حاكم الإمارة مستاء من التقارير الصحافية الظالمة وتساءل عن سببها
سعوديون مهووسون بدبي يتولون عملية إنقاذ سمعتها المشوهة
سلطان القحطاني من دبي: بينما تعبث إحد نسائم مايو، اللندنية الباردة، بمعطفه الرمادي يحاول طالب الماجستير السعودي خالد الثبيتي إحكام وضع حقيبته على كتفه حتى يندس بأحلامه وماضيه في الباص رقم 15 لملاقاة أصدقائه قرب حديقة " الهايد بارك ". وحين يصل إليهم فإنهم يبادرونه بالصراخ: " دبي، دبي ... جاء دبي".
والثبيتي، الذي يمتاز بإبتسامة عذبة وبكمية لا حدود لها من الأسئلة المزعجة، واحدٌ من سعوديين كثيرين معجبون حد الهوس بقصة جارتهم الصاعدة دبي حتى أصبحت إسمه الرديف الذي يُنادى به على سبيل الدعابة. يقول هذا الطالب الذي يدرس في جامعة شرق لندن :" بالنسبة إلي تمثل دبي جزءًا من جيناتي ... لن أتخلص منها أبدًا ".
وحينما جاء الثبيتي، الذي يعيش في العتبة الأخيرة قبيل الثلاثين من العمر عددًا، إلى لندن قبل عامين قرر السكن في ضاحية "كناروي وورف"، التي تبدو شبيهة إلى حد كبير بدبي في بناياتها وأبراجها وحيواتها الليلية، بغية التملص من الطبيعة التقليدية التي تشتهر بها عاصمة ملوك بلاط السانت جيمس.
وهذه واحدة من القصص الكثيرة التي لم يسمع عنها حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد الذي تساءل في جلسة مصارحة جمعته مع مجموعة منتقاة من الصحافيين العرب في إحدى القاعات الأنيقة في فندق "أتلانتس" قبل أسبوعين عن سر هذه الحملة التي تواجهها إمارته بعد حريق الأزمة المالية الذي عصف بالعالم بأسره.
وبحسب مصدر تحدث مع "إيلاف" حول أجواء هذه الجلسة التي استمرت زهاء الساعة والنصف، مشترطاً عدم ذكر اسمه، فقد كان "رجل الإجابات المفترض" يداوم على "إلقاء الأسئلة على الحضور بدلاً من الإجابة على أسئلتهم" إذ كان "يرد على الأسئلة بأسئلة مكتفيًا بطمأنة السائلين على مستقبل دبي".
ويبدو أن الصدى جاء هذه المرة من الرياض وليس من دبي أو من لندن العظمى؛ فقد أنهى فريق مكون من ستة أشخاص يعملون في وسائل إعلامية سعودية اللمسات الأخيرة قبيل إطلاقهم حملة "دبي أقوى" التي تستهدف الدفاع عن هذه الإمارة التي ضربت الأزمة المالية العالمية معجزتها المثيرة لترقب الآخرين وحسدهم.
ويقول رئيس هذه الحملة إبراهيم المعطش في حديث عبر الهاتف ليلة الاثنين عن السبب في إطلاقها على الرغم من أنها مشروع فاشل إن قيس بمقياس الربح والخسارة :" الهدف ليس الكسب المادي بل الدفاع عن ماركة الخليج العربي ... إننا حين ندافع عن دبي ندافع عن أنفسنا وعن اقتصادنا".
ومن المقرر أن تنطلق الحملة الشهر المقبل من خلال ندوات حوارية اقتصادية وبرامج وثائقية تلفزيونية فضلاً عن تنظيم أمسيات شعرية وغنائية تستقطب الزوار إلى دبي، إضافة إلى احتمال تنظيم حوار مفتوح مع حاكم دبي وشيخها الحداثي التحديثي للحديث عن قصة دبي وتجربتها وصمودها في ظل الأزمة.
بخير .. إلى حدٍ ما !
ويلاحظ مراقبون أن دبي أصبحت أكثر حساسية من ذي قبل تجاه كل ما ينشر عنها على الرغم من أن الأزمة المالية ليست حكرًا عليها فحسب بل ضربت دولاً كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية وأسهمت في خسارة عشرات الآلاف من الوظائف وعشرات الشركات التي كانت واحدة من أيقونات الاقتصاد العالمي في يوم من الأيام.
وعلى الرغم من ذلك فإن شركات دبي لا تزال صامدة وعدد الوظائف المفقود لا يتجاوز بضع مئات. غير أن هذا لا يعني أن هذه الإمارة الشهيرة بأبراجها وبولعها الشديد بأفعال التفضيل مثل: أفضل، أكبر، أعلى، أوسع، أطول ... الخ، قد نجت من حرائق هذه الأزمة دون جروح أو رضوض.
والمتابع لأخبار دبي خلال الأشهر الفائتة سيجد التأكيد على ذلك. فقد قال مسؤول حكومي إن حكومة دبي علقت خططًا لتوسعة شبكة خطوط المترو التي تتكلف 4.4 مليارات دولار بعد أن ألغت شركات عقارية أو أرجأت مشاريع بمليارات الدولارات. وقالت شركة بروليدز لبحوث السوق ومقرها دبي في فبراير(شباط) الماضي إن أكثر من نصف مشروعات الانشاءات التي تبلغ تكلفتها 582 مليار دولار في دولة الإمارات تم تعليقها.
وألغت شركات عقارية في دبي أو أرجأت مشاريع بمليارات الدولارات بسبب التراجع الاقتصادي العالمي. وقال عبد الرضا أبو الحسن مدير إدارة التخطيط والتصمم في مؤسسة القطارات بهيئة الطرق والمواصلات للصحافيين على هامش مؤتمر عن القطارات إن الخطوط الأخرى ستعتمد الآن على الوضع الجديد بالنسبة إلى الشركات العقارية لأن أغلب الشركات العقارية أوقفت مشاريعها.
كما قالت مؤسسة استشارية إن الإيجارات تراجعت بشكل حاد في دبي على مدى الشهرين الماضيين وان أسعار بعض العقارات التي تتراوح من الشقق الصغيرة إلى الشقق الفاخرة في جزيرة نخلة جميرا الصناعية هبطت حوالى الثلث.
وقالت مؤسسة لاندمارك الاستشارية ان الايجارات انخفضت بما يصل إلى 50 في المئة في بعض المناطق منذ بلغت أعلى مستوى لها أواخر العام الماضي. ويبلغ متوسط الانخفاض من عشرة إلى 30 في المئة بحسب المنطقة.
كما أظهرت بيانات رسمية أن قطاع السياحة في دبي تباطأ في الربع الأول من العام الحالي مع هبوط عدد الليالي الفندقية للنزلاء 16 %، وانخفاض الإيرادات 15 %، فيما أثر الركود العالمي على القطاع.
لكن بيانات دائرة السياحة والتسويق التجاري أظهرت انخفاض عدد الليالي الفندقية في دبي 16.4 % في الربع الأول من العام إلى 3.87 مليون ليلة، وذلك بسبب تراجع الإقبال على السفر لأغراض الترفيه والأعمال.
وأوضحت بيانات للإدارة أن العدد الإجمالي لنزلاء الفنادق باستثناء نزلاء الشقق الفندقية زاد 3.7 % في الربع الأول من العام إلى 1.62 مليون نزيل. كما أظهرت البيانات أنه مع إقامة الأشخاص عدد ليال أقل وتخفيض الفنادق أسعار الغرف لتظل في دائرة المنافسة فإن إيرادات الفنادق شهدت انخفاضاً نسبته 14.9 % إلى 3.14 مليار درهم (854.9 مليون دولار).
وعلى الرغم من كل هذه القائمة الطويلة من المصاعب فإن التوقعات التي تشير إلى دبي ستحتفي إلى غير رجعة، تبدو مجافية للصواب، وذلك لأن دبي أصبحت أكبر من أن تنهار. وحتى لو أرادت فلن تسمح بذلك الحكومة الاتحادية التي تتولاها أبو ظبي رغم الحساسية التقليدية بين الإمارتين. وسارعت إمارة أبو ظبي مؤخرًا، عبر المصرف المركزي، إلى شراء الإصدار الأول من سندات أصدرتها دبي بقيمة عشر مليارات دولار.
ويتوقع محللون أن تكون المعركة المقبلة مع الدوحة التي تريد هدم أسطورة دبي كي تقيم على أنقاضها نموذجها الجديد مستعينة بماكينة علاقة عامة تبث مقالات وتسرب أخباراً إلى الصحف الأجنبية تستهدف زعزعة ثقة المستثمرين في دبي وتحويل وجهة أموالهم.
شمس جديدة .. وأخرى متجددة
قبل سنوات، وتحديدًا في آذار/مارس من العام 2006 كان سفير إحدى الدول الأفريقية يتحدث بإسهاب حول التحولات السياسية في المنطقة الشرق أوسطية، ويتحدث عن المملكة التي زارها قبل أيام بقوله "حين تريد الذهاب إلى دبي هناك 8 رحلات طيران يومية بالكاد تحصل خلالها على مقعد، إلى الرياض هناك رحلتان في اليوم اغلبها فارغة أين المشكلة؟".
وفي أغلب الأحيان فإن انتهاء خط مسير الحقائب الآتية من دبي على وجه الخصوص إلى الرياض يوازي وقت الرحلة كاملة بين المدينتين إن لم تكن أزيد.
أما اليوم فيكتب جون سفايكناس، الخبير الاقتصادي في بنك "ساب"، في مقالة نشرتها مجلة "تايم" في عددها الحالي تحت عنوان "دروس مستفادة" :" خلال الانفجار الاقتصادي كانت الانتقادات تقول على السعودية أن تنتهج خط دبي .. أما الآن فالجميع يقول علينا أن نحاول أن نكون مثل السعودية".
وعند الانتهاء من قراءة هذه المقالة لن يكون الثبيتي، المذكور أعلاه، هو السعودي الأخير الذي يعتبر دبي بمثابة أمه من "الرضاع الاقتصادي" بل أن المحبين والمهووسيين وصائدي الجوازات والهبات سيتكاثرون دقيقة بعد أخرى للدفاع عن حبيبتهم التي أضرها الطموح والقدر.