عرض مشاركة واحدة
قديم 04-28-2009   رقم المشاركة : ( 12 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الملف الصحفي للتربية 3/5

الرياض:الثلاثاء 3 جمادي الأولى 1430هـ العدد 14918
بهكذا تتحقق لنا النهضة المتألقة
محمد بن أحمد الرشيد
في مقاليَّ للأسبوعين الماضيين اللذين تحدثت في أولهما عن حق المرأة المسلمة في الولاية والإدارة مشاركة شقيقها الرجل في صنع التنمية وتقدم المجتمع، وفي المقال الثاني عن أن الجدارة هي العامل الرئيس في تولي المناصب القيادية والإدارية؛ بحكم أن القدرات عليها هي مواهب إلهية خصها الله لأُناس دون غيرهم، ولا تحققها شهادات، كما أنه ليس للعمر طوله أو قصره دور فيها.. ولو أن كل شخص - رجلاً كان أو امرأة - تهيأ لكل واحد منهما أن يمارس عملاً هو الأجدر به لكان ذلك سبباً للنجاح في تحقيق أهداف مؤسسات المجتمع العامة والخاصة. ويأتي التعليم - الذي نتحدث عنه في سلسلة هذه المقالات بمراحله المختلفة - كاشفاً للقدرات البشرية والميول والتوجهات الفردية، وصاقلاً للمواهب، ومؤهلاً كل إنسان ليقوم بدوره الذي هيأه الله له أن يكون قادراً عليه، فالحكمة تقول: (كلُّ مهيّأ لما خُلق له). ولقد دار الحديث في مقالاتي السابقة حول الشخصية التي نُعِدُّها في المؤسسات التربوية لكي يكون مستقبلنا مشرقاً، مواكباً لما حولنا من العالم المتطور - بل متفوقاً عليه - سابقاً له إن أمكن، ومهما كانت الحال التي نحن عليها فإن علينا ألا نستكين. لأننا إذا استكَنَّا، ولم نعط الثقة لذوي الاختصاص أن ينهضوا بتعليمنا، ويطوروا أساليب تربية ناشئتنا فمعناه أننا نسلم بكل ما يجري في مجتمعنا مما نضيق به. ونحتج عليه.
***
إن القيادات التعليمية والتربوية ومعهم جميع المربين في الميدان على علم ودراية بأن المدرسة، والمعهد، والجامعة جميعها في موقع المسؤولية الأولى.. فهي «المنظومة» التي بواسطة امتداداتها المتنوعة تمتلك الأبحاث، والأجهزة والأماكن، والأوقات، لتحقيق كل ذلك. إن لدينا حشوداً من الطلبة، وحشوداً من الأساتذة الجامعيين، والمعلمين، والقادة التربويين، ولدينا أماكن تزخر بساعات ثمينة من الزمن والأعمار، ويمكن ضبط كل ذلك وتطويعه، وعلينا معشر التربويين أن نجيب عن التساؤل من مجتمعنا، ماذا صنعت المؤسسة التعليمية بأبنائنا!
***
وإذا كان الله العلي العظيم لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فإن الأسباب التي نأخذ بها نحن بني البشر ليغير الله حالنا إلى الأفضل هي أن نعهد إلى مؤسسة التربية، فنعلي من شأنها؛ إذ إن جُلَّ التغيير يأتي من خلالها.. ولا تتغير التربية حتى تتغير المؤسسة، معلماً، ومحتوى، ومنهجاً، وأسلوباً، ومن باب الأمانة والصدق مع النفس أن كل دولة حققت سبقاً في تعليمها فإن مرجع ذلك يعود إلى اصطفائها رأس العملية التعليمية، وهو المعلم. ولقد وقفت على ذلك بنفسي في بلاد مثل: فنلندا، وكوريا الجنوبية، وتايوان، واليابان، وسنغافورة، وجدت في تلك البلدان معلمين مقبلين على العمل محبين له، مخلصين في عطائهم لطلابهم، وقد ظهر ذلك جلياً في حب طلابهم لهم وللعلم؛ حتى إنهم لا يتبرمون من طول الدراسة، وكثرة العلوم، ويمثل المعلمون فئة تحتل تقدير مجتمعهم، لم تهضم حقوقهم، ولم تُنقص مكانتهم، وقبل ذلك كان اختيارهم للقيام برسالة التعليم طبق ضوابط سليمة منعت أن يلتحق بالمهنة الشريفة من هو من غير أهلها.
