رد: المقالات التربوية موضوع متجدد
الاقتصادية:الثلاثاء 1430/4/18 هـ. العدد 5664
المهمة الصعبة لوزير التربية والتعليم .. وفريقه الجديد
فهد بن عبد الله القاسم
في مقال سابق نشر الأسبوع الماضي تحدثت عن وزارة التربية والتعليم، وأهميتها، وعن العلاقة الطردية المباشرة بين تحضرنا كدولة و مدى تحسن المنظومة التعليمية في المملكة، وعن التغييرات الأخيرة في الوزارة، وربطت ذلك بإصلاح التعليم، وأواصل اليوم بالحديث عن مطالبي ومطالب كثير من المواطنين الذين من حقهم أن تخدمهم وزارة التربية والتعليم، ويتلخص موجز هذه المطالب في التالي:
* نريد أبناء يتقنون القراءة والكتابة، فهي الركن الركين لأي طالب علم، فكثير من أبنائنا يتخرج من الجامعة وهم يعانون مشكلات متأصلة في القراءة والكتابة.
* نريد أبناء تتزايد معارفهم وينمو شغفهم العلمي والتعليمي، عن طريق القراءة والبحث والنقاش والحوار، ولا تنحصر في المناهج الدراسية.
* نريد أن يعود أبناؤنا من المدرسة بأخلاق أفضل وقيم أعلى، لا أن يتعلموا من التفاح الفاسد من زملائهم، ومن القدوة السيئة من معلميهم، ما يفسد دينهم وأخلاقهم.
* نريد أبناء ينافسون على المراكز الأولى علمياً، ليس مع زملائهم في المدرسة نفسها، ولكن مع أقرانهم في الدول الأخرى.
* نريد أبناء تعتني المدرسة بمواهبهم أيا كانت، لا أن تدفن أو ترمى مع النفايات.
* نريد اعتناء بالمناشط غير الدراسية، مثل معرفة النفس والقدرات الشخصية، والخطابة والتعامل مع الغير، والفنون، مع بعض المهارات المهنية.. إلخ.
* نريد تأهيلا لأبنائنا الخريجين لمعرفة مستقبلهم، فخريجي الثانوية لا يعلمون كيف يختارون التخصص المناسب والكلية المناسبة والجامعة الأنسب.
* نريد تعليماً إجباريا لجميع أبناء الوطن إلى نهاية المرحلة الثانوية على الأقل.
* نريد أبناء يتخرجون من الثانوية العامة وهو يتقنون القراءة والكتابة باللغة الإنجليزية، التي سيكون الخريج معوقاً من دونها، من الناحيتين التعليمية والحياتية.
ما زالت الوزارة تركز على بعض الأمور الشكلية، مثل الكتب الدراسية، والمناهج، والتقنية.. إلخ، مع العلم أن فنلندا وهي الدولة الأفضل في التعليم عالمياً، ما زالت تعتمد على السبورة التقليدية، وأفضل تقنية مستخدمة لديهم هي البروجكتور والشفافات التقليدية، وهذا يؤكد أن الوسيلة ليست هي الغاية، في حين نركز وبشدة على الشكل ونتجاهل المضمون.
المشكلة في التعليم ليست المال فمعدل الصرف على التعليم في المملكة هو الأعلى على المستوى العالمي، والحصول على ميزانية إضافية من المالية أسهل من إقناع وزارة الخدمة المدنية بتعيين مدرسين جديد، وبالطبع أسهل كثيراً من تعديلات عادلة لأوضاع المدرسين، كما أن بناء عشر مدارس جديدة أسهل من تغيير سلوك وعقلية عشرة مدرسين، أما تغيير نوعية طباعة الكتب المدرسية فأسهل بمراحل من العناية بعشرة موهوبين، وشراء الأصول وبناء المباني بلا شك لا يتطلب إلا جزءا من الجهد المتوقع لتعديل السلوك وطريقة الإدارة في مدارسنا. لقد أظهرت دراسة حديثة أن 90 في المائة من المعلمين يرغبون في تغيير مهنتهم إذا سنحت لهم الفرصة، ولا أعتقد أن المشكلة في المعلم نفسه بل في بيئة التعليم المحبطة، وفي نظرة المجتمع للمعلم، إضافة إلى سوء الاختيار لكثير من المعلمين، على الجانب الآخر تركز فنلندا على المعلم بحكم أنه المحرك الرئيسي للعملية التعليمية، حيث يتم تعيين المعلمين من المتفوقين ومحبي مهنة التعليم مع التركيز على حملة الماجستير، والمعلم الأفضل للصفوف الأولية، مع أهمية الاعتزاز بمهنة التعليم وغرسها في المجتمع لتكون المهنة التي يحلم بها المتفوقين والنخبة.
