الوطن:السبت 29 ربيع الآخر 1430 العدد 3130 ـ
معلمون راقصون
عبدالله المغلوث
اعتزل عبد العزيز محمد اليوسف (39 عاما) الرقص في الأعراس بعد أن رجمه أحد طلابه بكلمتين كتبهما على سبورة فصله قال فيها:"الراقصة وصلت". كانت الكلمتان القشة التي قصمت ظهر البعير، حيث غادر إثرها اليوسف، مدرس التاريخ في الخبر، فرقة الفجر للفنون الشعبية، التي أسسها، متأثرا بجراحه. يقول:"لم أعد أتحمل إهانات جديدة. الانتقادات تلاحقني في منزلي، والمسجد، والآن وصلت إلى مدرستي". وكانت نورة، ابنة عبد العزيز اليوسف، رفضت الذهاب إلى مدرستها ليومين متواصلين لأن رفيقتها في الفصل طعنتها في أذنها بسؤال مدبب: "هل أبوك مُعلم أم راقص؟".في حين اضطر مشعل علي البخيت (34 عاما)، المسؤول عن العدة في فرقة ليالي نجد للفنون، إلى الانفصال عن هوايته التي أحبها بسبب زواجه. يقول"خيرني عمي بين ابنته أو الفرقة". ورغم مرور ست سنوات على انصرافه عن إحياء الاحتفالات الشعبية والزواجات إلا أن يده مازالت تأكله كلما شاهد دفا أو طارا. وليست أصابعه وحدها التي تفتقد تلك الأمسيات الصاخبة، فجيبه أيضا يفتقد الأجر الذي كان يحصل عليه إثر مشاركته فيها. يعترف: "راتبي كمدرس لا يكفي".وتحصل الفرق الشعبية على أجر يصل لـ 10 آلاف ريال لإحياء الزواجات داخل المدينة التي تقطنها الفرقة. ويرتفع الأجر كلما طالت المسافة. ويصل أجرها إلى 50 ألف ريال عند الارتحال إلى قطر، ويتضاعف في الإمارات. كما تتلقى الفرقة نحو 100 ألف ريال جراء المشاركة في الاحتفالات العامة. وتتفاوت أسعار الفرق حسب سمعتها وعدد أفرادها. فلا توجد أسعار ثابتة. وتؤثر العلاقات الشخصية أيضا في تحديد السعر. وتتكون الفرق عادة من موظفين وطلاب من مختلف الأعمار.ويأتي محمد المطر(47 عاما)، شاعر العرضة في فرقة سيالة للفنون الشعبية، ومدرس الرياضيات لمدرسته مجهداً نظرا لمشاركته الدائمة في إذكاء السهر. يقول:"إنها مهنة في دمي ورثتها عن أجدادي، ولا أستطيع الخلاص منها".تواجه الفنون في المملكة تحديا جسيما يساهم في تسرب الموهوبين وعدم تطورهم يتمثل في نظرة المجتمع نحوهم. فعندما يصبح الشخص ممثلا، تناله الاتهامات وتحاصره. وكذلك الحال عندما يصبح ملحنا أو عضوا في فرقة. وتطال الاتهامات أبناءه وتؤذيهم في سنواتهم المبكرة. شخصيا، رزقني الله بصديق يمارس والده التلحين ببذخ منذ نعومة أظفاره. كان يتعرض للشتائم، ما خفي منها وما بطن، مع كل لحن يقدمه.كان يتألم كلما قذفه أحد بكلمة فتهتز ريشته وتسقط. وكلما استعادها عادت القذائف! أؤمن أنه لو خلق في مجتمع يشجع الفن ويعتني به سيكون أكثر سعادة وإنجازا.هذه الأجواء التي تعرض لها صديقي وأبوه وكثير من الفنانين ساهمت في انحسار الفن وتذبذبه. فأصبح لا يوجد لدينا محترفون سوى في كرة القدم. فالمجتمع لا يقبل الفنان. لا يعيره اهتمامه بل يعيره!فأصبح الفنان يمارس هوايته خلسة، أو يمنحها النزر اليسير من وقته واهتمامه، مما أتاح الفرصة لأنصاف الموهوبين ليعيثوا في الوطن ارتجالا!الوطن في أمس الحاجة إلى معلمين حاذقين يغذون تلاميذهم فكرا وثقافة وفنا وإنسانية تساهم في بناء جيل لا يقصي ولا يطرد، يعزف ولا يقذف.