رد: الملف الصحفي للتربية الاحد 8/5
الرياض:الاحد 8 جمادي الأولى 1430هـ العدد 14923
الانتماء الوطني في التعليم العام
د. فهد بن عبدالكريم البكر*
تشهد جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية خلال هذه الفترة - ولا تزال - حراكاً علمياً في كافة المجالات والأصعدة، ما جعلها تتبوأ مكانة متقدمة في التصنيف العالمي الأخير للجامعات، ولاشك أن هذه المكانة المتقدمة للجامعة، يقف من ورائها رجال مخلصون، يأتي في مقدمتهم معالي مدير الجامعة الأستاذ الدكتور/ سليمان بن عبدالله ابا الخيل، الذي ارتاد آفاقاً جديدة لرسالة الجامعة معتنياً بشكل خاص بخدمة المجتمع والتفاعل مع قضاياه، ومحاولة إجادة الحلول المناسبة لها، فكانت الجامعة متميزة حقاً في مثل هذه القضايا، واستكمالاً لهذه المسيرة عقد في رحاب الجامعة يوم الثلاثاء الموافق 1430/3/27ه ندوة «الانتماء الوطني في التعليم العام» حيث إن دور الجامعة ورسالتها تجاه خدمة المجتمع ينبغي ألا يقتصر على التعليم داخل القاعات الدراسية وإنما هو أكبر من ذلك وأشمل. لقد جاء اختيار جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لهذا الموضوع انطلاقاً من تحديات العولمة التي تواجه التربية اليوم في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وما صاحبها من انتشار قيم سلبية، تدعو إلى الفردية وتضعف من قيمة الانتساب للحدود الجغرافية، والهوية الثقافية. فالعولمة تركت آثارها على قضايا المواطنة والهوية الثقافية، في عصرها أصبحت الحدود الجغرافية للدول متاحة عبر التكنولوجيا الرقمية، وأصبحت المشاكل والقضايا المحلية لها صيغة العالمية، وفي ظل هذه التحديات يحتاج التلاميذ الى الشعور بالفخر نحو مجتمعهم، وكذلك الإحساس بالمسؤولية. إن ظواهر الانحراف والقلق التي تنتشر اليوم بين الشباب تقدم كل يوم دليلاً جديداً على مدى القصور في عمليات الرعاية والتوجيه والتربية التي تقدمها مؤسساتنا التعليمية. وتكشف عن مدى حاجة طلابنا الى عمل منظم يقدم إليهم ثقافة الانتماء والمواطنة التي تسلحهم بالوعي الكامل بظروف الوطن والمخاطر التي تحيط به، وبدوره في التصدي للمناورات التي تستهدف النيل من شبابه، وذلك بالتأثير على أفكارهم وإرادتهم وبث روح السلبية والاتكالية، وزرع القيم المنحرفة التي تساق إليهم من الخارج. إن الانتماء إحدى دعائم بناء الفرد والمجتمع والأمة، وبدونه لا يمكن للفرد أن يدافع عن وطنه ومجتمعه ويحميه أو يساهم بإخلاصه في بنائه. ولقد حرصت المجتمعات المتقدمة على تعميق الشعور بالانتماء لدى شبابها وذلك لأنه يمثل حجر الزاوية في حياة تلك المجتمعات واستقرارها وتماسكها، بل ومن الدوافع الرئيسة لتقدمها. واليوم يواجه مجتمعنا تحديات فكرية تستلزم العمل على تعزيز الانتماء والتماس السبل الكفيلة بغرسه ومد جذوره في أعماق تربتنا، وأن نتمثله سلوكاً وممارسة وثقافة ووعياً، لنصل به إلى بر الأمان في ظل الظروف والمتغيرات الراهنة، ففي الوقت الحالي يحتاج وطننا منا أن نكون جميعاً يداً واحدة تبني ولا تهدم، تعمّر ولا تخرّب، تزرع ولا تحرق، تربي ولا تقتل، إذ الناتج من ذلك كله لن يحصده سوانا، ولسوف يكون حصاداً مثمراً إذا نحن أحسنا الغراس. والانتماء للوطن ليس شعاراً براقاً بل ممارسة وتطبيقاً لمبادئ وقيم ورثناها خالفاً عن سالف، ويمكن أن نتمثلها في حب الوطن والاهتمام بخيره ورفاهيته، والولاء والإخلاص له، والحنين له وصعوبة الابتعاد عنه، والمحافظة على أسراره، والدفاع عنه. إن مؤسسات التعليم تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية بناء وتطوير منظومة الانتماء والمواطنة بالعمل الجاد الهادف الذي يؤدي إلى حُسن إعداد الشباب تعليمياً وتربوياً من خلال مناهج دراسية حديثة متطورة، وتكنولوجيا تعليمية معاصرة، وأنشطة طلابية غير نمطية. وتعد المناهج الدراسية إحدى آليات المؤسسات التعليمية التي تعمل على نشر ثقافة الانتماء والمواطنة بين التلاميذ، فعن طريق المناهج الدراسية يتم تدريس بعض المقررات المدرسية والمحددة والتي تقدم للطلاب معلومات عن أنظمة الدولة ومؤسساتها والحقوق والواجبات الوطنية، وعن طريقها بتعلم الطلاب دروساً تفاعلية بالانضمام للجمعيات المدرسية وممارسة الأنشطة الطلابية والمشاركة في اتخاذ القرار. ويلعب المعلم دوراً هاماً في إرساء قواعد المواطنة المصالحة وذلك من خلال موقعه داخل المؤسسات التعليمية، فالمناخ السائد داخل حجرات الدراسة له بالغ الأثر في تشكيل شخصية الطالب لسنوات طويلة فيستطيع المعلم تنشئة الطلاب على قيم وسلوكيات إيجابية وتفعيل دور المشاركة الإيجابية لدى الطلاب. كما أن ممارسة الأنشطة الطلابية من خلال المناهج الدراسية لها دور فاعل في غرس قيم الانتماء لدى الطلاب، فعن طريقها يمكن تقوية الصلة بين المواطن والوطن الذي يجعل المواطن على استعداد للتضحية بكل شيء من أجل الوطن وهذا لا يتم من خلال مناهجنا الدراسية إلا بوضع قيمة الانتماء في مقدمة أهدافها التربوية. لذلك لابد من توفر أهداف محددة لتربية المواطنة وذلك عن طريق ربط المناخ الدراسي بالاستراتيجية التعليمية بحيث يتم توجيه هذه الأهداف إلى محتوى ونشاط وخبرات متعددة تكون لها صلة وثيقة بالخطط والسياسات المقررة، ويتم ذلك من خلال ادارة المناخ والتي تسهم بدورها في تنمية الولاء والانتماء، فوجود هذه الأهداف يساعد على تحديد مساهمة كل ميدان من ميادين المنهج الدراسي، كاللغة العربية، والدراسات الاجتماعية، والعلوم، والرياضيات، وغيرها من المواد الدراسية الأخرى، لأنه لا يمكن لمادة دراسية واحدة تحقيق أهداف تربية تنمية الانتماء والمواطنة كطريقة حياة وسلوك دون مساعدة لمواد الدراسية الأخرى..
* استاذ المناهج وطرق التدريس المشارك قسم التربية -
جامعة الإمام محمد بن سعود
|