فيما يلي بعض المقترحات التي قد تساهم في تطوير العملية التعليمية:
1. تحديد رؤية الوزارة بشكل واضح، وإعلانها للمستفيدين، ووضع خطة عمل مفصلة لتحقيق هذه الرؤية، محددا فيها البرنامج الزمني للتنفيذ، وأخذ رأي أصحاب العلاقة فيها قبل اعتمادها.
2. التركيز على المعلم بصفته محور العملية التعليمية، واختيار الخريجين الأكفاء للتعليم، وإعادة بناء الصورة الذهنية الإيجابية للمعلم، وتأهيل المعلمين الحاليين بالشكل المناسب، وبناء حزمة من الحوافز للمعلمين الأكفاء، وتحسين كادر التعليم وإزالة فجوة المفارقات في رواتب المدرسين.
3. بناء القدوة داخل بيئتنا التعليمية، فماذا نتوقع أن تكون مخرجات التعليم من معلم مهمل متغيب أو آخر مدخن، أو ثالث متحرش، أو رابع.. أو خامس.. إلخ.
4. الاعتناء بشكل خاص بالصفوف الأولى في المدارس وهي الأساس المتين لبناء الطالب، وتشمل هذه العناية الشكل والمضمون، والمنهج وطرق التدريس، والأهم من ذلك كله المعلمات والمعلمين.
5. إعادة النظر في المواد العلمية المنهجية، وطرق تدريسها، وبالطبع معلميها، بما يجعلها منافسة للدول المتقدمة، وعادة ما تكون هي الأساس في قياس مدى قوة أو ضعف مخرجات التعليم في أي مجتمع، وأقصد هنا العلوم والرياضيات.
6. بناء المهارات لأبنائنا الطلاب عبر برنامج مواز للتعليم، نتوقع من خريج الثانوية العامة أن يتسلح بمجموعة من المهارات الحياتية التي يستطيع بها مواجهة نفسه والمجتمع والغابة الجديدة التي سينتقل إليها.
أعلم يقينا أن الوزير الجديد وفريقه لا يملكون عصا موسى وليس لديهم سلطة على جن سليمان عليهما السلام، كما أن الوزارة لا تتمتع بهذه القدرات بعد، خاصة أنها مسؤولة عما يزيد على أربعة ملايين طالب وطالبة موزعين على قارة مترامية الأطراف، ولكنها المهمة المستحيلة، وأعتقد أن البداية الصحيحة تكون ببدء برنامج مطور إصلاحي في العام المقبل تكون بدايته للصف الأول ابتدائي فقط، وكل عام تزيد استيعابية البرنامج لصف جديد بحيث يكتمل التطوير لجميع الصفوف خلال 12 عاما، ويشمل التطوير المناهج وطرق التدريس وبيئة التعليم، والأهم من ذلك كله المعلم، ويصاحب هذه البرنامج حزمة متكاملة من الحوافز الإيجابية لجودة التطبيق وسرعة الاستجابة تتضمن حوافز مادية ومعنوية، إضافة إلى حوافز سلبية تصل إلى الفصل لرافضي أو معيقي أو بطيئي التطوير من الإداريين والمعلمين، وبالطبع يتزامن ذلك مع منظومة متكاملة من الدعم والتوجيه والرقابة على جودة الأداء وتطبيقاته.
وكبداية ايجابية لعملية الإصلاح أقترح أن يكون من أول قرارات وزير التربية والتعليم الجديد في وزارته أن يمنع تسجيل أبناء موظفي وزارته في المدارس الأهلية، بدءاً من أعلى سلطة في الوزارة مروراً بمديري التعليم الكرام، وتسجيلهم فقط في المدارس الحكومية ليشهدوا بأنفسهم معاناة المواطنين والإصلاحات المرحلية ومدى تطبيقها مباشرة واحتكاكهم المباشر بها " وما حك جلدك مثل ظفرك".
|