رد: الملف الصحفي للتربية الارعاء 26/4
الرياض:الاربعاء 26 ربيع الآخر 1430هـ العدد 14912
رؤية واعية لواقع التعليم
تركي بن عبدالله السديري
قرأت كتاب «إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية» لمؤلفه الدكتور أحمد العيسى.. إنه من الكتب النادرة التي يتطابق فيها العنوان مع المضمون.. ورغم أن الكتاب لم يتجاوز 157 صفحة إلا أنني أعتبره أدق دراسة متمكنة تناولت أوضاع التعليم وكشفت للقارئ مسببات تراجعه بل وتحوله إلى حاجز صلب ضد تنوع المعرفة، الأمر الذي لم يؤثر فقط على أهمية المدارس والجامعات ولكنه أثّر أيضاً على ما انتشر من سطحية في الوعي الاجتماعي.. ربما يكون ما تناولته يوم أمس في زاوية «لقاء» هو بعض من سذاجة تلك السطحية وبذاءتها.. كتاب الدكتور العيسى في مضمونه المتمكن ليس مجرد كتاب نقرأه ثم نعيده إلى رف الكتب، لكنه دراسة توثيقية لأسباب هبوط مستوى التعليم وعجزه عن تنفيذ ما هو مطلوب أو على الأقل مسايرة ما هو متوفر في دول عربية محدودة الإمكانات، مما يجعلني أرى ضرورة توفر هذا الكتاب لدى مَنْ يملكون قرارات رسم سياسات التعليم وتطويره، وأيضاً بين يدي مَنْ يتولون مسؤولية التنفيذ. قبل قراءتي للكتاب كنت أتصور أن هبوط مستوى التعليم بل وصوله قبل عشر سنوات تقريباً إلى مرحلة العجز مرتبط بطغيان أهمية نوعية منه غير مرفوضة واحتجاب نوعيات أخرى مطلوبة.. لكن اتضح لي أن هناك سياسات إلزامية ارتبط بها التعليم أصرت على حجب تنوعاته وذلك بالإصرار - عبر وثيقة التعليم الرسمية التي صدرت عام 1968 - على حصر الاهتمام بالثقافة الإسلامية وحدها ووضع مقاييس معقدة لنوعية وظيفة المرأة ونوعية الكتاب الذي يُسمح بنشره أو يُسمح بدخوله إلى مكتبات المملكة.. في حين يفترض أن تكون الثقافة العامة مفتوحة ليس بانتهاج ما هو سلبي منها ولكن بالاطلاع على كل ما هو جديد، وأن توظيف المرأة يجب أن يشمل توسعاً منطقياً وليست كل المهمة هو إعدادها كأم صالحة وربة بيت ناجحة وزوجة مثالية.. هذا مجال أسري لكنه يخنق المهمة التعليمية.. يشير الكتاب إلى أثر انتشار المد الناصري في ذلك الوقت وكيف أن مواجهته استلزمت وجود ثقافة إسلامية متمكنة قادرة على المواجهة، وهذا صحيح وضرورة، لكن كان يجب بعد انكسار الناصرية ومعها البعث والشيوعية في وقت متقارب أن يكون هناك وجود للتعليم العلمي وثقافته والتواصل مع إيجابيات العالم الحضاري.. خصوصاً وأن الملك فيصل - رحمه الله - الذي جعل من التضامن الإسلامي قوة مواجهة محترمة ضد تكتلات العبث العربي لم يتردد في إقرار تعليم البنات فاتحاً مجالاً مهماً في مجالات التعليم..يضاف إلى ذلك أن نوعية المدرسين المستوردين آنذاك لعبت دوراً سلبياً في توفير محدودية اهتمامات التعليم.. خصوصاً وأن البعض منهم كان له انتماء للإخوان المسلمين في مصر.. الأمر يعني أيضاً أن مباشرة دولتنا الآن لخلق التفوق التعليمي كان يجب أن يبدأ قبل ثلاثين عاماً تقريباً.. إننا مازلنا نملك الفرص الواسعة للتفوق وتحديث المجتمع، لكن يجب أن يواجه مَنْ يحاولون إعاقة التعليم والثقافة بجدية ردع توقيف ما تؤديه بعض مناسبات الخطابة يومية أو أسبوعية، وكذا مواقع النت المترصدة لكل جديد علمي وحضاري بالتشكيك بل الطعن في أهميته
|