رد: الملف الصحفي للتربية والتعليم
المدينة : الجمعة 28 ربيع الآخر 1430هـ العدد 16802
حجرة الدراسة أولًا
علي يحيى الزهراني
.. لازال الناس يتطلعون الى ما سيقوله أو سيقدمه سمو الأمير فيصل بن عبدالله وزير التربية والتعليم! ولا أحد قد يستغرب ان طال صمت الرجل فالمسؤولية كبيرة والتركة أكبر وما ينتظر منه كباعث للتجديد والتغيير فوق ما يسابق به وإليه أحد، غير ان المؤكد ان سموه ليس في الموقف الذي يمكن أن يحسد عليه، ذلك ان التربية والتعليم غير أي وزارة اخرى.. (هنا) انت لا تهتم بصناعة (علبة كبريت) ولكن بين يديك (جيل) ومستقبل أمة بأكملها وهذه أمانة عظمى.. وتأديتها على قدرها أقدس واعظم وأثقل ما يحمله كاهل بشر!! ولن تسلم في كل (الفرضيات) من النقد والأخذ والرد حتى ولو حمل ثوبك بياض قميص يوسف أو ملكت عصا موسى. ولا تلوم أحداً فهذا هو همنا كلنا، فالكل في الجسد التربوي تؤلمه ضغطة الأظافر وتوجعه قرضة الاسنان!!. ولهذا فلم استغرب من كل هذا (الكم) الكبير جداً من الكتابات التي تسابق اصحابها الى نثرها بين يدي الوزير الجديد ليقولوا له من ناحية (إنا لك من الناصحين) ويؤكدوا له بأخرى مقدار الهم وعظم الرسالة!! وليس بأكثر نصحاً من تبيان: أين انت مما نحن فيه؟ أو أين نحن مما أنت مقدم عليه؟! .. وللحق فإن أخلص ما سمعت وقرأت هي الحالة التعليمية التي نعيشها: أين نقف نحن؟ وأين يقف الآخر!! والاجابة كما تصوغها تلك المعادلة الحرجة جداً.. فنحن أكثر الدول انفاقاً على التعليم ونحن من آخر الدول في مخرجاته!! هذا بحسب تقارير دولية وهذا قياساً بعالمنا العربي، أما على المستوى الدولي فإن الامر اكثر حراجة وأشد تعقيداً وحين تنفق اكثر وتأتي في الآخر فإن هذا يعني ان هناك ليس فقط مجرد خلل! و(المخرج) دائما هو المعيار الحقيقي لما تقدمه وكيف تقدمه؟! لكن المؤكد ان هناك أكثر من علة افضت الى هذا (الخراج) المر!! بعضها يتعلق بالهياكل القديمة وبعضها يتعلق بالانظمة وآخر (بأنماط) التفكير التي تقود العمل التربوي!! انما الاكثر تأكيداً ان هذه هي حقيقة (الحال التعليمية) التي ورثها الوزير الجديد. وهي تركة مأزومة ان صح التعبير من واقع معطيات هذه المعادلة الصعبة!! والخروج من هذه الحال لن يكون بأمنية منبتٍ أو قعقعة مستثير.. المسألة تحتاج الى تحولات جذرية وتغييرات حقيقية، وذلك في كل شيء.. (فكراً وإدارة وانظمة). لهذا فلا نلوم صمت الوزير ولانستعجله في أمر على غير حقه وقدره!! .. وما اردت ان انصح به هو ان يبدأ وزيرنا (ثورته التصحيحية) - ان جاز التعبير - من هناك، من داخل المدرسة، من داخل الحجرة الدراسية!! لنجعل الفصل الدراسي هو المرتكز وهو المنطلق وهو محور كل جهودنا.. منه واليه نعمل ونتحرك ونجتهد!! كل خططنا يجب ان تبنى عليه وأن تستهدفه! هذا الفصل يجب ان يكون هو العنوان الحقيقي (للتربية والتعليم) هو منهل التربية ومصدر التعليم ومركز التفوق وساحة الابداع يتلقى فيه الطالب كل علومه ومعارفه ويحقق فيه ذاته من قيم وسلوكيات وميول وتوجهات!! وكل الشرائح التربوية يجب أن تشكل دوائر متشابكة متداخلة باتجاه الفصل الدراسي!