في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف باتت الآن تقدم أداء إداريا واعيا وراقيا ويقوم على المحاسبة والتدقيق والوضوح والاستعداد للاعتذار، ومراجعة الأخطاء.لكن الجهات التي لم تعرف نفسها إلى الآن وفق الشكل الجديد لها تجعلنا نبدو وكأننا أمام عدة احتمالات: فإما أن الحقائب ثقيلة للغاية، وما زال الوقت غير كاف للتعرف إليها فضلا عن القيام بأي تغيير فيها، وإما أن المؤسسات تشكلت وفق حالة لم تعد تسمح لها من خلال وضعها الراهن بأن تقوم بما يجب عليها القيام به.لكن، ألم تلاحظوا أن تلك الدوائر التي ذكرت، والتي هي الأكثر عرضة للخوض والنقد ومحاولة رمي المسؤوليات بين مختلف الجهات، هي تلك التي تنطوي على جانب فكري وثقافي لا إداري فقط، بمعنى أن القضية فيها مبرر النجاح والخطأ والنفع والضرر ليس مرتبطا بأمر إداري أو مالي بقدر ارتباطه بجوانب وتوجهات فكرية هي التي تجعله مادة للصراع. هذا الاختلاف ورمي المسؤوليات لا يشتغل مثلا مع قضايا يومية ومهمة كقضايا المرور والزراعة والمواصلات، ذلك أنها لا تحتمل أية صراعات ذات طابع فكري أو مرتبط بتوجهات .لكن أمام كل ذلك، يبدو أن القيادة تراقب المشهد وتدرك ماذا يحدث جيدا، وفي ذات الوقت فإنها لا تتجه من أجل انتصار طرف على آخر، بل من أجل انتصار المستقبل السعودي.الناجحون الجدد إلى الآن، تتصدرهم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خاصة أن كثيرا من إشكالاتها اليومية مع الناس لا تحتاج إلى مشروع زمني لإصلاحها، وقد أثبت الرئيس العام إلى الآن أنه سينطلق من رؤية إدارية وطنية لا من رؤية تحزبية أو قلقة..من هنا فالعمل في أي وزارة لا يتطلب إلا انتماء واحدا، هو الانتماء الوطني، ولا يتطلب سوى تطلع واحد هو التطلع السعودي، وبالتالي فعلى الذين يرفعون شعار أنهم يريدون العمل دون أن يثيروا أحدا من المعترضين هم في الحقيقة يبحثون عن الحجج والأعذار، وعليهم أن يقنعونا إما أنهم يصنعون خطأ بالفعل يخشون إثارة المعترضين عليه، أو أن المعترضين هم الذين على خطأ وعلى الوزارات أن تتجاهلهم وأن تعمل وفق ما يمثل مسؤولياتها الوطنية.لقد قامت القيادة بما راعت فيه كل الجوانب، بدءا من عامل الوقت الذي لم يعد يسمح بالانتظار، وصولا إلى اختيار الكوادر الجديدة للقيام بالمسؤولية الوطنية، ووضع المشروعات التنموية التطويرية ،. لكن الذين يحملون الأمانة الآن، عليهم أن يدركوا جيدا، أننا شهود عليهم أمام القيادة وأمام التاريخ السعودي.إن الجيل القادم من السعوديين لن يتذكر رموزه الوطنية في الإدارة والتنمية إلا بأفعالهم وإنجازاتهم، وليس بمدونات سيرهم الذاتية.
|