***
ولقد قُدِّر لي ذات مرة وأنا أحضر مؤتمراً تربوياً بهروشيما في اليابان أن أُقيم ثلاث ليال مع أسرة يابانية «عندهم ثلاثة أطفال في سن التعليم» حسب تنظيم إدارة المؤتمر لي ولغيري.. رأيت ما أذهلني: «رأيت الصغار قبل الكبار يبكرون إلى المدرسة في غبطة ونشاط، ولا يعودون إلا قبل غروب الشمس بقليل، وهم كما ذهبوا بنشاطهم وحبهم للمدرسة.. ومرد ذلك إلى المعلم الذي هو جوهر المدرسة وعطاء العلم، وكان من دلالات احترام ذلك المجتمع للمعلم أن مخصصاته المالية تفوق أقرانه من أصحاب المهن الأخرى بما في ذلك المهندسون والأطباء.
***
إننا إذا قلنا إن الحماية لأي مجتمع ديناً، وأرضاً، وثروة تقع بعامة على كاهل شعب ذلك المجتمع، وأن مهمات التصدي والدفاع العملي تقوم به تلك الأجهزة التي تُدرس الاستراتيجية، وتدير مدارس الضباط وصف الضباط والجنود، وتصنع السلاح، وتؤدي المناورات في الميادين.. وهي التي تعلم ماذا نمتلك حقيقة وفعلاً من قدرات دفاعية وهجومية، ومن هم خصومنا، وليس لأحد من غير ذوي الاختصاص التدخل فيما يقومون به من عمل؛ فإن هذا يقود إلى أن المتخصص هو المسؤول أولاً.
***
وما دام المتخصص هو المسؤول أولاً فإن المسؤولية الأولى الضخمة تجاه إعداد الإنسان وتهيئته للإسهام في حياة كريمة تقع - أول ما تقع - على المؤسسة التعليمية تعاضدها في ذلك مؤسسات المجتمع الأخرى، ولن يتحقق لها ذلك إلا بتوفر المعلم المخلص، المحب لمهنته، والذي ينظر إلى عمله على أنه رسالة لا مجرد وظيفة. إن المدرسة مؤسسة ائتمانية، نُودع فيها أغلى ما نملك طمعاً في التأهيل المتكامل سلوكاً، ومهارات، وأداء. وحين يلح المخلصون على توفير كل متطلبات النجاح فإنهم ينشدون الأمثل كي تحقق المؤسسة هذه الغايات.
***
إن المطلوب هو أن تتمكن هذه المؤسسات التربوية - وكل مؤسسة من مؤسسات الوطن تعاضدها من أن تؤثر تأثيراً إيجابياً بشكل منظم في أفراد الوطن وجداناً، وعقلاً، ومن القيام بدورها الجوهري في نهضة بلادنا، وبلوغها مرامها، وعلى مجتمعنا ألا يجابه ذوي الاختصاص في مسعاهم برفض يستحيل معه تحقيق هذا التطوير، أو بإنقاص حق من يقوم بهذه الرسالة الشريفة.
