رد: المقالات التربوية موضوع متجدد
الاقتصادية:الأربعاء 1430/4/19 هـ . العدد 5665
نظامنا التربوي رسخ في أذهاننا الاستهانة بوظيفة المعلم
د . سعيد بن على العضاضي
نشرت جريدة "الوطن" يوم الخميس الماضي تصريح إدارة التربية والتعليم في القريات، المتضمن اتخاذها قرارا إداريا بتحويل مديرة مدرسة ثانوية إلى معلمة في إحدى مدارس المحافظة، وذلك على خلفية قيامها بقص جزء من شعر نحو 25 طالبة من مقدمة الرأس . وقد اتُخذ القرار بعد تحقيقات أجراها قسم المتابعة للوقوف على حيثيات القضية والأسباب التي دفعت مديرة المدرسة إلى اتخاذ هذا الإجراء غير اللائق وغير المقبول تربويا . كما هددت إدارة التربية والتعليم للبنات في منطقة الحدود الشمالية مديرة المدرسة الثانوية في عرعر بإعفائها من منصبها وتحويلها إلى معلمة بسبب إجبارها أربع طالبات على العودة إلى منازلهن حافيات نتيجة تراشقهن بالأحذية داخل فناء المدرسة، فأمرتهن بتسليم الأحذية والسير حافيات إلى منازلهن . إن تصرف إدارات التربية والتعليم يظهر لنا مدى الاستهانة بوظيفة المعلم، حيث لم تجد عقابا مناسبا لمديرات المدرس سوى تحويلهن إلى معلمات جزاء ما ارتكبت أيديهن . لقد تطرقت من قبل إلى النظرة الدونية لوظيفة المعلم في بلادنا وكيف أنها أصبحت من أقل المهن احتراما، وها هي إدارات التربية والتعليم تؤكد صحة ما ذكرت . أتدرون ما معنى أن تُحوّل مديرة مدرسة إلى معلمة جزاء خطأ ارتكبته؟ معنى هذا أن وظيفة المعلم ليس لها قيمة، فهي في نظرهم وضيعة ومهانة، حتى أصبحت عقابا رادعا لكل مهمل ومتسيب وفاشل . لقد أسقطت إدارات التربية والتعليم هيبة المعلم وأهانت مكانته بين طلابه ومجتمعه بقراراتها التأديبية المتعاقبة التي تنشرها في وسائل الإعلام بين وقت وآخر، ومنها تحويل مديرات المدارس إلى معلمات . إن مثل هذه القرارات سيكون لها أبعد الأثر في الطالبات والمعلمات وأولياء الأمور . لقد منحت إدارات التربية والتعليم الطالبات فرصة إهانة المعلمات لأنها هزت صورة المهنة في أذهانهن بقرار تحويل من يفشل في إدارة المدرسة إلى وظيفة معلمة . هب أن إحدى الطالبات اختلفت مع معلمتها لأي سبب كان ألا تتوقع من الطالبة أن تُعير معلمتها وتذكرها أن وظيفتها هذه مهنة المتخاذلين ومرتع الفاشلين؟ كيف سيكون انعكاس هذا القرار على أداء وولاء المعلمات الفاضلات المخلصات عندما يرون أن مَن ترتكب خللا تربويا يكون جزاؤها ممارسة مهنة التعليم، ومَن تتميز فإنها ستخرج من بينهن إلى بيئة أخرى أجلّ مكانا وأكثر احتراما؟ كيف ستؤدي المعلمة التي كانت بالأمس مديرة مدرسة عملها التربوي الجديد وكيف ستتقبل الطالبات علمها وسلوكها وهن يعلمن أنها بينهن جزاء خلل تربوي ارتكبته، كما أن مهمة التعليم تحتاج إلى مواصفات فريدة فإذا لم يكن المعلم صافي الذهن، خالي الهموم، حسن السمعة، واثق الخطى، فلن يتمكن من تأدية رسالته بنجاح . إنني هنا لا أؤيد البتة ما أقدمت عليه مديرات المدارس، فهذا بالفعل خطأ فادح ولكنني أعارض بشدة طريقة ونوع العقاب، فكان من الأجدر أن تُستبعد من تثبت فشلها في إدارة المدرسة من العمل التربوي ومن مخالطة الطالبات وتمكن من عمل إداري يناسب قدراتها، لأنها أخفقت في ممارسة نصف العمل التربوي إبان إدارتها للمدرسة، فكيف تتقن كامل العملية التربوية عندما تمارس وظيفتها الجديدة كمعلمة؟ والآن وبعد هذا الاعتداء الجائر على مهنة المعلم ألا توافقونني بأن نظامنا التربوي هو الذي تسبب في تقليل هيبة المعلم وقلل من احترامه ورسخ في أذهاننا وفي أذهان الناشئة أن مهنة المعلم هينة ووضيعة . بطبيعة الحال هناك أسباب أخرى وراء هذه النظرة المتدنية لوظيفة المعلم ليس هذا مكان عرضها من أبرزها سلوكيات بعض المعلمين والمعلمات داخل البيئات التنظيمية وخارجها . وهنا تساؤل آخر: هل عقاب كهذا سيطول جميع المديرين والمديرات الذين يرتكبون سلوكيات غير تربوية، فالحقائق التي بين أيدينا تقول إن من بين منسوبي التربية التعليم من يرتكب أبشع من إجبار الطالبات على السير حافيات، ولم نر أو نسمع عن لجان المتابعة والتفتيش وظل هؤلاء يمارسون سلوكياتهم التربوية غير المقبولة ويأمرون وينهون ويُقيمون من هو أكفأ منهم . وختاما أقول إن لمديرات المدارس العذر فيما فعلن ويفعلن ويجب ألا يُلمن على أي سلوك شاذ، فهن مخرجات نظام تربوي عتيق عقيم، فجميعهن لم يدربن ولم يؤهلن بل اكتسبن خبرتهن من الميدان وتعلمن من التجربة والخطأ، فمديرة المدرسة تصيب مرةً وتُخطئ عشراً، وتظل بين هذا وذاك حتى تستقيم لها الأمور وهي على مشارف التقاعد . أما التي كان حظها عاثرا وطُبق بحقها النظام قبل أن تكتمل تجربتها فقدرها أن تختم حياتها الوظيفية في ممارسة مهنة التعليم كمعلمة، التي ترى إدارات التربية والتعليم أنها من أوهن المهن وأنها العقاب العادل لمن لم تنضج تربويا .
|