المعلم.. رسالته داخل فصله مع طلابه. والمشرف التربوي عمله داخل الفصل مع معلمه. ومدير المدرسة عمله داخل فصوله مع معلميه وطلابه! نعم هذا هو الوجه الحقيقي للفصل الدراسي وعندما نعيد للفصل رونقه ودوره الأصيل فإننا نكون من (هنا) قد بدأنا في صياغة ذاتنا وحضورنا (لمخرج) تعليمي يمكن لنا أن نزاهي به ولو حتى انفقنا في سبيله (البلايين) الكثيرة ولن نتوارى بعد ذلك خجلاً من حجم انفاق سوء ترتيب!! .. الذي حدث يا وزيرنا الغالي اننا كلنا.. دون استثناء هربنا من داخل الفصل ورحنا نتحسس خراجه خارجه! انشغلنا جميعاً وتشاغلنا ببهرجات خارجية وملابس فضفاضة لا تغني ولا تسمن من جوع!! المديرون العامون في الوزارة انشغلوا واشغلونا بكثرة هذه اللقاءات والاجتماعات التي لا تحقق اكثر من الانتداب ومصاريف السفر!! مديرو التعليم اشتغلوا بمناسباتهم الجانبية وتشاغلوا (ببشوتهم) عما بداخل مدارسهم. المشرفون التربويون استنزفوا في برامج هامشية لا ناقة لهم فيها ولا جمل.. أصبحوا يطاردون المناسبات الاجتماعية والتربية السياحية وحتى في داخل أروقة التعليم اشغلناهم عن عملهم الحقيقي (المعلم) بما يجعلهم يركضون خلف كل شيء إلا هذا المعلم!! مدير المدرسة اتخمناه حتى الثمالة بكل شيء ليصبح الطالب والمعلم هما ابعد مسافة في عمله اليومي!! المعلم نفسه.. اشغلناه في مناسبات وأعمال أخرى.. وأصبح (مغيباً) عن رسالته الحقيقية اكثر مما هو (حاضر) ذهنياً وجسدياً فيها!! باختصار.. فرغنا الفصل الدراسي من داخله فافتقد دوره واصاب الشرخ ما بداخله! وإلا قولولي من الذي نزع مسحة (الوقار) عن جلباب المعلم؟ ومن الذي سلب نظرة (التقدير) من عيون الطلاب؟ ومن الذي أوصل المعلم لكي يقاضى ويحكم عليه بالجلد أمام طلابه؟ ومن الذي دفع بالطالب ان يركل معلمه بحذائه وأن يطعنه بسكينه؟ من الذي جعلنا نستجدي القيمة التربوية برسالة SMS لا بنفحة معلم؟ اسئلة كثيرة ومشروطة.. اما اجاباتها فهي نفس اجابة السؤال الصعب: من الذي جعلنا نكون الأكثر انفاقاً والأسوأ خراجاً؟؟! .. يا وزيرنا العزيز اشرعوا ابواب فصولنا الدراسية من جديد أعيدوا صياغتها من جديد.. اعطوها حقها لكي تكون كما كانت وأفضل مما كانت حتى تتصدى لدورها! فمن داخل الفصل تكون التربية ويكتسب التعليم.. ونبني الاخلاق والولاء ونزرع القيم ويكون (الأنموذج) المثالي للتعامل ما بين المعلم وطلابه.. من داخل الفصل يكون كل شيء ويتحقق كل شيء شريطة أن نكون كلنا داخل هذا الفصل.. وأن نترك كل هذه البهرجة وهذه الشكليات.. وأن نعود الى ادوارنا الحقيقية كما حددتها (في الأصل) الانظمة التعليمية! .. التصحيح يبدأ من هنا.. اما العودة لهذا التصحيح فتبدأ من يديك يا سمو الأمير.. مع دعائنا لك بالتوفيق..
|