***
دَعُونا نسأل عن معنويات عضو هيئة التدريس الجامعي، وعن معلم التعليم العام، وقد لا يكون معروفاً عند كثير من الناس كيف أن بعض هذه الفئة التي تقوم بهذه الرسالة العظيمة «رسالة التعليم» ليسوا راضين عن واقعهم تمام الرضا لأسباب كثيرة، لا مجال لتعدادها، ومن أهمها مكانتهم التربوية في المجتمع، وإمكاناتهم المادية، وأنا أعرف كثيراً من الأساتذة الجامعيين المرموقين في مجال تخصصاتهم العلمية لا على مستوى المملكة بل على المستوى العالمي، ومع ذلك حين بلغوا سن التقاعد، وأخرجوا من المساكن التي هيأتها لهم الجامعة اضطروا للسكن في بيوت متواضعة مستأجرة، وكذا الحال في الغالبية الساحقة لمن هم في سلك التعليم العام نعم.. لن تصلح أحوال تعليمنا إلا بشعور الأستاذ الجامعي، والمعلم بالرضا والاطمئنان.
***
إن أعداداً كبيرة من المعلمين والمعلمات في مدارسنا ومعاهدنا يشعرون بالغبن والإحباط؛ حيث يشغلون رتباً وظيفية هي أقل بكثر في مستوياتها عما يستحقونه نظاماً. بل إن بعضاً من الناس - للأسف - لا يرون في مهنة التعليم ما يستحق الإعجاب والتقدير، وأؤكد أنه بدون يقظة ضمير تجعلنا نكرم الأمناء على تربية أولادنا ونعزهم، ونقدرهم، ونتعاون معهم، ونتفهم ما قد يجابههم من مشكلات، ونعمل على حلها فلن يُحقِّقوا لناشئتنا تربية وتعليماً تُعِدُّهم لمستقبل تتزاحم فيه الشعوب بالمناكب، ولا بقاء فيه إلا للقوي الذي هُيِّئ للمنافسة والبروز.
***
حذار حذار من التفرقة بين من ينتمون إلى هذه المهمة الشريفة بتصنيفهم إلى فئات متعددة.. فنقول: هذا وطنيُّ، وهذا متعاقدٌ.. فلن تستقيم أحوال التعليم إلا إذا استقامت معاملات المعلمين جميعاً. وها هي دول كبرى معيارها الوحيد هو الكفاءة والمسؤولية.. بصرف النظر عن النوع والجنسية؛ فحينما يوكل إلى شخص القيام بتعليم مواد علمية - على سبيل المثال - فإن مخصصاته المالية ينبغي أن تكون طبقاً للمرصود لهذه المسؤولية، دون تفرقة بين من يقومون بأدائها غير ما حدد من معايير.
***
وفي هذا الصدد فإن علينا أن نعترف بالفضل لأهله، فقد كانت بداية النهضة التعليمية - التي تنعم بلادنا باستمرارها وتطورها - على يد إخوان جاءوا من البلاد العربية معلمين ومربين، في زمن كانت أحوالنا المعيشية هنا بسيطة، وأقل بكثير مما كان ينعمون به في بلادهم - وجاءوا مشاركين بخبراتهم، راضين بعملهم معنا.. ولا يزال كثير منهم حتى اليوم يعطي مخلصاً رغم التفرقة الشاسعة في المخصصات المالية - مع وقوع أثقل الأعباء العملية عليهم.
ويطيب لي أن أُذَكّر بالقاعدة النفسية المعروفة (وهي أنه لا يمكن أن يبدع الإنسان في عمله ويخلص إذا شعر بغبن يقع عليه) وعلماء الإدارة يقررون (أن الاعتمادات المالية هي للوظيفة وليست للموظف وأن قيمتها المادية متساوية مع تساوي المسؤوليات).
***
ولقد نقل لي من أثق بروايته أن إحدى المعلمات المتعاقدات الجديدات اتصلت بأحد المشايخ تسأله عن عدم تساوي راتبها مع راتب زميلتها الوطنية إذ البون شاسع جداً مع أن العمل واحد كماً وكيفياً؛ فأجابها (وهل تتساوى الأمة مع ربتها).. فشكرت المعلمة الشيخ.. ولم تتكلم بعد ذلك.
إن كان هذا قد حدث.. فكيف يكون الجواب.. أم هل هذا من الدين أو الإنسانية؟؟!!
***
وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب، والأخذ بأسباب القوة
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس