مشايخ الصحوة في السعودية يستعدون للسفر إلى باريس ولندن
"السياسي" - بندر السليمان
تُطرح تساؤلات متكررة في الساحة الإعلامية السعودية، حول جدية التغيرات التي طرأت على تيار الصحوة الذي ظل مسيطراً لأكثر من عقدين على المشهد الثقافي والاجتماعي السعودي. ويمكن الإجابة عن هذه التساؤلات بطريقة مختلفة.
وإحدى هذه الأجوبة يمكن العثور عليها في مكاتب خطوط الطيران التي تكشف لنا عن نية عدد من أبرز رموز الصحوة قضاء إجازاتهم لهذه السنة في أوروبا، والتي كانت حتى وقت قريب تسمى في أدبياتهم "أوروبا الكافرة" أو "أوروبا النصرانية" أو "الغرب المسيحي".
ومن بين أبرز الدعاة العاشقين لأوروبا الشيخ عائض القرني، الذي تقول الأنباء إنه يستعد للسفر إلى فرنسا التي بات يعشقها، ومكث فيها الصيف الماضي أكثر من 4 أشهر متواصلة. وبعد عودته كتب مقالاً يمتدح فيه فرنسا والفرنسيين؛ الأمر الذي أثار غضب مناصريه الذين تساءل أحدهم في مواقع الإنترنت عما إذا كان الشيخ القرني يقصد بمديحه هو ذاته "الفرنسي" الذي كان يطلق عليه صفة الكافر ويطلب "من المسلمين التضييق عليه".
وبالرغم من أن الشيخ القرني غلف رحلته بغلاف وعظي رقيق، يهدف من خلاله– كما تحدث في حوارات تلفزيونية عن رحلته الفرنسية- إلى خدمة الإسلام، إلا أن كثيرين حتى من أنصاره لم يصدقوا أن يستغرق الأمر كل هذه الـ4 أشهر، "إلا إذا كان الشيخ القرني يريد أن يدخل الشعب الفرنسي كله الى الإسلام"، كما قال أحد المعلقين لـ" السياسي" مازحاً.
ويقول أحد الذين واجهوا القرني خلال رحلته الشهيرة تلك، إنه كان يقضي أغلب وقته معجباً بجمال فرنسا وسحر طبيعتها والحياة المنظمة، والشعب المتحضر هناك. ويضيف:"كان الشيخ القرني يتحدث كثيرا عن الإسلام، ولكن يتحدث أيضا كثيرا عن فرنسا".
ولكن تحول عائض القرني وسقوطه في هذا الهوى الأوروبي الذي سيجدده هذا الصيف أيضا، يأتي بعد العديد من التغيرات التي طرأت على مسيرته الوعظية التي انتقلت من التشدد العنيف إلى اللين الناعم. وقام الداعية القرني بإظهار هذا التغير بكثير من المورابة والتردد، وتفجيرات بالونات الاختبار حتى يجس نبض التيار المتشدد الذي دائما ما يتراجع أمامه. مثال ذلك تصريحاته المؤيدة لقيادة المرأة للسيارة، قبل أن يعود ويسحبها من جديد. يقول أحد المعلقين لـ"السياسي": "القرني الصحوي تحول إلى القرني الأوروبي بدون أن يقول كلمة واحدة. لا بد من أن نعترف بأن هذه مهارة فائقة".
إذا كان القرني تغير بدون أن يقول كلمة واحدة، فهذا لا ينطبق على الداعية الصحوي– سابقا- سلمان العودة. بالرغم من إعجاب العودة بأوروبا التي سيقضي جزءا من إجازته القادمة فيها، إلا إنه لا يتوقف فقط بالزيارات ولكن أيضا يتحدث العودة بإعجاب دائم عن الثقافة الغربية، ورجالها المكافحين.
ويستمد العودة الكثير من أفكاره الأخيرة من الكتب الغربية التي تتعلق بتطوير الشخصية، وترتيب الوقت، والتخطيط للنجاح، في تركيز كبير على الدنيا بعيداً عن الحديث عن الآخرة. لقد تحول العودة إلى رجل دنيوي أوروبي كثيراً مقارنة بالعودة الديني الأخروي السابق.
تلك التحولات التي مرت بمشايخ الصحوة وجعلتهم من كارهين وناقمين على أوروبا إلى عاشقين ومغرمين بطبيعتها وناسها، تتعرض لانتقادات من طرفين، حيث يعتبر التيار المتشدد ذلك تهاوناً وتنازلا منهم، فيما يعتبر التيار الليبرالي ذلك تدليساً لعدم اعترافهم بأخطائهم السابقة، ومحاولتهم تضليل الجماهير.
ولكن تأثيرات مثل هذه الأسماء الصحوية الأوروبية لها نفوذ كبير على المجتمع بسبب قدرتها على المواكبة والتكيف مع المتغيرات. فالمجتمع يفضل الآن رجل دين يسافر إلى أوروبا أكثر من شيخ لا يغادر مسجده في "بريدة".
مشايخ الصحوة يستعدون هذه الأيام الى تأكيد حجوزاتهم للسفر إلى فرنسا ولندن وروما وبروكسل ومدريد. نتمنى لهم إجازة سعيدة.