رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم25/4
الرياض:الثلاثاء 25 ربيع الآخر 1430هـ العدد 14911
وزيري التربية والصحة... القيادة والتخطيط أولاً !!
د.عبدالرحمن القحطاني?
لماذا ترصد المليارات في العديد من مشاريعنا ولا نرى الأثر المطلوب؟.. ولماذا تصرف المليارات في تلك المشاريع الوطنية في حين يصرف أقل منها الكثير في دول نامية وتنجح؟.. ولِمَ نجد برامج ومشاريع وطنية في دول كانت قُبيل عقود قريبة أقل منا مالاً وسعةً.. قد بدأت تقطف ثمار برامجها التنموية وتحديداً التعليمية والصحية، وهي الآن تلامس مصاف الدول المتقدمة في ذلك؟!، في حين أننا مازلنا نتلمس بدايات الطريق مع عدم وضوح فيه وضبابية!!. لا أخفيكم أن هذه التساؤلات تعتصر في ذهني منذ أزلٍ بعيد.. فلماذا نسير في مؤخرة الركب مع وجود موارد مالية ضخمة، وما هي الأسباب في هذا الجمود؟!وقبل التحدث عن ذلك السبب، فأرجو من الجميع تحمل هذا الرأي برحابة صدر وقبول للرأي الآخر!!.. فلقد وصلت إلى نتيجة مفادها أن مقوم العزيمة الصادقة والإخلاص في العمل ليس كافياً لوحده لتحقيق الأثر في برامجنا ومشاريعنا.. ولا مقوم النوايا الحسنة لوحدها.. أضف لذلك أن توفّر المال لوحده فقط لا يعني البته القدرة على تحقيق أهدافنا التنموية وطموحاتنا.. لقد كان لي شرف العمل في وزارة التربية والتعليم لمدة تزيد على عشر سنوات احتككت وعملت فيها مع عدد من صنّاع القرار والسياسات وواضعي الخطط بمختلف مستوياتهم وتخصصاتهم، ثم انتقلت للعمل مؤخرا بوزارة الصحة واحتككت فيها بعدد من صانعي السياسات والخطط ببعض مستوياتهم.. وتوصلت إلى نتيجة واضحة جلية.. أعتقد أنها أحد الأسباب الرئيسة في الضعف والخلل في مسيرة التنمية التعليمية والصحية..نحن - في حقيقة الأمر - لا نحتاج إلى منصب قيادي (أو غيره) ، كمدير قسم أو مدير عام أو وكيل أو أعلى من ذلك أو أدني من الوظائف، يقبع فيه معلم مخلص في وزارة التربية، أو طبيب متفان في وزارة الصحة حتى نضمن تحقيق الأهداف والمرامي والاستراتيجيات!!.. نحن نحتاج، بالإضافة إلى الإخلاص والتفاني والعزيمة الصادقة، مهارات أخرى تمثل نقطة ارتكاز للوصول إلى أهدافنا وإنجاح برامجنا وخططنا.. لقد طافت بي الذاكرة أثناء كتابتي لهذا المقال إلى فترة دراستي في بريطانيا في تخصص (تعزيز الصحة)، حيث كنا كطلبة نُلزم بأخذ مقررات في السياسات الصحية نتعلم فيها نظريات تكوين السياسات والأنظمة الصحية ومهارات صنعها بمستوياتها المختلفة، سواء في المنظمات والمؤسسات أو على مستوى المجتمع المدني.. وكذلك مقررات أخرى تُعلِّم مهارات التخطيط بمستوياته المتعددة، بما في ذلك وضع الأهداف وصنع الاستراتيجيات، وتحديد الأولويات ثم كيفية الإشراف والتقويم مع تطبيق عملي من خلال تنفيذ برامج واقعية.. وهي مرحلة مررت بها أيقنت بعدها أنها أسٌ لأي منصب إداري تخطيطي، ومهارات لا بد منها لصنع النجاح والأثر في المنظمات والمجتمعات. فنحن - حتى نصنع الأثر كما صنعه غيرنا - نحتاج إلى القيادي (بمستوياته المختلفة) الذي يمتلك مهارات التفكير الاستراتيجي، وكيفية اتخاذ القرار وبناء الأنظمة، وصنع الخطط الإستراتجية بناء على تحليلٍ للوضع، وقدرةٍ على تصميم الأهداف، وتحديدٍ للأولويات، واستقراءٍ للمستقبل.. والواقع يقول أن تلك المهارات يندر أن تجدها في معلم حاصل على دراسات عليا في مجال تربوي بحت، أو طبيب يحمل تخصصاً إكلينيكياً ثم نضعهما في مناصب قيادية يتطلب من حاملها مهارات متقدمة في الإدارة والتخطيط والإشراف!!. نعم قد أكون قاسياً في حديثي هذا، وسيؤلم العديد من الزملاء في كلتا الوزارتين، بل وسيعتب علي الكثير من الزملاء في وزارة التربية أو الصحة.. ولكن عذراً فهذا هو الواقع الذي يجب أن نتعاطى معه ونعالجه لكي ننهض ببرامجنا ومشاريعنا التنموية في كلتا الوزارتين.
ولكن مهلاً.. فيمكن لذلك المعلم أو الطبيب أن يصبح قيادياً ناجحاً إذا ما أمتلك الرغبة في تطوير ذاته، ثم حصل على التأهيل والتدريب الكافي في الإدارة والتدبير وصنع الخطط بأنواعها كالخطط الإستراتيجية والتنفيذية، وطرق صنع السياسات واتخاذ القرار. وأيضا مهلاً.. فهذه الرؤية لا تنفي مطلقا وجود عدد من الكفاءات التربوية والطبية التي تعمل في كلتا الوزارتين ممن استطاعت أن تثبت وجودها في مجال القيادة والتخطيط.. وذلك من خلال تطويرهم الذاتي لمهاراتهم في تلك المجالات، إلا أنها تظل - في وجهة نظري - كفاءات قليلة العدد!!. ولهذا فرسالتي المختصرة التي أذكر بها سمو وزير التربية والتعليم وكذلك معالي وزير الصحة، أنه ولكي نصل لأهدافنا التنموية التربوية والصحية، فأجزم أننا بحاجة ماسة إلى الاستثمار في صنع قياديين على مستوى الجهاز المركزي وكذلك الجهاز الطرفي بالمناطق والمحافظات ممن يتصفون بمهارات عالية في مجال الإدارة والتخطيط وصنع الأنظمة واتخاذ القرارات والإشراف، ويتسمون كذلك بعدم الانفراد في الرأي وعدم الاستناد إلى الاجتهادات الفردية.. وذلك حتى نضمن القدرة على استثمار تلك الموارد المالية الضخمة لدى كلتا الوزارتين بطريقة فعّالة وناجعة.
ورايتي التي دائما ما أرفعها في مثل هذه المواطن.. أن البلد - وبفضل الله - بها الكثير من الموارد المالية والمادية التي يمكن أن تستثمر لدعم مسيرة التنمية.. ولكنها بحاجة إلى خطط فعّالة.. ورقابة بناءة!!.
? خبير تعزيز الصحة
|