عرض مشاركة واحدة
قديم 05-29-2009   رقم المشاركة : ( 7 )
صقر قريش
مشرف الأقسام التعليمية

الصورة الرمزية صقر قريش

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 2814
تـاريخ التسجيـل : 22-08-2008
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 31,556
آخــر تواجــــــــد : ()
عدد الـــنقــــــاط : 596
قوة التـرشيــــح : صقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادةصقر قريش تميز فوق العادة


صقر قريش غير متواجد حالياً

افتراضي رد: الملف الصحفي للطباعة ليوم الجمعة 05-06-1430هـ

الوطن : الجمعة 5 جمادي الأخر 1430هـ - 29 مايو 2009م - العدد 3164
المدرسة: بلادي والقرد...!
عبد الرحمن الوابلي
عندما دخلت المدرسة في أواخر النصف الأول من الستينيات الميلادية، كانت الدراسة آنذاك تعتمد على تلقين الدروس ترديداً وتحفيظاً، وذلك لإيمان جهابذة التعليم في مدارسنا آنذاك، باستحالة قدرة الطفل الذهنية على فهم ما يقالٍ. ولذلك، جزاهم الله عنا كل خير، لم يكونوا يقحمون عقولنا الصغيرة، بالتكفير ولا بكيف نعرف المرأة كثيرة الإنجاب من غيرها.وكان مقرر الهجاء للصف الأول الابتدائي مليئاً بالرسومات المتوسطة والكبيرة. وكان ضمن دروس كتاب الهجاء نشيد " بلادي". وهذا النشيد من المؤكد أن من صاغوه وقرروه، كانوا يهدفون لغرس روح الوطنية وحب الوطن فينا، ولكن المدرس الذي لقننا وبجهد وتعب هذا النشيد الوطني، لم يكلف نفسه عناء إفهامنا معنى كلمة بلادي، وماذا تعني هذه الكلمة، ناهيك عن كلمة عاشت حرة عاشت درة.وكان في الصفحة المقابلة بالتحديد لصفحة نشيد بلادي، في مقرر الهجاء، قصة تحت عنوان القرد والسكرة. وهي قصة لا أعلم بالضبط، ما الفائدة المعرفية أو التربوية منها! ولكنها كانت موجودة، حيث إن قرداً وجد قطعة سكر في التراب، وأخذها ليغسلها بالماء فذابت السكرة من بين أصابعه، وبدأ يبحث عنها أين اختفت، انتهت القصة. وكان فوق قصة القرد والسكرة، رسمة لقرد كبير. شكله مذهل جداً، وكان مدلياً يديه الطويلتين، وفاغراً فمه الكبير، بشفائفه الغليظة وعينيه الجاحظتين اللامعتين. كان شكله مغرياً جداً لأن تتسمر عيناي عليه، أثنا ترديد نشيد بلادي. فلصقت في ذهني الصغير صورة القرد الكبير مع مفردة بلادي. فكنت كلما رأيت صورة قرد بعدها أردد نشيد بلادي.وذات يوم وأنا ألعب مع أطفال في زقاق بيتنا، مر شاب من عندنا يهرول وقد ربط قرداً بحبل والقرد يتحرك بخفة عن يمينه وعن يساره. فلم أصدق ناظري من شدة الغبطة والفرح بما أرى، بلادي في حيييــ أقصد، قرد في حينا؟! يا مرحباً يا مرحبا؛ حيث هذه المرة الأولى في حياتي التي أشاهد فيها قرداً يتحرك أمامي. فخلعت نعلي وأطلقت العنان لساقي وجريت خلفه مردداً بأعلى صوتي، بلادي بلادي...إلخ. ولا أعلم بالتحديد، في أي مستوى تعليمي، بدأت أفرق بين مفردتي بلادي والقرد. والتلازم بين مفردة بلادي والقرد، لم يكن الوحيد في مناهجنا التعليمية آنذاك، ففي المستوى الخامس الابتدائي، كنا ندرس في مادة المطالعة، نشيد " أمي ". وطبعاً كنا نعرف ماذا تعني مفردة أمي، حيث لم يكن للمدرسة فضل علينا فيها ولا منة، لا من قريب ولا من بعيد. ولكن كان هنالك شطر في النشيد يقول "وتمنت لي نجاح بارتقاء." وكنا نردد الشطر " وتمنت لي نجاح برتقال".ولأثبت لكم أنها لم تكن مشكلتي وحدي، فقد ذكر لي قريب لي، بأنه كان يردد الشطر مثلي "... نجاح برتقال." وكان يعتقد بصحة ما كان يردد، حتى تخرج من المعهد العلمي وأصبح مدرس ابتدائي، وبدأ يدرس نفس النشيد لنفس المرحلة ومن نفس المقرر. وقال إنه ذهل ذهولاً شديداً، لكون شطر البيت لم يكن ينتهي بمفردة برتقال وإنما بارتقاء. وعليه طلب من طلبته، إغلاق المقرر والسماع جيداً لما سيقوله لهم، وأخذ يشرح لهم وعلى السبورة الفرق بين مفردتي برتقال وبارتقاء. وطبعاً طلبته لم يكونوا يعرفون أن أستاذهم للتو أدرك الفرق بين المفردتين، أي أدرك الفرق بينهما قبلهم، فقط، بمجرد دقائق معدودة. والشيء بعكسه يعرف، فعندما كنت أحضر لدراستي العليا، في الولايات المتحدة، كنت أقود سيارتي، وكان معي ابني جهاد، والذي كان يدرس آنذاك في المستوى الثاني الابتدائي. شاهدني جهاد وأنا أقود السيارة من غير أن أربط حزام الأمان. فسألني وبطريقة مؤدبة وخجولة: لماذا لم أربط حزام الأمان؟ حيث هو كان قد ربط حزام أمانه. فقلت له إن حزام الأمان لدي " خربان " لا يعمل. فسألني : كيف عرفت بأنه لا يعمل؟ فربطت الحزام وسحبته من وسطه حتى وصل مقود السيارة. فقلت له " شفت وأنا أبوك، يعني إذا تعرضت لحادث فلن يمنعني من الارتطام بمقود السيارة وإمكانية خروجي من الزجاجة الأمامية للسيارة." ابتسم جهاد، بعد أن تأكد أنني كنت جاداً، وشرح لي أن الحزام لا يعمل حتى أضغط على الفرامل أو تتعرض السيارة لصدمة من الأمام. وطلب مني أن أجرب وأضغط على الفرامل. فمسكت فرامل، وأنا ممسك برخاوة بالحزام ومبعده عن صدري، فارتد الحزام على صدري وارتطم به بقوة. ومن تلك اللحظة، اكتشفت أن تذمري، من أن كل سيارة أشتريها، مصابة بعلة خراب حزام الأمان، لم يكن في مكانه. وجاء دوري في السؤال، فسألت جهاد، "وشلون عرفت وأنا أبوك، عن سالفة الحزام هذه؟!" فقال لي إنهم في المدرسة قد شرحوا لهم وسائل السلامة المرورية والتصرف عند نشوب حريق وحدوث زلازل وما شابه. فقلت في نفسي" الللللله حنا ما علمونا الفرق بين بلادي والقرد لما كنا بالمدرسة وشلون عاد وسائل وتقنيات السلامة الدقيقة، لا بعد والزلازل!!"وعلى ذكر جهاد، فقد قرأت للكاتب الكبير جهاد الخازن مقالاً يتحدث فيه عن تجربته مع حزام الأمان وابنه الذي علمه كيف يعمل الحزام وكأنه كان يروي قصتي مع ابني جهاد. والفرق الوحيد في القصة التي رواها الخازن، أن اسم الأب في قصته جهاد، واسم الابن في قصتي جهاد. ولذلك حمدت الله أنها لم تكن مشكلتي وحدي. وقد رويت قصتي مع ابني جهاد وحزام الأمان لقريب لي يعمل موجهاً تربوياً كبيراً ومن الذين أوكل لهم تطوير مناهجنا التعليمية، فقال لي مشدوها، " صحيييح!! اللللله يذكرك للشهادة، تصدق إني ما عمري ربطت حزام الأمان بسيارتي كل هالسنين أحسب إنه خربان. بس الحين عرفت أن التعليم عندنا هو الخربان، ما هو حزام الأمان"!!
آخر مواضيعي
  رد مع اقتباس